ارتفعت أصوات الاستغاثة من داخل البصرة، بعد اتساع رقعة التلوث والجفاف والإصابات السرطانية، الأمر الذي دعا نوابا ومسؤولين لمناشدة الحكومة بإيلاء القطاع الصحي في المحافظة أهمية قصوى، بالإضافة إلى القضاء على شحة المياه وتلوثها، فضلا عن معالجة الغازات المنبعثة من الحقول النفطية.
ويقول النائب عن محافظة البصرة، رفيق الصالحي، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، إن "كل الحكومات السابقة لم تعتن بالبصرة على الرغم من أنها تضم موارد نفطية كبيرة وشركات منتجة، لكنها تعاني من كثرة الدخان وجفاف الأنهار".
ويبين الصالحي أن "مؤتمر اليوم سينعكس إيجابيا على محافظة البصرة، وتحديدا في موضوع معالجة التلوث والتفاتة الحكومة الاتحادية إلى المحافظة"، مضيفا أن "الحكومة إذا كانت جادة في معالجة كل الأمراض فهي قادرة على ذلك في ظل وجود موارد مالية كبيرة".
ويشير إلى أن "البصرة تعاني اليوم، من وجود قطاع صحي متهالك بسبب الوزراء والحكومات السابقة، والالتفاتة إلى الصحة والمستشفيات ستقلل من نسبة الأمراض الخطيرة أو تعالجها".
وكان مكتب مفوضية حقوق الإنسان في البصرة، أعلن يوم أمس الإثنين، عن حملة "أنقذوا البصرة من الملوثات واحتراق النفط"، وطالب بإيصال الماء لها، وحدد اليوم الثلاثاء موعدا لانطلاق الحملة، وهدفها جمع مليون توقيع ترفع إلى مجلس النواب ورئاستي الجمهورية والوزراء وتعلم بها المؤسسة الدينية والمؤسسات الدولية من فعاليات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان.
يذكر أن وزارة الصحة، كشفت قبل أيام عن وجود أكثر من 30 ألف مصاب بالسرطان يتلقون العلاج حاليا في العراق، فيما بينت أن السرطان أحد مسببات الوفيات العشر الأولى في البلد، ونسبة الإصابة فيه هي دون 80 حالة لكل 100 ألف مواطن.
ويشتبه منذ فترة طويلة أبناء المناطق المحيطة ببعض أكبر حقول النفط العالمية في جنوب العراق، الرميلة وغرب القرنة والزبير والنهران عمر، في أن سرطان الدم لدى الأطفال آخذ في الازدياد، وأن حرق غاز الشعلة هو المسؤول عن ذلك.
يذكر أن تحقيقات غربية أظهرت سابقا، أن عشرات الحقول النفطية التي تعمل فيها كبريات الشركات النفطية مثل بريتش بتروليوم BP وإينيENI وإكسون موبيل MOBILEXXON وشيفرون CHEVRON وشل SHELL لا يتم الإعلان فيها عن ملايين الأطنان من الانبعاثات الناتجة عن حرق "غاز الشعلة" الذي يرافق إنتاج النفط فيها.
من جهته، يفيد مستشار محافظ البصرة حسن النجار خلال حديث لـ"العالم الجديد"، بأن "المحافظة بلغت مراحل متقدمة من التلوث البيئي، وهو ناتج عن عوامل عديدة تتعلق بالمستخرجات النفطية والحروب ومخلفاتها وتقليل نسب المياه الواصلة، ما أدى إلى تلوث المياه وتوغل اللسان الملحي القادم من الخليج في مياهها".
ويتابع النجار، أن "بدايات التلوث في البصرة كانت عام 1989 عندما قامت الحكومة آنذاك بحملة لإعمار المحافظة غير أنها تسببت بدمارها، فقد كانت من ضمن خطوات حملة الإعمار توجيه المياه الثقيلة نحو الأنهار الفرعية الكثيرة التي تملأ البصرة وتمنحها لقب (فينيسيا الشرق)، لذا بدأنا حاليا كحكومة محلية بإنشاء خط ناقل يوجه المياه الثقيلة نحو وحدة معالجة في منطقة حمدان بدلا من توجيهها نحو الأنهار، وهذا المشروع سيخلصنا من جزء مهم من التلوث".
ويلفت إلى أن "معالجة التلوث الناجم عن الصناعة النفطية يستوجب تحركا من الحكومة الاتحادية بالتعاون مع الحكومة المحلية لاستثمار مخلفات النفط وعدم تركها سببا للتلوث، أما التلوث الهوائي فيحتاج إلى حزام أخضر ضخم، وهناك مشروع يتم العمل عليه حاليا لإنشاء هذا الحزام، ولكنه يحتاج إلى وقت وإدامة وأموال"، مرحبا بـ"جهود مفوضية حقوق الإنسان لدفع الجهات المعنية إلى التحرك من أجل إنقاذ البصرة من التلوث والأمراض".
