صباح 16 أيار/ مايو 2022، أقلعت الرحلة 648 لطيران الخطوط الجوية اليمنية من مطار صنعاء، وكانت وجهتها عمّان، وهي الرحلة الأولى بعد توقّف حركة الطيران التجاري في المطار منذ آب/ أغسطس 2016. لم يوارب اليمنيون مشاعر الابتهاج بهذا الحدث الصغير، فالأفق الذي حلّقت فيه الطائرة قد يحمل إليهم بشائر السلام الذي طال انتظارهم له.
استئناف الرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء هو البند الثالث في اتفاق الهدنة الذي استجاب له "التحالف العربي" بقيادة السعودية والإمارات، ووافق عليه طرفا الحرب الرئيسيان: السلطة المعترف بها دولياً، وسلطة الأمر الواقع في صنعاء (جماعة أنصار الله/ الحوثيين). وعلى الرغم من تأخُّر تنفيذ هذا البند إلى مطلع الأسبوعين الأخيرين من هدنة الشهرين (2 نيسان/ أبريل-2 حزيران/ يونيو)، لا تزال أمنيات اليمنيين بإمكانية انتهاء الحرب معلّقة على استجابة الأطراف لتنفيذ بقية البنود. خلال ستة أسابيع من فترة الهدنة، بالكاد حُلّت العقدتان المتعلقتان بإدخال سفن الوقود إلى ميناء الحُديدة وتسيير الرحلات الجوية من وإلى صنعاء. وبالتزامن مع إقلاع الطائرة كانت السفينة التي تحمل اسم "الأميرة خديجة"، وتحمل الرقم 12 من إجمالي 18 سفينة وقود يفترض أن تسمح بدخولها السلطة المعترف بها دولياً إلى ميناء الحُديدة خلال الشهرين. البنود الثلاثة الأخرى تبدو أكثر تعقيداً، وهي تنص على "وقف جميع العمليات العسكرية..."، "الاجتماع للاتفاق على فتح طرق في تعز وغيرها من المحافظات...، و"تعاطي الأطراف مع المبعوث الخاص [للأمم المتحدة] بشأن مقترحات حول الخطوات القادمة نحو إنهاء الحرب".
هل يمكن تمديد الهدنة؟
عقب إحاطته لمجلس الأمن في 17 أيار/ مايو الجاري، تحدث المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس جروندبرغ، باقتضاب لعدد محدود من المراسلين الإعلاميين في مبنى الأمم المتحدة وأشار إلى اضطراره "للبقاء في المنطقة بسبب مجريات تنفيذ الهدنة". فقد أدلى بإحاطته وحديثه الصحافي من العاصمة الأردنية عمّان، حيث يعقد اجتماعات مع ممثلي الطرفين من أجل فتح الطرق المغلقة في محافظات تعز، الضالع، الحُديدة البيضاء، ومأرب. ويُلاحظ في حديث جروندبرغ حذر واضح، خاصة أن إحاطته للمجلس تمّت في جلسة مغلقة، وقال لأحد الصحافيين في سياق استمرار محادثاته مع الأطراف لتمديد الهدنة: "لا أستطيع أن أتحدث أكثر في الإجابة على هذا السؤال".
استئناف الرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء هو البند الثالث في اتفاق الهدنة الذي استجاب له "التحالف العربي" بقيادة السعودية والإمارات، ووافق عليه طرفا الحرب الرئيسيان: السلطة المعترف بها دولياً، وسلطة الأمر الواقع في صنعاء (جماعة أنصار الله/ الحوثيين).
