نصَّتْ التشريعاتُ اليمنيةُ على حق التعليم لجميع المواطنين ذكوراً وإناثاً، وعلى أن تكفل الدولة مبدأ مجانية التعليم في جميع مراحله، وتعمل على تحقيق هذا المبدأ بصورةٍ تدريجية، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في التعليم. كما حددت هدفَ المناهج التعليمية بتكوين الطفل تكويناً علمياً وثقافياً يؤهله لاستكمال التعليم العالي، على أساس تكافؤ الفرص بين الجنسين.
لكن الواقع الاجتماعي له فلسفته غير المتسقة مع مثل هذه التشريعات، سيما ما يتعلق منها بالمرأة والتحاق الفتاة الريفية بالتعليم العالي.
التعليمُ العالي وفجوةُ النوع الاجتماعي
تعود البدايات الأولى للتعليم العالي في اليمن إلى سبعينيات القرن الفائت، حيث أُنْشئتْ جامعة صنعاء عام 1970، وجامعةُ عدن عام 1975، والكلية الوطنية للعلوم والتكنولوجيا عام 1992 كأول مؤسسةٍ للتعليم العالي الأهلي في اليمن، والتي تطورت لاحقاً لتصبح جامعة العلوم والتكنولوجيا.
وتوالى ـ بعد قيام الوحدة اليمنية في عام 1990 ـ إنشاء الجامعات الحكومية والأهلية، حتى وصل عددها في عام 2020 إلى 63 جامعة: الحكومية منها 16 جامعة، والأهلية 47 جامعة. ومن هذه الجامعات ـ والحكومية منها بوجه خاص ـ تفرَّع عددٌ كبير من الفروع النائية، غالباً ما تكون فروعاً لكليات التربية التي دوراً مهماً في توسيع خدمات التعليم العالي، وإتاحة فرصة الالتحاق به لأبناء الريف، سيما الإناث.
ورد في تقارير وزارة التربية والتعليم للعام 2015/2016، أن عدد الفتيات خارج التعليم يتجاوز المليون فتاة، بنسبة 32.06 في المئة من المرحلة العمرية (6 ـ 17) عاماً. وقد احتلت اليمن المرتبة 155 ـ ما قبل الأخيرة ـ في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين للعام 2021.
وبعد مرور عقودٍ أربعةٍ على بدايات التعليم العالي في اليمن، وأكثرِ من ربع قرنٍ على تشريعات التعليم، لا يظهرُ في الواقع ما يشير إلى تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم، لا بين الذكور والإناث، ولا بين الريف والحضر. فالإحصائيات الرسمية تشير إلى أن عدد الملتحقين بالتعليم العالي، في عام 2009/2010، بلغ 272130 طالباً وطالبة، تستوعب الجامعات الحكومية ما نسبته 75 في المئة منهم، والجامعات الخاصة 25 في المئة. وأن معدل الإناث المقيدات بالجامعات لا يتجاوز 26 في المئة من طلابها، ونسبة مَنْ يحصلون على الفرص في التعليم الجامعي من سكان الحضر تتعدى سبعةَ أضعاف الفرص المتاحة لسكان الريف (1).
إن في هذه البيانات إضاءةً للمدى الذي وصل إليه الاتساعُ في فجوة النوع الاجتماعي في التعليم العالي في اليمن، بين الذكور والإناث لصالح الذكور، وبين الريفيين والحضريين لصالح الحضريين.لقد بُذِلَتْ محاولاتٌ وجهودٌ رسميةٌ وغير رسمية للتخفيف من هذه الفجوة، بما يتفق ومشروع التنمية الألفية التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو UNESCO)، حيث كان المشروع يهدف في العام 2015 إلى تحقيق نسبةٍ متساويةٍ بين الجنسين في الالتحاق بالتعليم العالي. لكن لم يُكتبْ لهذا الهدف النجاح.
