سيرة علاقة المغاربة بالكمامة!

اختزل المغاربة الكمامة كتمثّل أمني أكثر من كونها وسيلة وقائية. ولذا فقد ثقلت وطأتها على أنفسهم وصارت بمعنى ما مرادفاً للخوف، أو للشعور بالظلم. وبينما صدر قانون ينظم ارتداءها والعقوبات المترتبة على عدم الالتزام بها، لم يصدر قانون يلغي سابقه حينما انتفت الحاجة بها، بل تخلى عنها الناس من تلقاء انفسهم..
2022-06-02

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
الترام يرتدي الكمامة في المغرب

يجلس الركاب في مقاعد التاكسي الكبير. يُذَكّرهم السائق بضرورة ارتداء الكمامة. في الرحلة الطويلة عادة ما يكون ارتداؤها إجبارياً. الركاب لا يلتزمون حرفياً بكلام السائق. لكن، قبيل عبور لجنة للشرطة أو الدرك يرفع الركاب كمامتهم للأعلى في حركة استعراضية سريعة، ثم ينزلونها قليلاً أو ينزعونها بالكامل بعد المرور من المعبر الأمني!

منذ إقرار قانون الزامية ارتداء الكمامات في الفضاءات العمومية، يتكرر هذا المشهد وسواه في معظم وسائل النقل المغربية أو في كل حملة أمنية بالشوارع التي تترصد كل مخالف، حتى صارت الكمامة مرادفاً للعقوبة أكثر من كونها مجرد وسيلة للوقاية من الكوفيد 19.

العقوبة قبل الكمامة

في السابع من نيسان/ ابريل 2020، تمّ فرض عقوبات على مخالفي ارتداء الكمامة في البلد بشكل مستعجل، في وقت لم تتوفر هذه الوسيلة الوقائية بشكل كافٍ في المتاجر و الصيدليات خلال الأسابيع الأولى التي تلت هذا القرار.

خلال هذه الفترة،وجدتُ نفسي متسكعاً في الشوارع القريبة من مسكني. تائهاً، باحثاً عن كمامة. فدائماً ما ألمح سيارة للأمن تجوب الشوارع الفارغة بحثاً عن أي مخالف. كان التنقيب عن الكمامة أشبه باقتفاء أثر الماء في الصحراء. ثم بشق الأنفس، وجدتُ كمامة متنازَع عليها من قبل العشرات من الزبائن في "متجر ممتاز" (سوبر ماركت)!

ساد مشهد بحث المغاربة عن كمامة بأي ثمن لأسابيع، فكغيره من بلدان العالم كان توفر الكمامة متواضعاً في الأسواق. استنتج المغاربة لاحقاً بأن العقوبة سابقة للكمامة. ثم شيئاً فشيئاً بدأت الكمامات تغزو جل المتاجر بعد أن صار البلد منتجاً مهما لها: 14 مليون يومياً بدءاً من تموز /يوليو 2020. 

ساد مشهد بحث المغاربة عن كمامة بأي ثمن أسابيع إضافية، وكغيره من بلدان العالم، كان توفر الكمامة آنذاك متواضعاً في الأسواق. استنتج المغاربة لاحقاً بأن العقوبة سابقة للكمامة. ثم شيئاً فشيئاً بدأت الكمامات تغزو جل المتاجر بعد أن صار البلد منتجاً مهما لها: 14 مليون وما يزيد يومياً بدءاً من تموز /يوليو 2020.

بعد وفرتها في الأسواق، لم يعد أمام المواطنين مجالاً للهروب منها: صار القانون يُطبق بصرامة شديدة وكانت الغرامات لهم بالمرصاد. إذ ينص هذا التشريع على عقوبة تتراوح ما بين 300 إلى 1300 درهم (حوالي 30 إلى 130 دولار) وعقوبة حبسية تتراوح من شهر إلى 3 أشهر، أو بإحدى العقوبتين. ويترتب على أداء الغرامة سقوط الدعوى العمومية، فيما يؤدي عدم أدائها إلى إحالة المحضر الى النيابة العامة المختصة. ترى أصوات مؤيدة لهذا القرار الذي يتضمن "غرامة تصالحية" (المقدرة ب300 درهم/حوالي 30 دولار)، بأنه يضمن "مصلحة المخالفين"، لأن أداءها يعفيهم من المتابعة القضائية ومن تسويد سجلهم العدلي بالسوابق.

