التعايش مع "الإيدز" في مصر: وصم وتمييز وانتهاكات بالجملة

بحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة "الإيدز" فإن عدد المتعايشين مع الفيروس في مصر وصل إلى نحو 30 ألفاً للعام 2021، بينما تصل نسبة الأشخاص الذين هم على دراية بحالتهم الصحية إلى حوالي 65 في المئة من إجمالي عدد المتعايشين. وقد قدرت نسبة المتلقين للعلاج المضاد للفيروسات من بينهم بنحو 40 في المئة.
2022-10-04

إسلام ضيف

كاتب صحافي


شارك
حملات للتوعية حول مرض الايدز

الخوف من المجتمع جعل "أكرم" (اسم مستعار) يتردد في الإفصاح عن إصابته بفيروس نقص المناعة المكتسب (HIV). هو اكتشف ذلك بمحض الصدفة أثناء إجراء فحوصات وتحاليل طبية جاءت نتائجها بما لم يكن يتخيله ولو للحظة. حولته مخاوفه إلى شخص انطوائي يخشى مواجهة ذهنية راسخة اعتادت نبذ حامل الفيروس. وللمفارقة، يعترف بأنه هو نفسه كان يملك تصورات خاطئة في السابق عن مسببات الإصابة فضلاً عن نظرته السلبية تجاه المصابين.

تحولت حياة "منار" إلى كابوس حين طالبها جيرانها بمغادرة منزلها ورحيلها عن الحي الشعبي الذي تسكنه بعد علمهم بإصابتها بالإيدز، وبعد صراع مع الأوضاع المعيشية وازدراء أهالي المنطقة لها وكأنها ملعونة، أقدمت الشابة العشرينية على إلقاء نفسها من الطابق السادس لتسقط جثة هامدة وسط تحذيرات وُجهت من الجيران إلى المارة بعدم لمسها لأنها "عندها إيدز".

بحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة "الإيدز" فإن عدد المتعايشين مع الفيروس في مصر وصل إلى نحو 30 ألفاً للعام 2021، بينما تصل نسبة الأشخاص الذين هم على دراية بحالتهم الصحية إلى حوالي 65 في المئة من إجمالي عدد المتعايشين. وقد قدرت نسبة المتلقين للعلاج المضاد للفيروسات من بينهم بنحو 40 في المئة.

دخول أحد المتعايشين مع المرض وهو ينزف إلى طوارئ مستشفى المنيرة العام بالقاهرة بعد أن أغلقت مستشفى حميات العباسية الأبواب أمامه ورفض معهد ناصر استقباله، كان قد تسبب في حالة من الذعر خيمت على الأطباء والعاملين، وجاءت شكوى المريض بعدم تقديم اللازم له بسبب الاستياء من وجوده في المستشفى.

وعلى الرغم من أن مصر لديها معدل انتشار منخفض، إلا أنه من الصعب الحصول على تقييم دقيق للأشخاص المتعايشين نظراً لأن الوصم المرتبط بالمرض يمنع الكثيرين من إجراء الفحوصات، وهذا لو حصل فقد يؤدي إلى زيادة معدلات الإصابة. ويقتصر توثيق وزارة الصحة على الحالات التي تتوافد على المستشفيات الحكومية فقط، فالأعداد المسجلة رسمياً بقواعد البيانات تبلغ 18200 حالة، أما بالنسبة لباقي الحالات فلا تعلم الوزارة عنهم شيئاً.

تخوفات شديدة أعربت عنها مديرة "البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز" بشأن انخفاض ملحوظ في المعدل العمري للمصابين خلال السنوات الماضية، حيث امتدت الإصابة لتشمل حالات من مراحل المراهقة والطفولة.

أساطير مغلوطة

عادة ما تكون السلوكيات المشينة المتبعة مع المتعايشين مرتبطة بترويج معلومات خاطئة وربط الإصابة بأنماط سلوكية وجنسية معينة يرفضها المجتمع، فلا يسلم المتعايش من إصدار الأحكام المسبقة. كما أن تفشي الوصم والتمييز يتسبب في العزوف عن الذهاب إلى المراكز الطبية والمستشفيات للحصول على الخدمة.