الفجوةُ في المدرسة فجوةٌ في الجامعة
يعود منشأُ هذه الفجوة بين الجنسين في التعليم العالي في اليمن، إلى المرحلتين التعليميتين السابقتين له: الأساسية والثانوية. ففيهما تتسع الفجوة لصالح الذكور على حساب الإناث، ولصالح الطالبة الحضرية على حساب الطالبة الريفية. وفي العمل على ردم هذه الفجوة، كانت الزيادة في التحاق الفتاة بالتعليم هدفاً رئيساً للجهات الرسمية، فصدر قرارٌ جمهوري عام 2005، قضى باستحداث "قطاع تعليم الفتاة" بوزارة التربية والتعليم. والهدف ذاته تضمّنتْه استراتيجيات وزارة التربية والتعليم الأربع. وفي هذا السياق، نسقت وزارةِ التربية والتعليم مع عددٍ من المنظمات الدولية: كمنظمة اليونيسف، والبرنامج اليمني الألماني لدعم التعليم GTZ، والصندوق الاجتماعي للتنمية SFD، ومشروع تطوير التعليم الأساسيBEDP، وبرنامج الغذاء العالمي WFP.
عدد الملتحقين بالتعليم العالي، في عام 2009/2010، بلغ 272130 طالباً وطالبة، تستوعب الجامعات الحكومية ما نسبته 75 في المئة منهم، والجامعات الخاصة 25 في المئة. وأن معدل الإناث المقيدات بالجامعات لا يتجاوز 26 في المئة من طلابها، ونسبة مَنْ يحصلون على الفرص في التعليم الجامعي من سكان الحضر تتعدى سبعةَ أضعاف الفرص المتاحة لسكان الريف.
لم تحقق هذه الجهود نجاحاً ملموساً في ردم الفجوة بين الجنسين في التعليم العام. فقد ورد في تقارير وزارة التربية والتعليم للعام 2015/2016، أن عدد الفتيات خارج التعليم يتجاوز المليون فتاة، بنسبة 32.06 في المئة من المرحلة العمرية (6 ـ 17) عاماً.
ديناميةُ النوع الاجتماعي والحرب
تتشَكَّلُ ديناميةُ النوع الاجتماعي في اليمن من خلالِ منظومةٍ متكاملةٍ تشمل التقاليد والعادات الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية المتنوعة (2). وبذلك، فحياة المرأة اليمنية تتشَكّل من خلال هذه الدينامية التي يُعدُّ اختلاف الإقامة بين الريف والحضر واحداً من أهم العوامل المؤثرة فيها. ففي اليمن يوجد أكثر من 160 ألف قريةٍ وتجمعٍ سكاني (3)، ويعيش ما نسبته 66 في المئة من نساء اليمن في المناطق الريفية، وفقًا للمسح الصحي الديموغرافي لعام 2013.
تأثير جائحة كوفيد-19 على المرأة اليمنية
08-08-2021
حياة المرأة الريفية في اليمن محكومةٌ بأنساقٍ متشابكةٍ من خصائص الحياة الريفية واشتراطاتها، بما لهذه الخصائص من دورٍ فاعلٍ في الحد من التحاق الطالبة الريفية بالتعليم العالي الذي لا تتواجدُ مؤسساتُه إلا في المدن الرئيسة، حيث الإقامةُ في المدينةِ أمرٌ لابد منه للراغبين في الالتحاق بهذا النوع من التعليم من أبناء القرى والتجمعات الريفية البعيدة عن مراكز المدن. وهو ما لا يجد فيه الذكور مشكلةً مثلما هي حال الإناث إذ لا تلتحق بالتعليم العالي إلا مَنْ تتوافر لها إمكانيةُ الإقامة مع أسرةٍ مقيمةٍ في المدينة، على أن تكون لها صلة قرابةٍ تربطها بهذه الأسرة. فكثيرٌ من الأسر اليمنية الريفية لا تتقبل فكرة التحاق بناتها بسكن الطالبات الجامعي.
لقد كان سوء التوزيعِ الجغرافي للجامعات وقلة الإتاحة وعدم تكافؤ الفرص بين الريف والحضر، والذكور والإناث، واحداً من أبرز جوانب الضعف والقصور في قطاع التعليم العالي في اليمن، حسبما جاء في التقرير الشامل الذي أصدرتْه منظمة "نيوفك" (NUFFIC) الهولندية في كانون الاول/ ديسمبر2017 عن دراستها التحليلية الهادفة إلى تقييم وضع التعليم العالي في اليمن، والتي أجرتْها على 290 رسالة علمية يمنية (ماجستير ودكتوراه) متعلقة بالتعليم العالي في اليمن، للفترة 1995 ـ 2017.