"نرتديها تحاشياً للعقوبة"

"جئتُ إلى السوق. جلست في أحد أمكنته ونزعت كمامتي لألتقط أنفاساً منعشة في هذا الحر الهجير. وقف أمامي دركي وساقني إلى سيارة الأمن، ثم حُررت لي مخالفة عدم ارتداء الكمامة دون مراعاة لكل توسلاتي ومبرراتي، ودفعت لهم ستة آلاف ريال (300 درهم) التي جئت بها للتسوق. ولا أدري إن كنت أنا الذي ظلمت نفسي أم هم الذين ظلموني". هكذا حكى أحد القرويين للمدون مصطفى بولهريس عن تجربته مع الضبط الأمني لارتداء الكمامة، وعلّق على هذه القصة باعتبارها تظهر "فرقاً بين تطبيق القانون وبين اصطياد هفوات بسيطة لتعاقب أشخاصاً تعاقبهم الحياة أصلاً!".

تفيد السلطات العمومية بأنها أوقفت وغَرَّمَت حوالي 543 624 ألف شخص، وقدّمت حوالي 98 ألف شخص للعدالة خلال الفترة الممتدة من 25 تموز/ يوليو إلى 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بسبب مخالفتهم لقانون إجبارية ارتداء الكمامات في الفضاءات العمومية.

أما فاطمة فتقول بأن هذه الإجراءات تركت في نفسها وقعاً سيئاً: "أنا ألتزم بارتداء الكمامة ومقتنعة بجدواها، لكني في الوقت نفسه كرهتها لأنها تشعرني بالخوف في كل مرة أجتاز فيها بعض المعابر الأمنية". بيد أن الكمامة لا تترك أثراً نفسياً إلى هذا الحد لدى السواد الأعظم من المغاربة، بقدر ما هم يختزلونها كتمثل أمني أكثر من كونها وسيلة وقائية.

يمارس أحمد سلوكاً بات سائداً لدى قطاع مهم من المغاربة، إذ يلبس الكمامة تحاشياً للعقوبة وما يترتب عنها من مشاكل أمنية وقانونية. يقول أحمد : "كانت علاقتي في البداية مع الكمامة راسخة تماماً، كنت أرتديها كوسيلة وقائية من الكوفيد، لكن مع الوقت تغيرت نظرتي تجاهها فصرت أستعملها فقط في الأوقات التي أجد نفسي مضطراً لارتدائها، خاصة عندما أصادف حملة تمشيطية للسلطات".

و بالأرقام، تفيد السلطات العمومية بأنها أوقفت وغَرَّمَت حوالي 543 624 ألف شخص، وقدمت حوالي 98 ألف شخص للعدالة خلال الفترة الممتدة من 25 تموز/ يوليو إلى 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بسبب مخالفتهم لقانون إجبارية ارتداء الكمامات في الفضاءات العمومية. للسلطات مسوغاتها في التشديد على ارتداء الكمامة، إذ كثيراً ما تواجه "تقصيراً" و"إهمالاً" من قبل عامة الناس في الالتزام بهذا البرتوكول الصحي في الشوارع والفضاءات العامة. كما أن آليه تنفيذ هذا القانون ظلت نسبية ومتغيرة تبعاً لعدد الإصابات وللحالة الوبائية عامة. فكلما ازدادت الأرقام في منطقة ما، ازدادت وتيرة التشديد على مخالفي القانون، وكلما انخفضت الأرقام خففت الإجراءات أو جرى التغاضي عن المخالفين .

وغابت الكمامة...!

بدءا من شهر آذار/ مارس 2022، اختفت تماماً الكمامة من شوارع المغرب، وظهر ملك البلاد مع وفده المرافق في تدشين رسمي بدون كمامة. ذلك أن منحنى الإصابات تراجع بشكل كبير. أما عموم المغاربة فقد تخلوا عن الكمامة قبل ذلك ومن تلقاء أنفسهم، دون أن ينتظروا قراراً حكومياً رسمياً يلغي قانون تغريم مخالفي ارتداء الكمامة. فرنسا، البلد الذي يحاكيه المغرب في جل قرارته، أعلنت بقوة دعائية كبيرة عن إلغاء القانون. لكن المغرب لم يمضِ هذه المرة على خطى الفرنسيين، فقد سبق العرف فيه القانون...

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه