بطاقات التموين في مصر: تهديد رغيف الخبز

لدى المصريين تخوفات مشروعة من أن تقترب يد الدولة الغليظة من خبزهم وهو بالكاد كفاف يومهم. فقد تابعوا بقلق تصريح الرئيس المصري وهو يقول" ليس معقولاً أن تبيع الحكومة 20 رغيف خبز بثمن سيجارة واحدة".
2022-06-09

ممدوح عبد المنعم

كاتب، من مصر


شارك
رغيف العيش في مصر

فوجئ المصريون مع نهايات شهر أيار/ مايو المنصرم بقرار جديد لوزارة التموين يقضي بضرورة تسجيل بيانات البطاقة التموينية على موقع الوزارة مقترناً برقم التليفون المحمول الخاص بصاحب البطاقة. القرار كارثي حقاً وعلى كافة الأصعدة! فعلى الرغم من أنّ أغلب المصريين يمتلكون بالفعل أجهزة تليفونات محمولة، إلا أنّ الملايين منهم قد اشتروا خطوط تلك الهواتف من مندوبي شركات المحمول الذين كانوا يجوبون الطرقات لبيع الخطوط، ولم يتم تسجيل هذه الهواتف بأسماء أصحابها. وهكذا اندفعت تلك الأعداد الغفيرة نحو شركات المحمول على امتداد مصر لتسجيل الخطوط بأسماء حامليها أو لشراء خطوط جديدة. بدا المشهد أمام تلك الشركات محزناً وصادماً في ظل تدافع المئات من السيدات المسنّات والشيوخ الطاعنين في السن وهم يحاولون تسجيل تلك الخطوط بأسمائهم أو شراء خطوط جديدة خشية فقدان حقهم في الحصول على السلع التموينية المدعومة.

وفي الواقع، فليس من ضرورة فعلية أو إجرائية لهذه الخطوة التي تبنتها وزارة التموين وجعلت لها أجلاً زمنياً لمدة شهرين فقط! فما دخل أرقام الهواتف المحمولة بحق المواطنين في الحصول على التموين، وفي الحصول على الدعم؟ ومن ثمّ فقد اندفع الناس إلى التكهن بأنّ الخطوة مرتبطة بتعزيز إيرادات شركات المحمول وإنعاش عمليات شراء الخطوط، وكأنّها نتاج صفقة مع تلك الشركات، ابتزاز ممنهج وضغط لئيم، يضاف إلى جملة الضغوط التي يتكبدها المصريون كل يوم.

الرغيف

هناك مثل دارج في مصر يقول "عض قلبي ولا تعض رغيفي" خاصة عندما يكون هذا الرغيف هو قوام الغذاء، بما لا يسمح بتعدد الأصناف أو برفاهية المفاضلة.

في 17 تشرين الأول /أكتوبر 2021، وبمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بيانات جاء فيها "أنّ معدلات الفقر في مصر بلغت نسبة 29.7 في المئة خلال عام 2019 – 2020" (1). وثمة مؤشرات عديدة وجازمة تسمح بالتأكيد أنّ هذا الرقم لم يعد دقيقاً بالكامل ونحن في منتصف 2022، إذ جرت تحت الجسور مياه كثيرة وانضمّ إلى جيوش الفقراء أعداد إضافية من طبقات أخرى ظلت تصارع الفقر لوقت طويل حتى صرعها. لقد جرى خفض سعر صرف الجنيه المصري للمرة الثانية وارتفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، وبات الحديث عن أزمة اقتصادية طاحنة يُطرح بشكل علني وصريح في خطاب السلطة نفسها التي حرصت لوقت طويل على التجمّل والتبشير بآفاق من الرفاهية والراحة للمصريين، وهو ما لم يتحقق بطبيعة الحال في ظل الخلل الجسيم في تقدير الأولويات وبنود الإنفاق.

يبلغ عدد بطاقات التموين والتي يحصل المصريون بمقتضاها على حقهم من السلع التموينية نحو 23 مليون بطاقة، يستفيد منها قرابة 64 مليون مصري من مجموع عدد السكان البالغ نحو 103 مليون نسمة.

تعززت التخوفات بعد التصريحات الأخيرة والتي كشف فيها وزير التموين عن أسباب عدم قبول "المواليد الجدد" في بطاقات التموين، مؤكداً أنّ إضافة المواليد تتطلب توفير اعتمادات مالية من الموازنة العامة للدولة، ولا يوجد حالياً اعتماد مالي لذلك.

وحدهم الفقراء يدفعون الثمن عاجلاً ومن اللحم الحي بعد أن طمرتهم الأزمات الاقتصادية المتلاحقة حتى اختلّ التوصيف الطبقي بالكامل، وصار بلا معنىً.

بالمقابل، ظل الدعم الحكومي الذي تقدمه السلطة للمواطن في صورة سلع تموينية هو آخر الملاذات (الآمنة) للفقراء. وقد حرصت الحكومات السابقة على عدم الاقتراب من هذا الدعم أو المساس به إلا بدرجات محسوبة وحذرة للغاية. وظل غضب الشعب في انتفاضة الخبز في 18 و19 كانون الثاني/ يناير من العام 1977 حاضراً بشدة في أذهان تلك الحكومات المتعاقبة بعد ذلك.

يبلغ عدد بطاقات التموين والتي يحصل المصريون بمقتضاها على حقهم من السلع التموينية نحو 23 مليون بطاقة، يستفيد منها قرابة 64 مليون مصري من مجموع عدد السكان البالغ نحو 103 مليون نسمة.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أنّ نحو 72 مليون مصري يستفيدون من دعم الخبز. ويحق للمواطن الحصول على 5 أرغفة خبز يومياً بسعر 5 قروش للرغيف الواحد في حين أنّ تكلفته الفعلية تصل إلى نحو 65 قرشاً.

