الصورة المنتشرة تحمل كل العناصر التي تجعل منها أيقونية، كواحدةٍ من تلك اللقطات التي تُطبع طويلاً في الذاكرة لأشخاص يسمّونهم "أبطالاً". صورة لامرأة شابة تقف على طاولة مكتب في مصرف بلباسها الأسود حاملةً مسدساً تحاول تعليقه على خصرها، ولا تشهر فوهته إلّا نزولاً. لكنّ الفعل نفسه أكثر "أيقونية" من الصورة.
فقد دخلت المواطنة اللبنانية سالي حافظ صباح يوم الأربعاء 14 أيلول / سبتمبر إلى فرع "بنك لبنان والمهجر" (BLOM) في منطقة السوديكو في قلب بيروت، وبيدها مسدس مزيّف كذلك الذي يستخدم في صناعة الأفلام، مطالبة الفرع بتسليم وديعتها ووديعة أختها التي يحجزها المصرف، كما يحجز أموال سائر المودعين في إجراءات تعسفية لا يمكن أن تسمّى إلا سطواً ونهباً منذ بدايات الأزمة الاقتصادية التي تتخذها المصارف عذراً لممارسة أبشع أنواع السرقة والسيطرة والمنع والتحكم بحياة الناس من خلال وضع يدها على جنى أعمارهم دون وجه حق.
صوّرت سالي دخولها إلى البنك مباشرة عبر "فيسبوك لايف"، وتكلمت من أمام وخلف الكاميرا بصوتٍ غير مرتجف: "ما بقى يمشي الحال إلا هيك!" أي بالقوة (وإن كانت بمسدس لعبة لمجرد الترهيب) ـ وذلك فقط بعد أن استنفدت كل الخيارات.
قالت سالي للإعلام أن أختها المريضة بالسرطان تموت أمام عينيها. "لم يقف قربنا وزير…"، "لم يعد لديّ ما أخسره. وصلنا للآخر"، حتى أن سالي كانت قد نشرت على فيسبوك قبل يوم واحد فقط صورة لاختها مع ابنتها في المستشفى، واعدة إياها بتأمين سفرها للعلاج "لو بدّا تكلّفني حياتي"...
أخبرت سالي كيف أنها ذهبت لمقابلة مدير البنك منذ يومين فقط. "رجوته. قلت له أنّ أختي تموت. لم تعد تملك الوقت"، إلا أن مدير المصرف عرض عليها مبلغاً تافهاً جداً مقارنة بمصاريف علاج أختها الكبيرة.
"أنا إنسانة غير قادرة على أذية نملة، لكنني أرى قطعة مني تذوي أمامي ولا أسمع من الناس إلا كلمة "الله يشفيها". إذاً لم أعد قادرة على الوقوف مكتوفة الأيدي، في حين أنني أعلم أننا أودعنا في المصرف الذي يبعد خطوات من بيتنا مبلغ 20 ألف دولار لا يريدون إعطاءنا إياها".
بالنتيجة، حصلت سالي على مبلغ 13 ألف دولار من مجمل وديعتها. صورت العملية بالكامل حتى لا يتهمها المصرف بالسرقة، فهي تؤكّد أنها أخذت "أقل من حقها، لا أكثر"، بعد أن كانت وصلت إلى مرحلة أوشكت فيها على بيع كليتها من أجل تأمين مصاريف العلاج لاختها.
المصرفُ الإله!
27-12-2019
خارج المصرف، وقف الشاب بسام الشيخ حسين متضامناً معها، وهو الذي كان سبقها إلى الفعل نفسه عندما ضاقت به الدنيا فيما هو يحاول تأمين المال من أجل عملية جراحية يحتاجها والده المسنّ بشكل ملحّ. ثمّ بعد ساعات قليلة من عملية سالي، اقتحم رامي شرف الدين فرع "بنك البحر المتوسّط" في بلدة عاليه بالسلاح، ليستردّ جزءاً من وديعته قبل أن يُلقى القبض عليه.
وفي الواقع، فهذه رابع عملية اقتحام بنك بالسلاح أو المواد القابلة للاشتعال من قبل مودعين تحصل في هذا العام في لبنان (وخامسها منذ بداية الأزمة حسب جمعية المودعين)، ابتداءً بعبد الله الساعي الذي اقتحم بنك BBAC في بلدة جبّ جنين، مروراً ببسام الشيخ حسين الذي دخل بسلاحه إلى فيدرال بنك في الحمرا، وصولاً إلى سالي حافظ فرامي شرف الدين في يوم واحد! وللمرءِ أن يتخيّل فقط كم ألفاً وألفاً من المودعين اليائسين من الحلول، المستعدين للقيام بأي شيءٍ لإنقاذ مَن يحبّون من الموت، لإرسال أولادهم للتعلم، للإنفاق على الحياة اليومية التي باتت مصاريفها لا تُطاق، أو لمجرّد استعادة حقّ أخذ منهم عنوة وأفنوا عمراً في جمعه! كم سالي وبسام ورامي وعبدالله وغيرهم ما زالوا قابعين في بيوتهم، يسايرون قهرهم ويؤجّلون انفجارهم؟