كدبلوماسي سبق له الانخراط في الشأن اليمني أثناء عمله في وزارة الخارجية السويدية التي شاركت الأمم المتحدة في تيسير مفاوضات استوكهولم في كانون الأول/ ديسمبر 2018، مروراً برئاسته لبعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن قبل تعيينه مبعوثاً أممياً في آب/ أغسطس 2021، يدرك هانس جروندبرغ حجم التعقيد في ما وصفها بالتحديات التي تقف أمام تنفيذ بنود الهدنة. وإذ يركز في تصريحاته على تمرير رسائل تحفيزية للأطراف، من قبيل الإشادة بتعاطيهم "الإيجابي" مع مساعيه وبتنازلاتهم "الشجاعة"... وما شابه، تبقى لغة المحادثات المغلقة مع أطراف النزاع والرعاة الإقليميين والدوليين لعملية السلام، متحفَّظٌ عليها في التداول الإعلامي لمكتبه. في كل الأحوال لا يهتمّ اليمنيون التوّاقون لإيقاف الحرب بما يقال في الجلسات المغلقة، بل بما تسفر عنه المحادثات من نتائج عملية في حياتهم.
منذ بدء سريان هدنة الشهرين بعد إفطار اليوم الأول من شهر رمضان المنصرم، يجري وصفها في مفردات الدبلوماسية الإقليمية والدولية، بـ"الخطوة الأولى" نحو سلام شامل ومستديم للنزاع في اليمن. قد يكون هذا ممكناً من الناحية التقنية، وربما تحتاج الأطراف المحلية والإقليمية لمزيد من التحفيز باتجاه تقديم تنازلات أكبر لتنفيذ الجزء الخاص بفتح الطرق البرية المغلقة، وإيقاف الخروقات التي قال جروندبرغ إن مكتبه يتلقى بها تقارير يومية من كلا الطرفين. لكن حذره في أدائه لمهامه كوسيط أممي لا يبدو مقتصراً على الحديث مع الإعلام، فهو يكرّس حصر مهمّته في نطاق "الوساطة وخفض التصعيد" أكثر من محاولة الضغط على الأطراف لوقف القتال تماماً أو مناقشة مقترحات سبق أن رفضوها أو تحفظوا بشأنها. ومع ذلك، لا يخفي إدراكه لأهمية الاستجابة السريعة "للتحاور" مع الطرفين فور كل بلاغ يتلقاه بخرق الهدنة عسكرياً، فهو وإن كان يريد النجاح في مهمّته عبر نتائج ملموسة بتنفيذ بنود الهدنة خلال الفترة المحددة، لا يستطيع أن يجازف بسلاسة "تعاطي" الأطراف معه، خاصة "بشأن مقترحات الخطوات القادمة نحو إنهاء الحرب"- البند الخامس من اتفاق الهدنة. ففي 6 أيار/ مايو الجاري، أثناء النقاشات حول مشكلة جوازات السفر الصادرة من صنعاء، لوّح الناطق باسم جماعة الحوثيين "أنصار الله"، عبر تغريدة على "تويتر"، بأن على المبعوث الأممي "القيام بدوره بمسؤولية وحيادية أما المواقف الرمادية ومجاراة المعتدي فلن تؤدي به إلا إلى ما أدت بأسلافه"، في إشارة إلى إخفاق مساعي المبعوثين السابقين. لذلك على الأرجح، لا يخاطر جروندبرغ بتعريض سلاسة تواصله مع الطرفين لأية عوائق، ويكتفي بالضغط الذي تمارسه دول الإقليم عليهما لتنفيذ هدنة الشهرين والتحاور لتمديدها.