وفي البصرة، ارتفعت حالات الإصابة بمرض السرطان بنسبة عشرين في المئة بين عامي 2015 و2018، وفقا لتقرير مسرب لوزارة الصحة، والذي ألقى باللوم على تلوث الهواء.
شركتا بريتش بتروليوم وإيني المقاولان الرئيسان في حقلي الرميلة والزبير النفطيين، ولأنهما لا تديران الحقلين، فإنهما لا تعلنان عن كميات الانبعاثات الغازية الناتجة عن حرق غاز الشعلة فيهما، كما أن المقاولين الفرعيين اللذين يشغلان الحقلين لا يعلنان عن ذلك، وفقا لما أورد تحقيق نشرته "بي بي سي".
أما حقل الرميلة النفطي الذي يبعد 40 كيلومترا عن حقل الزبير فتحرق فيه أكبر كميات غاز مرافقة لإنتاج النفط في العالم، وشركة بريتش بتروليوم هي المقاول الرئيسي لحقل الرميلة النفطي وساعدت في إنشاء شركة الرميلة التي تدير الحقل تحت إشرافها، لكن لا تعلن أي منهما عن كميات الغاز التي يتم حرقها في الحقل.
إلى ذلك، يوضح عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق أنس العزاوي خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "الجهود الحكومية خلال السنوات السابقة لم ترتق إلى مستوى تخليص البصرة من التلوث ومخلفات الحروب، وهناك تلكؤ واضح في معالجة مياه الشرب في البصرة، وكل هذه العوامل ساعدت في انتشار الأمراض السرطانية والوبائية وغيرها في المحافظة".
ويعبر العزاوي عن التطلع إلى أن "تأخذ الحكومة الجديدة على عاتقها معالجة الملفات المعقدة في البصرة بالتعاون مع حكومتها المحلية وإنقاذ السكان من الأوضاع المزرية التي يعيشونها، وتوفير المياه الصالحة للشرب والاستخدام لهم".
ويعول على "المنظمات الإنسانية لتقديم الدعم اللازم للبصرة من أجل تخليصها من التلوث والأمراض إذا عجزت الحكومتان الاتحادية والمحلية عن إيجاد الحلول"، مبينا أن "جزءا من الحملة التي يقودها مكتب مفوضية حقوق الإنسان يهدف إلى تنفيذ التوصيات والاتفاقيات الدولية التي وقع عليها العراق فعليا، سواء كانت تتعلق بالحقوق الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية، أو في ما يتعلق بضمان الحقوق المائية والصحية للمواطن العراقي، وفي البصرة خصوصا".
وكان وزير النفط السابق إحسان عبد الجبار، أعلن سابقا "أوعزنا لجميع الشركات المتعاقد معها والعاملة في حقول النفط بالالتزام بالمعايير الدولية"، وذلك في تعليقه على التقارير التي تشير إلى تزايد الإصابات بالسرطان جراء الانبعاثات.
وفي ما يخص الماء، فكانت مديرية ماء البصرة، أعلنت في آب أغسطس الماضي، تجاوز نسبة الملوحة في الفاو والهارثة المعايير العالمية، حيث وصلت إلى 30 ألف جزء بالمليون في الفاو، وإلى 6800 جزء بالمليون في شمال الهارثة، في حين أنه يجب أن لا تتعدى الملوحة 1000 جزء بالمليون وفق المعايير العالمية.
وتعاني المحافظة منذ 40 عاما من أزمة في المياه الصالحة للشرب، الأمر الذي دفع ثمنه الفقراء من سكانها نظرا لعدم تمكنهم من شراء المياه المعدنية المعبأة.
وكشفت "العالم الجديد"، في سلسلة تقارير مدعمة بالوثائق، بدأت بنشرها منذ عام 2020، عن وجود شبهات فساد وابتزاز تعرض لها ائتلاف شركتي (وود- باي ووتر) البريطانيتين، حالت دون تنفيذ مشروع تحلية مياه البحر في البصرة، الممول من القرض البريطاني، الأمر الذي أدى إلى استبعاد شركات استشارية بريطانية كبرى، والتوجه للتعاقد مع شركة استشارية نمساوية مقرها الإمارات، بحسب مصدر مسؤول بوزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، ما قد يهدد بإلغاء المشروع بالكامل، وحرمان المحافظة من هذا المشروع الاستراتيجي.