لقد نال التعليم العالي نصيبه من كارثية الحرب التي اندلعت في اليمن في أذار/مارس2015 حيث تعرض 12 مبنىً جامعيّاً حكوميّاً للدمار بشكل تام، وتعرض 25 مبنىً جامعيّاً آخر للدمار الجزئي. ونتيجةً للوضع الأمني المتردي نزح عددٌ كبيرٌ من الطلبة ضِمْن موجةِ النزوح التي وصلت إلى 4.2 مليون نازح داخلياً (4). كما ارتفعت نسبة اليمنيين الواقعين تحت خط الفقر الوطني من 48.6 في المئة عام 2014، إلى 78.8 في المئة عام 2019 (5). ويأخذ الفقر طابعاً ريفيّاً بمعدلٍ يصل في الريف إلى 59.2 في المئة، بزيادةٍ تقارب ثلاثة أضعاف معدل الفقر في الحضر الذي يصل إلى 23.9 في المئة، وفقًا لما ورد في مسح ميزانية الأسرة اليمنية عام2014 (6).
ترتَّبَ على هذه الآثارِ الاقتصادية إحجام عددٍ كبيرٍ من الأسر الريفية عن استمرار تعليم أبنائها، واكتفتْ أسرٌ أخرى بتعليم الذكور دون الإناث. كما ساهمت هذه الآثار والمعطيات في اتساع فجوة النوع الاجتماعي، إذ احتلت اليمن المرتبة 155 ـ ما قبل المرتبة الأخيرة ـ في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين للعام2021، مقارنةً بـ 115 في عام 2006. وتدهوَر وضْع اليمن في التنمية البشرية، فقد كانت مرتبةُ اليمن 153 في عام ، في مؤشِّر التنمية البشرية (HDI)، ثم احتلّت المرتبة 179 من أصل 189 دولة على مستوى العالم في تقرير التنمية البشرية العالمي للعام 2020.
لا تلتحق بالتعليم العالي إلا مَنْ تتوافر لها إمكانيةُ الإقامة مع أسرةٍ مقيمةٍ في المدينة، على أن تكون لها صلة قرابةٍ تربطها بهذه الأسرة. فكثيرٌ من الأسر اليمنية الريفية لا تتقبل فكرة التحاق بناتها بسكن الطالبات الجامعي.
نتيجةً للوضع الأمني المتردي نزح عددٌ كبيرٌ من الطلبة ضِمْن موجةِ النزوح التي وصلت إلى 4.2 مليون نازح داخلياً. كما ارتفعت نسبة اليمنيين الواقعين تحت خط الفقر الوطني من 48.6 في المئة عام 2014، إلى 78.8 في المئة عام 2019.
المصير الذي ينتظر الطالبة الريفية في اليمن ـ بعد نيلها شهادة الثانوية العامة ـ هو المصير المتوائم مع دينامية حياتها الريفية التي تصبح جامعتَها الواقعية، وفيها تقوم بما يُوكَل إليها من أعمالٍ منزلية مختلفة. وضمن مستويات جامعتها العمَليّة الريفية يأتي الرعي والمرعى وتربية المواشي. والأمر ذاته في ممارستها للأعمال الزراعية التي يعمل فيها حوالي 56.3 في المئة من النساء اليمنيات (7). وبعد انتقالها إلى بيت الزوجية، قد يمنحها عالَمُها الجديد إعفاءً من الرعي وما في مستواه من أعمالٍ تكون أكثرَ تناسباً مع الفتاة العازبة. لكنه في الوقت ذاته يُلْزِمها باستئنافِ ما اعتادت عليه من أنشطةٍ وأعمالٍ منزليةٍ وزراعية.
(1) الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي في الجمهورية اليمنية وخطة العمل المستقبلية: 2006 ـ 2010، مشروع تطوير التعليم العالي، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ص35.
(2) مراحل حياة المرأة اليمنية، مارتا كولبورن، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 10 نيسان/ إبريل 2021، ص10.
(3) اليمن: التقرير القطري حول الأطفال خارج المدرسة، منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، تشرين الأول/ أكتوبر/ 2014، ص9.
(4) اليمن: وثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية، الأوتشا، شباط/ فبراير 2021.
(5) اليمن: نشرة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية، وزارة التخطيط والتعاون الدولي، العدد59، نيسان/ إبريل 2021، ص7.
(6) نفسه، العدد: 51، آب/ أغسطس 2020، ص4.
(7) مسح القوى العاملة 2013 ـ 2014، منظمة العمل الدولية، ط1، 2015، ص8.