تفاهمات إقليمية ودولية
بات في حكم المعلوم أن السعودية والإمارات تستطيعان الضغط على السلطة المعترف بها دولياً للالتزام بتنفيذ مقترحات الوساطة الأممية للتسوية، وأن بإمكانهما أيضاً التفاوض ورعاية التفاوض نيابةً عنها، سواءً عبر الوساطة الأممية أو مجلس التعاون الخليجي أو عبر "اللجنة الرباعية" التي تضمّ إلى جانب وزيري خارجية البلدين، وزيري خارجية بريطانيا والولايات المتحدة. ليس أدلّ على ذلك من نقل السلطة الرئاسية المعترف بها دولياً إلى مجلس القيادة الرئاسي في السابع من نيسان/ أبريل 2022. وإلى هذا التأثير الإقليمي، هناك أيضاً التأثير الدولي عليها من قبل كل من بريطانيا، الولايات المتحدة، السويد، والاتحاد الأوروبي. على الجانب الآخر، ولأسباب باتت في حكم المعلوم كذلك، تتفاوت علاقات سلطة صنعاء/ جماعة "أنصار الله" على المستويين الإقليمي والدولي، بين العدائية والمتوترة وغير الواثقة. إيران وسلطنة عمان هما الاستثناء في ما يخص التأثير على قرارات الجماعة التي استولت على الحكم عبر انقلاب تدريجي. لذلك يمكن أن يستجيب طرف صنعاء لمقترحات الحلّ السياسي ما دامت آتية مِن أو عبر هاتين الدولتين فقط.
في 23 نيسان/ أبريل 2022، نشر سفير اليمن لدى بريطانيا في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، معلومات لم يُشر إلى مصدرها، تفيد بأن إيران طلبت من قيادات سلطة صنعاء أن "يتعاملوا بإيجابية مع دعوات السلام". وبحسب تلك المعلومات، حمل الطلب الإيراني إلى صنعاء، الناطق باسم الجماعة، محمد عبد السلام، الذي يقيم في مسقط منذ بداية الحرب. ورافق عبد السلام "وفد من عمان ومستشار في مكتب رئيس الحرس الثوري الإيراني في زيارة وصفت بالعاجلة والسرية في شهر آذار/ مارس 2022". مسوّغات إيران لهذا الطلب، وفقاً لمنشور السفير اليمني في لندن، أن "الظروف متقلبة، وما يعتبر اليوم مناسباً قد لا يكون كذلك مستقبلاً".
من موقعه كرجل دولة، وأحد قيادات الصفّ الأول للحزب الاشتراكي اليمني، عايش السفير أحداث وتحوّلات السياسة اليمنية منذ ما قبل الوحدة في العام 1990، مروراً بحرب 1994، وحروب صعدة الستّ، وتطوّرات الحراك الجنوبي، وثورة شباط/ فبراير 2011، وصولاً إلى الحرب التي عيّن بعد اندلاعها سفيراً لليمن في لندن. في منشوره المذكور أفاد بأن قيادات سلطة صنعاء انقسموا حول الطلب الإيراني بين مؤيد ومعترض، وأن "المتشددين" في اعتراضهم أخذوا الوفد "إلى مخازن ضخمة للصواريخ والمسيَّرات وغيرها من الأسلحة، وقالوا للوفد... إن من يملك هذا السلاح لا يذهب إلى السلام، بل إن السلام هو الذي سيأتي إليه". وأضاف السفير أن "مستشار الحرس الثوري الإيراني" ردّ عليهم بأن "الأفضل أن تذهبوا للسلام وأنتم تمتلكون هذا السلاح، بدلاً من أن تضطروا إلى ذلك وقد خسرتموه".
تستطيع السعودية والإمارات الضغط على السلطة المعترف بها دولياً للالتزام بتنفيذ مقترحات الوساطة الأممية للتسوية، وبإمكانهما أيضاً التفاوض ورعاية التفاوض نيابةً عنها، سواءً عبر الوساطة الأممية أو مجلس التعاون الخليجي أو عبر "اللجنة الرباعية" التي تضمّ إلى جانب وزيري خارجية البلدين، وزيري خارجية بريطانيا والولايات المتحدة.
تتفاوت علاقات سلطة صنعاء/ جماعة "أنصار الله" على المستويين الإقليمي والدولي بين العدائية والمتوترة وغير الواثقة. إيران وسلطنة عمان هما الاستثناء في ما يخص التأثير على قرارات الجماعة التي استولت على الحكم عبر انقلاب تدريجي. لذلك يمكن أن يستجيب طرف صنعاء لمقترحات الحلّ السياسي ما دامت آتية مِن أو عبر هاتين الدولتين.
