أواخر 2021، نشرت الوكالات العالمية صوراً لتمدد التصحّر في أهوار الجبايش في محافظة ذي قار في العراق. كان موسم المتساقطات 2020-2021 آنذاك من الأكثر جفافاً في المنطقة منذ أكثر من 40 عاماً حسب الأمم المتحدة، التي تضع الأهوار على لائحتها للتراث العالمي كمحمية بيئية دولية. يتواصل الجفاف والتصحر بالتمدد في تلك المناطق التي تُعرف بـ "رئة العراق" - البقعة البيئية الخلابة التي توفّر ثروة مائية وحيوانية وسمكية وزراعية (وثقافية أيضاً) مهمة، والتي استمرت الحياة عليها منذ عصور السومريين، إلى أن صارت اليوم تواجه بشكل حقيقي خطر الاندثار. وصلت ملوحة مياه الأنهر إلى مستويات غير مسبوقة تهدد استمرار الحياة للبشر والكائنات والنباتات التي تعيش منها وعلى ضفافها.
____________
من دفاتر السفير العربي
بلا مياه: العراق يموت
____________
شكل هذا العام امتداداً مؤلماً لما سبقه. ومنذ أيام، في 24 تموز/يوليو 2022، خرج مئات الأهالي من محافظة ميسان (العمارة) للاحتجاج على تردّي الأوضاع في منطقتهم إلى درجةٍ دفعت بالآلاف إلى ترك قراهم والنزوح قسرياً إلى مناطق أخرى، خوفاً من التسمّم (وقد سجلت وزارة البيئة 700 حالة تسمم هذا العام فقط بسبب تلوث مياه الأهوار) وفقدان المعيشة والظروف البيئية السيئة التي ضيّقت إمكانية الحياة في أهوارهم. طالبوا بحلّ فِعلي، مناشدين المعنيين تحملَ مسؤولياتهم بمواجهة التصحر وإصلاح السياسات المائية التي تودي بسكان الأهوار إلى الكارثة الكاملة، في حين اجتمعت عليهم عدة عوامل طبيعية وسياسية في وقت واحد. فإلى جانب التغير المناخي والتصحّر، هناك استمرار خنق الأهوار من السدود التركية والإيرانية وسوء الإدارة وتخلّف السلطات العراقية عن محاولة إنقاذها. أعلنت وزارة الماء العراقية أن المياه الجارية القادمة من إيران وتركيا تناقصت إلى أقل من النصف في عام 2021، وإلى ذلك، تٌسلّط يومياً مياه الصرف الصحي على نهر دجلة الذي يغذّي قسماً كبيراً من الأهوار. أمّا النازحون النازلون إلى المدن، فيعيشون اغتراباً عظيماً وشظف عيشٍ ويلجأؤون غالباً إلى العمالة اليومية البسيطة.
"إذا سألتني عن وضع أرضي، فسأخبركَ عن الجفاف، والفقر والصراعات القبلية، وتمييز الدولة، وفقدان الثقافة الأهوارية". هكذا كتب الأهالي على يافظة كبيرة حملتها مجموعة من المتظاهرين. فيما أضاف آخرون بالإنكليزية، متجهين إلى الهيئات الدولية المعنية، "أحد أجمل الأماكن في العالم على وشك الاندثار. أنقذوا الأهوار!"، "400 كائن حي مهدد بالهجرة أو الانقراض في الأهوار"، "إن لم نفعل شيئاً فلن يبقى من الأهوار شيء!"...
في الأثناء، يعيش المزارعون ورعاة الجواميس في حالة أسى وخوف على كل ما ألفوه وأحبوه وشكّل مصدر حياة - بالمعنى الحرفي للكلمة - لهم. يعلن السكان ومعهم الأرقام والوقائع والأبحاث، حالة الطوارئ في الأهوار، لكن ما مِن أحد يتصرف على أساس هذا الطارئ!