غادرت الرسامة ليلى الشوّا عالمنا يوم الاثنين في الرابع والعشرين من تشرين الأوّل / أكتوبر 2022 عن عمر 82 عاماً في العاصمة البريطانية لندن. هي فنانة تشكيلية فلسطينية، ابنة غزّة، رائدة من روّاد الفن التشكيلي المعاصر في العالم العربي، ومبدعة من ذلك النوع الذي لا يَخشى في فنّه لومة لائم. فعلى مدى أكثر من 50 عاماً، أنتجت ليلى الشوّا أعمالها الفنية بين رسم وكولاج وتركيب وتجهيز وحتى غرافيتي، بتنوّع شديد وغزارة ووجهة نظر فريدة. لم تنصَع لإغراء السهولة والمباشَرة، كما لم يستهوها الالتفاف حول القضايا. رسمت للنساء وعنهنّ كثيراً ورسمت من وحي التراث الديني والمحلّي، كما رسمت بالطبع لفلسطين. ولكنها أياً كان موضوعها، ابتعدت عن تبسيطه وتسطيحه، فلم تكن فلسطين أرضاً مقدسة فحسب، وساءلت كيف السبيل إلى التحرر إنْ لم تكن النساء في مركزه..
في هذا السياق تقول الشوّا: "أنا من سلالة طويلة من النساء القويات. كانت جدّتاي قويتان، وأمي من أتباع سيمون دو بوفوار. نشأت على قدم المساواة مع الرجال، وتعلمت أن أؤمن دائماً بقدرة النساء – بل وإلى حدّ ما بتفوّقهنّ. ما لا أستطيع تحمّله هو رؤية النساء خاضعات، أو قابلات لهذا الخضوع".
ولدت ليلى الشوا في غزّة، قبل النكبة بثماني سنوات، عام 1940. وقد كان والدها رئيس بلدية غزة. أحبت الفنّ منذ الصغر، ودرست في معهد ليوناردو دافنشي العالي للفنون في القاهرة بمصر، ثم حصلت على منحة دراسية في إيطاليا حيث تابعت دراستها في كلية الفنون الجميلة في روما. واستضافت بيروت أوّل معارضها الفنية عام 1970.
ولعلّها كانت من أوائل الفنانين العرب الذين اشتبكوا مع الـ"بوب آرت" عبر التصوير الفوتوغرافي والكولاج. استعملت الشوا فن الرسم على الحيطان ("الغرافيتي"" مع دخول الانتفاضة الأولى، في وقت لم يكن ذلك النوع من الفن شائعاً بعد. كما استعملت التصوير الفوتوغرافي خلال الانتفاضة وشكلت على الحيطان "إعلاماً بديلاً" احتجاجاً على التعتيم الإعلامي، فاعتبرت الجدران والمساحات العامة "كمساحات سياسية ذات طابع فوري واستطرادي...".
في مقابلة تلفزيونية مع الصحافية لورين بووث، تجيب الفنانة على سؤال حول إذا ما كانت تعتقد بأن فلسطين ستعود لأهلها حرّة يوماً ما، بالقول: "هذا أطول احتلال في القرن الحادي والعشرين، لكن هتلر سقط والاتحاد السوفياتي سقط والامبراطورية الرومانية سقطت. امبراطورية الولايات المتحدة الأميركية ستسقط أيضاً. أنا أؤمن بالوقت. قد لا يحدث هذا وأنا على قيد الحياة، لكن ليس ثمّة شكّ نهائياً في رأسي حول ]انتهاء الاحتلال".
بعد إتمام دراستها، عادت الشوا إلى غزّة مشرِفةً على تعليم الفنون والحرف في الأونروا والعديد من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. آمنت بأهمية تشكيل صوت مميز وفاعل لدى الأولاد الفلسطينيين ليتكلموا باسم أنفسهم بكل الأشكال الإبداعية. انتقلت بعدها إلى بيروت عام 1967 حيث كرست وقتها للعمل في الاستوديو على فنها. لكن، وبعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، عادت الشوا إلى غزة، حيث ساهمت في تأسيس"مركز رشاد الشوّا الثقافي". ثم انتقلت إلى لندن، مقرها الأخير، منذ عام 1987.
وقد انحاز "السفير العربي" الى ابداعها ومواقفها، فنشر لها دائماً وفي مختلف زوايا الموقع العديد من أعمالها.