يقف عمر حاتم (38 عاما) متأملا لون السماء الأحمر بسبب اكتظاظ الغبار في سماء بغداد، لكنه يؤكد أن "هذا التراب أرحم بكثير من دخان حرائق النفايات التي تخنقنا بشكل شبه يومي"، مسلطا بذلك الضوء على واحدة من أبرز أزمات العاصمة الخدمية.
ويسترسل حاتم، وهو من سكنة منطقة الحسينية شمالي بغداد، خلال حديثه لـ"العالم الجديد"، إن "أحد أفراد عائلتي أصيب بالسرطان جراء استنشاقه دخان حرق النفايات"، لافتا إلى أن "سكان المنطقة هم من يقومون بحرق النفايات، حيث يقولون إنه لا توجد طريقة أخرى للتخلص منها سوى الحرق".
وطالب الجهات المختصة بـ"إيجاد حل لهذه الظاهرة، وعلى دوائر البلدية وأمانة بغداد أخذ دورها وإيقاف هذا الحرق وجمع النفايات بشكل يومي لمنع الأهالي من حرقها بعد تكدسها".
وتعد ظاهرة حرق النفايات من الظواهر المنتشرة في العاصمة بغداد بكثرة، سواء في جنوبها الشرقي أو شمالها أو غربها، ودائما ما ترتفع غمامة سوداء تغطي سماء المنطقة مع رائحة كريهة، تستمر لساعات طوال، نتيجة لحرق النفايات.
يشار إلى أنه منذ العام 2004 وحتى 2018 بلغ عدد المصابين بالسرطان 287 ألفا و254 مصابا، بحسب تقارير وزارة الصحة.
النظام الصحي في العراق: الموت حَرقاً بالفساد
29-07-2021
وتقدر منظمة الصحة العالمية أن نحو 7 ملايين شخص يموتون سنويا بسبب التعرض لجسيمات دقيقة في الهواء الملوث، التي تخترق بعمق الرئتين والقلب والأوعية الدموية، بما يسبب الأمراض، مثل السكتة الدماغية وأمراض القلب وسرطان الرئة وأمراض انسداد الشعب الهوائية المزمنة والتهابات الجهاز التنفسي، بما فيها الالتهاب الرئوي.
وردا على هذا الأمر، يبين المدير العام لدائرة التوعية والإعلام في وزارة البيئة أمير علي الحسون خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "دائرة مديرية بغداد هي من ترصد أي مخالفات بهذا الموضوع من خلال دوائر البلدية وهي تحاسب وفقا للقانون".
وينفي الحسون "تسجيل أي ضحايا نتيجة حرق النفايات أو التلوث الناجم عنها، ونحن في الوزارة جهة رقابية، وأمانة بغداد هي من تتعامل مع هذه الظاهرة بشكل مباشر وتحاسب عليها، لكن دورنا كوزارة بيئة هو التعامل مع معالجة النفايات لا غير، كما أننا لا نسمح بالحرق إطلاقا، وما يجري هي ممارسات فردية من قبل البعض".
ويردف أن "المعالجات الأفضل هي أن تقوم أمانة بغداد ودوائر البلدية بمشاريع معالجة النفايات وإعادة تدويرها والاستفادة منها بمشاريع أخرى".
وحاولت "العالم الجديد" التواصل مع أمانة بغداد، لكن لم تتمكن من الحصول على رد رسمي منها، في ظل قرار إعفاء أمين بغداد علاء معن من منصبه بقرار من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، نظرا لفشله بتقديم الخدمات لأهالي العاصمة، وفقا لبيانه.
يذكر أنه وفقا لتقرير سابق لـ"العالم الجديد"، حول تراكم النفايات في العاصمة، فإن مسؤولي البدليات عزوه إلى قلة الكابسات (عجلات رفع وكبس النفايات)، خصوصا في المناطق المزدحمة ذات الاكتظاظ السكاني والمناطق الشعبية، التي لا تضم سوى كابسة واحدة.
من جانبه، يبين عميد المعهد الامريكي للدراسات البايلوجية وأبحاث علوم النانو تكنولوجي حيدر معتز محي خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "تأثير حرق النفايات في الهواء الطلق يتركز على السكان المحيطين في المنطقة، كما أن حرق النفايات الطبية والمنزلية يشكل خطراً كبيراً على البيئة، إضافة إلى أنه يزيد من الإصابة بأمراض القلب وأمراض الجهاز التنفسي مثل الربو وانتفاخ الرئة ويسبب الطفح الجلدي وقد يسبب الغثيان".
ويضيف محي، أن "تطبيق عملية إعادة التدوير في أي منطقة أو بلدية، يعتمد على أمور معينة مثل توفر المساحة والخدمات اللوجستية الأخرى وحملات التوعية، وهذه العناصر تعتبر عناصر أساسية من أجل إعادة التدوير"، مؤكدا أن "من الممكن تفعيل عملية الطمر الصحي في العراق بإيجاد المساحة وأماكن طمر رئيسية، عبر الاستفادة من تجارب الدول الأوروبية والدول المجاورة بهذا الخصوص".
جدير بالذكر، أن معدل النفايات ارتفع بمختلف أنواعها لتصل إلى أكثر من 9 آلاف طن، بحسب إحصائيات صدرت عن أمانة بغداد في عام 2019، وهي تعادل أضعاف ما كانت ترفعه الأجهزة البلدية قبل 2003.
من جانبه، يبين الخبير البيئي محمد ابراهيم خلال حديث لـ"العالم الجديد" أن "حرق النفايات إجراء خاطئ، لأنها سوف تولد مركبات سامة، كما أن الغازات الناتجة عن الاحتراق تؤثر على ظاهرة الاحتباس الحراري، فضلا عن أنها تولد ثنائي أكسيد الكاربون، مما يؤدي ذلك إلى تلوث البيئة والمياه".
ويستطرد أن "عملية الطمر في جميع أنحاء العالم فاشلة، لأن طمر النفايات في الأرض تحتاج إلى آلاف السنين لكي تتحلل، كما أنها تحتاج مساحة كبيرة من الأرض، وبالتالي خسارة الأرض التي تدفن أو ترمى فيها الفضلات، لأنها سوف تتلوث ومكوناتها تتغير وتصبح غير صالحه للزراعة أو للاستخدام البشري، لذا فعملية التدوير هي الخيار الأمثل وإن كانت تحقق مكاسب اقتصادية بسيطة".
يذكر أن هناك العديد من مشاريع إنشاء معامل لإعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى مواد صالحة للاستخدام، مثل الأسمدة أو فرز المواد الصلبة فيها، قد طرحت خلال الأعوام الماضية، لكن في العام 2014 وبسبب الأزمة المالية والحرب على تنظيم داعش توقفت اغلبها، ما دفع أمانة بغداد إلى طمرها بالطرق التقليدية.
عدسات مُفلترة: مَكْيَجَة العراق الخَرِب!
15-05-2022
وكان معاون مدير دائرة المخلفات الصلبة والبيئة في أمانة بغداد أحمد عبد الإله، كشف العام الماضي، عن وجود ثلاث شركات إحداها تركية قدمت طلبات للاستثمار في مشروع تدوير النفايات وإنتاج الطاقة الكهربائية، فيما بين أن هناك مفاوضات مع وزارة الكهرباء لشراء الطاقة الكهربائية الناتجة من المشروع، لكن البدء بهذا المشروع يحتاج إلى تشريعات قانونية تزيل العقبات من امامه.