بعد "نقاش طويل" فهِم المعترضون مدى إلحاح "الطلب" الإيراني الذي قرأ فيه السفير استشعار إيران لأبعاد "التبدّلات في المشهد السياسي اليمني" بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في الرياض، وقرار عودة المجلس "وجميع مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى عدن". هذه التبدّلات التي وصفها أيضاً بـ"التطورات المتسارعة"، لا تتمثّل فقط في نقل السلطة الرئاسية من الرياض، بل يضاف إليها تطورات الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على المنطقة العربية. فالسعودية والإمارات باشرتا ترتيبات نقل سلطة الرئيس هادي في آذار/ مارس وهو الشهر الأول من الحرب في أوكرانيا. بدأت الترتيبات بدعوة الأطراف المناهضة للحوثيين لحضور مؤتمر "مشاورات يمنية-يمنية" في الرياض برعاية مجلس التعاون الخليجي، وفي الواقع، شملت تلك الدعوة جماعة "أنصار الله/ الحوثيين، لكنهم رفضوا الحضور كون المشاورات منعقدة في السعودية وهي بالنسبة لهم ضمن الأطراف المعادية.
نظرياً، بدا نقل السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي وتسمية رئيسه وأعضائه، كما لو أنه أبرز نتائج تلك المشاورات، غير أن الأكثر دلالة في الأمر برمّته، تمثّل في إصرار السعودية والإمارات على تنحية هادي ونائبه علي محسن صالح، وإلزام الأطراف المناهضة للحوثيين بتنحية خلافاتهم جانباً والعمل على "نقل اليمن من وضع الحرب إلى وضع السلم". تعكس هذه الترتيبات قرار السعودية والإمارات بإنهاء الحرب التي كان تدخلهما العسكري فيها منذ آذار/ مارس 2015 بمثابة صبّ الزيت على نار في طور اشتعالها الأول. لذلك حشدتا الموقف السياسي العربي والدولي المؤيد لدعم هذه الخطوة، بما في ذلك الأمم المتحدة، وهو ما قال السفير نعمان إن إيران "استشعرت" خطورته على معادلة الحرب في اليمن. وفعلياً يمثّل ذلك نطاقاً واسعاً من "التوافق الوطني" والإقليمي والدولي، مدعوماً برغبة شعبية يمنية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، بإنهاء حالة الحرب.
محكّ "التنازلات الشجاعة"
كان يفترض أن تقلع الرحلة الأولى من مطار صنعاء في 24 نيسان/ أبريل، لكنها أُلغيت بسبب عدم موافقة الحكومة المعترف بها دولياً على صلاحية إصدار جوازات السفر من مناطق سيطرة الحوثيين/ "أنصار الله". سبّبت الحكومة اعتراضها بأن إصدار جوازات السفر "حقّ سيادي للحكومة الشرعية"، لكنها وافقت بعد قرابة أسبوعين من الضغط الإقليمي والدولي بشرط استبدال هذه الجوازات عبر السفارات والقنصليات اليمنية المعترف بها خارج اليمن.
القضايا التي يتم التفاوض بشأن تطبيقها تمسّ الجانب السيادي للدولة اليمنية كعضو في المجتمع الدولي باسم "الجمهورية اليمنية"، وإذا ما أضيفت إليها القضية الجنوبية ومطالب "فكّ الارتباط" عن الشمال التي يتبنّاه قادة جنوبيون صاروا أعضاءً في مجلس القيادة الرئاسي، يصبح الوضع السيادي للجمهورية اليمنية مهدّداً بالتفكك.