ويشير الدكتور محمد الخولي مدير البرنامج الصحي في "مؤسسة الشهاب للتطوير والتنمية الشاملة" إلى الاعتقاد الخاطئ والشائع بأن الفيروس ينتقل بسبب مخالطة الشخص المصاب عبر التقبيل أو المصافحة أو التعاملات الاعتيادية، وهي مفاهيم تجذرت في عقول الكثيرين دون أن يكون لها أي أساس من الصحة.

ويضيف الخولي، أن انتقال العدوى يكون عن طريق الدم أو عبر العلاقات الجنسية "غير المحمية"، كما يمكن لفيروس العوز المناعي أن ينتقل من الأم المصابة إلى طفلها أثناء الحمل أو الرضاعة. وليس بالضرورة أن يتطور فيروس نقص المناعة (HIV) إلى "الإيدز"، ولكن الإيدز يعد مرحلة متأخرة من الإصابة يمكن تجنبها أو ضبطها إذا تحقق الالتزام بالدواء الموصوف.

دخول أحد المتعايشين وهو ينزف إلى طوارئ مستشفى المنيرة العام بالقاهرة بعد أن أغلقت مستشفى حميات العباسية الأبواب أمامه ورفض معهد ناصر استقباله، كان قد تسبب في حالة من الذعر خيمت على الأطباء والعاملين، وجاءت شكوى المريض بعدم تقديم اللازم له بسبب الاستياء من وجوده في المستشفى.

إحدى المتعايشات (30 عاماً) انتقل الفيروس إليها من زوجها المدمن، وتحكي قصتها، فتقول أن أسرتها تخلت عنها عندما علموا بإصابتها قبل خمس سنوات وهي على وشك الولادة. كما أن طفلها أصيب بفيروس نقص المناعة المكتسب وصارت تعيش كمنبوذة يلفظها الجميع، حتى طبيب جراحة الأسنان الذي اضطرت أن تخبره بحالتها عندما كانت تعاني من ألم شديد في الأسنان ابتعد عنها وطالبها بمغادرة العيادة.

تمييز في أماكن العمل

"تسليم الراتب الشهري للموظف المتعايش بمنديل ورقي"... مشهد مهين يرويه "أكرم" عما يحدث لأحد أصدقائه من المتعايشين، والذي يعمل موظفاً في جهة حكومية أبلغته بحصوله على إجازة مفتوحة بعد أن تسربت معلومات لمديره عن إصابته، وعندما سأل عن السبب قيل له: "عليك أن تبقى في منزلك لأنك مصاب بالإيدز، وراتبك سيصلك كل أول شهر".

بدون أي سند قانوني، يصل التعسف ضد المصابين بفيروس نقص المناعة إلى حد الفصل من أماكن عملهم. كما أن هناك جهات تفرض الاختبارات الطبية كشرط للقبول في الوظيفة، ويتم رفض المتقدمين حاملي الفيروس بغض النظر عن حالتهم الصحية حتى وإن كانت تلائم طبيعة العمل.

انتقال العدوى يكون عن طريق الدم أو عبر العلاقات الجنسية "غير المحمية"، كما يمكن لفيروس العوز المناعي أن ينتقل من الأم المصابة إلى طفلها أثناء الحمل أو الرضاعة. وليس بالضرورة أن يتطور فيروس نقص المناعة (HIV) إلى "الإيدز"، ولكن الإيدز يعد مرحلة متأخرة من الإصابة يمكن تجنبها أو ضبطها إذا تحقق الالتزام بالدواء الموصوف.

اعتبرت منظمة العمل الدولية أن القوانين الموجودة في الدول العربية تفتقر إلى الأحكام الواضحة للحماية من التمييز في بيئة العمل، وأشارت إلى معدلات بطالة مرتفعة في صفوف المتعايشين وبالأخص النساء والمتحولين جنسياً. فالأشخاص المصابين يواجهون التمييز خلال البحث عن عمل ويواجهون معاناة في الحفاظ على وظائفهم، بالإضافة إلى أن الإصابة تتسبب في منع الترقيات الوظيفية.

رحلة العلاج

لا يوجد حتى الآن علاج نهائي لعدوى فيروس العوز المناعي/الإيدز، ولكن تستخدم الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية (Retrovirus) للسيطرة على فيروس الإيدز داخل الجسم والوقاية من المضاعفات. تقدم وزارة الصحة الخدمة للمصابين من خلال مراكز الفحص والمشورة، والتي تتيح عمل اختبار الكشف.