وقد صار الآن لدى المصريين تخوفات مشروعة من أن تقترب يد الدولة الغليظة من خبزهم وهو بالكاد كفاف يومهم. فقد تابعوا بقلق تصريح الرئيس المصري وهو يقول" ليس معقولاً أن تبيع الحكومة 20 رغيف خبز بثمن سيجارة واحدة"، مع أنّه لا يوجد رابط على الإطلاق بين استهلاك الخبز واستهلاك السجائر، وقد بدت المقارنة غير منطقية وغير عادلة.

أوحت كلمة الرئيس بأنّها تمهيد لما لا يمكن التنبؤ به فيما يخص رفع الدعم الحكومي عن الخبز وإن بشكل جزئي، وتحدثت وزارة التموين عن أنّ الخيارات أمامها مفتوحة بشأن سعر رغيف الخبز، ولكن "في الوقت المناسب".

ثم تعززت التخوفات بعد التصريحات الأخيرة والتي كشف فيها وزير التموين عن أسباب عدم قبول "المواليد الجدد" في بطاقات التموين، مؤكداً أنّ إضافة المواليد تتطلب توفير اعتمادات مالية من الموازنة العامة للدولة، ولا يوجد حالياً اعتماد مالي لذلك.

وكانت صحيفة الأهرام قد نشرت قرار رئيس الجمهورية بتكليف الحكومة بوقف إصدار بطاقات تموينية جديدة للمقبلين على الزواج، علاوة على تخفيض البطاقات القائمة بالفعل إلى فردين فقط مهما بلغ عدد أفراد الأسرة! وتساءل الرئيس: كيف يتمّ الإنفاق على متزوج جديد، والدولة في حاجة إلى هذه الأموال لإنشاء مشروعات تنموية؟ فيما أكد وزير التموين على عدم إصدار بطاقات بديلة للبطاقات التالفة أو المفقودة في الوقت الحالي لحين ضبط قواعد المنظومة التموينية (2).

إرضاء صندوق النقد الدولي؟

يشعر المصريون طوال الوقت أنّ حقهم في الحصول على الدعم الحكومي للمواد التموينية لم يعد خطاً أحمر كما كان في الماضي، وهذا في الوقت الذي يفترض فيه أن تتم زيادة هذا الدعم نظراً لتفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة، وخصوصاً بعد أزمة جائحة الكورونا ومع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وزيادة معدلات البطالة والتي وصلت طبقاً للإحصائيات الرسمية إلى 7.4 في المئة ممن هم في سن العمل.

تشير الإحصاءات الرسمية إلى أنّ نحو 72 مليون مصري يستفيدون من دعم الخبز. ويحق للمواطن الحصول على 5 أرغفة يومياً بسعر 5 قروش للرغيف الواحد في حين أنّ تكلفته الفعلية تصل الى نحو 65 قرشاً.

كلّف رئيس الجمهورية الحكومة بوقف إصدار بطاقات تموينية جديدة للمقْبلين على الزواج، علاوة على تخفيض البطاقات القائمة بالفعل إلى فردين فقط مهما بلغ عدد أفراد الأسرة!

يعتبر جودة عبد الخالق، وزير التضامن الاجتماعي السابق وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع المعارض (3)، أنّه كان يتعين على الدولة البحث عن مصادر أخرى لتعويض الخلل في عجز الموازنة وإصلاحه عوض الضغط على الفقراء ومحدودي الدخل. ويضيف "هذا خيار سياسي قد يكون أساسه محاولة إرضاء صندوق النقد الدولي ومنظمات التمويل الأخرى، لكن في رأيي هذا يتعارض بشدة مع الدستور لأنّه يجافي مبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه فيه". ويرى الوزير السابق أنّ "الدعم ضرورة طالما أنّ هناك فقراء. لا بد من حل مشكلة الفقر أولاً وبعدها يمكن الاستغناء عن الدعم، لكنّ الإصرار على خفض مخصصات الدعم بهذا الحجم غير المسبوق ستترتب عليه زيادة معدل الفقر ومعدل سوء التغذية، ما سيترك أثره على طبيعة التركيبة السكانية".

كل صباح، تصطف سيدات مصر في طوابير طويلة أمام أفران الخبز للحصول على حصتهنّ من بطل المائدة بلا منازع. تلك هي المعادلة التي غابت عن حكامنا وهم ينعتوننا بالتبذير وإهدار الموارد والاستهلاك "المبالغ به" للخبز. غاب عنهم أنّه كلما زادت معدلات الفقر زاد معها استهلاك الخبز في تناسب طردي لا يعرف الرفق. وغابت عنهم تلك الابتسامة الباهتة التي تنطبع على وجوه النساء في بواكير كل صباح وهنّ يعدنَ من الأفران يحملنَ حصة الخبز في الأكياس البلاستيكية، حيث يشعرنَ ساعتها ببعض الأمان لأنّ ذلك الخبز وحده يتكفل بملء البطون الجائعة هناك في تلك البيوت التي أثقلتها الفاقة. 

______________________

 1- جريدة "اليوم السابع" 17 تشرين الاول/ أكتوبر 2021
 2-  صحيفة المصري اليوم 2 كانون الثاني/ يناير 2022
 3- في حديثه مع بي بي سي عربي فى 12 كانون الاول/ ديسمبر 2021 

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

عمْ "سيِّد"

هو أحد أقارب والدي، لا أراه إلا نادراً. عرفتُ قصته بالصدفة في حوار عائلي عابر، ولكن الرجل – بعد تردد - أطلعني على بقية التفاصيل المؤلمة، التى لايعرفها إلا قلة...