مع استمرار الرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء، والسماح لسفن الوقود بالرسوّ في ميناء الحُديدة، تركّزت الأنظار داخل اليمن وخارجه على تنفيذ البند الرابع من الهدنة، اي فتح الطرق المغلقة في تعز ومحافظات أخرى. أدّى تباطؤ سلطة صنعاء بتسمية ممثليها في لجنة فتح الطرق البرية المغلقة لتأليب ضغط شعبي وإقليمي عليها، خاصة بعد إقلاع الرحلة 648 من مطار صنعاء. وفي 17 أيار/ مايو الجاري، غرّد رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي، بأن فتح الطرقات المغلقة "في تعز" تحديداً "متاح" إذا وافق الطرف الآخر على أن يسبقه "إنهاء القتال ورفع المواقع من الجانبين". في اليوم التالي، أعلن "المجلس السياسي الأعلى" لسلطة صنعاء "وضع" هذا البند "ضمن الأولويات التي يجري العمل عليها" (1).
أتى الإعلان ضمن ردّ المجلس على طلب تمديد الهدنة الذي تلقاه من المبعوث الأممي جروندبرغ، وبأن الطلب "قيد الدراسة". وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة "الأيام" الصادرة من عدن، خبراً عن "مبادرة عُمانية" لتمديد الهدنة إلى ستة أشهر. أفادت الصحيفة عن "عدة مصادر" أن مسقط قدمت هذه المبادرة إلى السلطة المعترف بها دولياً والأمم المتحدة "بالتوافق والتفاهم" مع سلطة صنعاء، وأوردت تصريحاً لـ"مصدر حكومي في عدن"، قال فيه إن "التجاوب" مع مبادرة مسقط لتمديد الهدنة "مرتبط بمدى تنفيذ الحوثيين لبنود" هدنة الشهرين (2).
تشير مجريات تنفيذ الهدنة التي تنتهي في 2 حزيران/ يونيو 2022، إلى أن تمديدها قد يكون ممكناً في حال استجاب الحوثيون لتنفيذ البند الخاص بفتح الطرق البرية المغلقة قبل هذا التاريخ، وبالأخص في تعز. يعتمد ذلك أيضاً على استمرار الحركة الملاحية في ميناء الحُديدة ومطار صنعاء. وبينما كانت سلطة صنعاء تحتج على عدم تسيير رحلات بين مطاري صنعاء والقاهرة كما ينص اتفاق الهدنة، أعلن وزير الخارجية في الحكومة المعترف بها دولياً، في 24 أيار/ مايو الجاري أن الحكومة المصرية وافقت على تسيير رحلات مباشرة بين المطارين.
باشرت السعودية والإمارات ترتيبات نقل سلطة الرئيس هادي في آذار/ مارس وهو الشهر الأول من الحرب في أوكرانيا. بدأت الترتيبات بدعوة الأطراف المناهضة للحوثيين لحضور مؤتمر "مشاورات يمنية-يمنية" في الرياض برعاية مجلس التعاون الخليجي. وشملت تلك الدعوة جماعة "أنصار الله/ الحوثيين"، لكنهم رفضوا الحضور كون المشاورات منعقدة في السعودية وهي بالنسبة لهم ضمن الأطراف المعادية.
بدا نقل السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي وتسمية رئيسه وأعضائه كما لو أنه أبرز نتائج تلك المشاورات. غير أن الأكثر دلالة في الأمر برمّته، تمثّل في إصرار السعودية والإمارات على تنحية هادي ونائبه علي محسن صالح، وإلزام الأطراف المناهضة للحوثيين بتنحية خلافاتهم جانباً والعمل على "نقل اليمن من وضع الحرب إلى وضع السلم".
غير أن الخروقات لا تزال تشكّل مصدر القلق الأخطر على تفاهمات تمديد الهدنة وبناء الثقة بين الأطراف. ففي مساء اليوم نفسه أسقطت الدفاعات الجوية لسلطة صنعاء طائرة استطلاعية صينية الصنع وصفها متحدثهم العسكري بأنها "تجسسية" وتابعة للقوات الجوية السعودية. لم تعلّق السلطات السعودية أو مبعوث الأمم المتحدة على هذا الخرق الذي أودى بحياة أربعة مدنيين بسبب سقوط الطائرة في تقاطع مزدحم وسط صنعاء العاصمة! في الوقع، مرّت هذه المأساة مرور الكرام عند جميع الأطراف، كما لو أن ضحاياها قرابين للسلام المنتظر من محادثات الطرفين الرئيسيين برعاية الأمم المتحدة. وفيما حمّل جروندبرغ أطراف النزاع مسؤولية حماية إمكانية تحقيق السلام في اليمن، تمضي محادثات عمّان لفتح الطرقات والمعابر البريّة ببطء شديد. فهناك الكثير من "القضايا الخلافية" والمزيد منها لا يزال في الانتظار، وأهمها مرتبات الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تطالب السلطة المعترف بها دولياً بأن تدفع سلطة صنعاء مرتباتهم من إيرادات ميناء الحُديدة، بينما تصر الأخيرة على أن تتحملها حكومة عدن، متحجّجة بنقل البنك المركزي من صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2016. إشكالية إصدار جوازات السفر لا تزال هي الأخرى معلّقة بحلّ مؤقت، وهناك مشكلة العملة وتدهور قيمتها الشرائية مع ارتفاع أسعار السلع بأرقام فلكية، ناهيك عن تفاوت قيمتها بصورة شديدة في التحويلات النقدية والتبادلات التجارية بين الجانبين تبعاً لتفاوت سعر صرف العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار الأمريكي والريال السعودي (3).
الملاحظ في هذه القضايا أنها تمسّ الجانب السيادي للدولة اليمنية كعضو في المجتمع الدولي باسم "الجمهورية اليمنية"، وإذا ما أضيفت إليها القضية الجنوبية ومطالب "فكّ الارتباط" عن الشمال التي يتبنّاه قادة جنوبيون صاروا أعضاءً في مجلس القيادة الرئاسي، يصبح الوضع السيادي للجمهورية اليمنية مهدّداً بالتفكك. هنا تحضر تساؤلات المراقبين للشأن اليمني: كيف يمكن حلّ هذه التعقيدات بدون المساس بـ"وحدة اليمن وسلامة أراضيه"، العبارة التي يضمّنها مجلس الأمن في جميع قراراته الخاصة باليمن منذ العام 1990؟ لذلك يواصل هانس جروندبرغ سعي الأمم المتحدة لـ"تجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض" كما ينص البند الأول من اتفاق الهدنة، وهو الوضع الذي ستبقى فيه تعز، مأرب، والبيضاء، الرابط الأخير بين أراضي اليمن الموحّد. بحسب الخريطة الشطرية لليمن قبل 1990، كانت المحافظات الثلاث تابعة للشمال أو ما كان يُعرف بـ"الجمهورية العربية اليمنية". لكن أجزاء واسعة منها تقع اليوم ضمن سيطرة السلطة المعترف بها دولياً التي تتخذ من عدن "عاصمة مؤقتة" لها. وعدن بدورها تقع تحت السلطة الفعلية للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالِب باستعادة الوضع السيادي لـ"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية". أمام هذه التعقيدات، قد يتطلّب الحل السياسي في اليمن هدنة لا تقل عن ربع قرن، أو لحدوث معجزة، والمعجزة هنا مرادفة لـ"التنازلات الشجاعة": تنازلات الأطراف المحلية عن المواقف المتصلّبة، وتنازلات الأطراف الإقليمية والدولية عن سقف المصالح الذي يربك التسوية السياسية.
[1]- http://althawrah.ye/archives/743678
[2]- https://www.alayyam.info/news/90F8U7K4-OOZA2T-F898
[3] - في عدن سعر الدولار الواحد تراجع من 1700 إلى 985 ريالاً على إثر إعلان السعودية والإمارات إيداع ملياري دولار في البنك المركزي بعد نقل السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي، والمفارقة أن سعر الدولار تراجع أيضاً في صنعاء بعد هذا الإعلان من 600 إلى 555 ريالاً للدولار الواحد