تستورد مصر الأدوية المقدمة للمتعايشين من الخارج، ويتم صرفها بالمجان للمسجلين في قواعد البيانات من مستشفيات الحميات التابعة لوزارة الصحة. وتعد سرية الفحص أحد أهم المبادئ المعلنة التي ترتكز عليها خدمة الفحص الطوعي والمشورة.

في كثير من الأحيان يمتنع مقدم الخدمة الطبية عن القيام بدوره بمجرد العلم بأنه يتعامل مع حالة مصابة بالإيدز على الرغم من إعلان وزارة الصحة عن جهود لمنع الوصم والتمييز ضد المتعايشين داخل قطاع الخدمات الصحية من خلال البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، ووضع خطط تستهدف خفض معدلات الإصابة.

في بيان سابق لـ "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، استنكرت فيه تردي الأوضاع الصحية في سجن القناطر للنساء بعد كشف سجينات عن وجود حالات مصابة بفيروس الإيدز، حيث اكتفت الإدارة بعزل المصابات داخل غرفة واحدة. وبحسب سجينات سابقات فإن إدارة سجن النساء بالقناطر لا تقوم بتوقيع الكشف الطبي بشكل حقيقي على السجينات وتكتفي بعمل كشف الحمل فقط.

الحرص على عدم انكشاف سر الإصابة أمام المجتمع المحيط، دفع الكثيرين إلى تكبد أعباء السفر وقطع المسافات لصرف جرعة الدواء الشهرية من منافذ مستشفيات الحميات بمحافظات أخرى بعيدة عن محل الإقامة. فمراكز العلاج موزعة بين مستشفيات الحميات ومستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية، في محافظات مختلفة.

السجون.. بيئة خصبة

ليس هناك أي أرقام أو تقديرات معلنة عن المتعايشين مع المرض داخل السجون وأماكن الاحتجاز سواء من جهات حكومية أو غير رسمية، وقد أعلنت وزارة الداخلية عن تخصيص مراكز لفحص المصابين في سجون برج العرب والقناطر والفيوم ووادي النطرون.

مقالات ذات صلة

في بيان سابق لـ "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، استنكرت فيه تردي الأوضاع الصحية في سجن القناطر للنساء بعد كشف سجينات عن وجود حالات مصابة بفيروس الإيدز، حيث اكتفت الإدارة بعزل المصابات داخل غرفة واحدة. وبحسب سجينات سابقات فإن إدارة سجن النساء بالقناطر لا تقوم بتوقيع الكشف الطبي بشكل حقيقي على السجينات وتكتفي بعمل كشف الحمل فقط.

بدون أي سند قانوني، يصل التعسف ضد المصابين بفيروس نقص المناعة إلى حد الفصل من أماكن عملهم. كما أن هناك جهات تفرض الاختبارات الطبية كشرط للقبول في الوظيفة، ويتم رفض المتقدمين حاملي الفيروس بغض النظر عن حالتهم الصحية حتى وإن كانت تلائم طبيعة العمل.

شهود عيان من السجناء السابقين أكدوا وجود ممارسات داخل أماكن الاحتجاز والسجون تنذر بخطر تفشي العدوى، ومنها شيوع تعاطي المواد المخدرة داخل هذه الأماكن، فيتم استخدام الحقن كأحد طرق التعاطي التي تسمح بانتقال العدوى نتيجة مشاركتها مع شخص مصاب.

أحدى هذه السلوكيات أيضاً، انتشار ممارسة الجنس بين الرجال في السجون، والتي تكون على الأغلب علاقة جنسية "غير محمية" قد تتسبب في نقل الفيروس من الشخص المصاب إلى الشريك الآخر.

في السجون وأماكن الاحتجاز، يكون السجين المصاب بفيروس الإيدز الأكثر عرضة للانتهاكات من السجناء وموظفي السجن على حد سواء. محتجز سابق بقسم شرطة قصر النيل يتذكر معاناة متعايش احتجز في عام 2015، ويصف طريقة تعامل المحتجزين وأفراد الشرطة بالقسم معه بأنها كانت في منتهى الدونية. فالمحتجزون عايروه وأرغموه على النوم بجانب دورة المياه، كما تعرض للعنف والإساءة من موظفي الشرطة. 

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه