"أنت ترى هنا شجرة عائلة القاهرة. شواهد القبور تخبرنا بمن كان متزوجاً ممّن، وماذا فعلوا، وكيف ماتوا... سيتمّ تدمير التاريخ والفن". هذا ما قاله المؤرخ مصطفى الصادق لصحيفة "نيويورك تايمز" عندما سُئل عن رأيه في مشروع هدم الحكومة المصرية للمدافن التاريخية في المقطّم إفساحاً لبناء جسر مرتفع يربط وسط القاهرة بالعاصمة الإدارية الجديدة.
يقول إن تاريخاً كاملاً قيد الانمحاء، لكن الجرفَ جارٍ على قدمٍ وساق، لا يوقّر ميتاً ولا يرى أمامه حياً. فمقابر مصر هذه ليست بيتاً للراحلين فقط، بل هي ذات خصوصية جعلت منها مأوى سكنياً لكثير من فقراء المدن وحراس القبور والحفارين وعائلاتهم - وهي مساكن يقدر عددها بأكثر من 179 ألف وحدة سكنية حسب آخر إحصاء صادر في الثمانينات (والرقم لا بدّ صار أزيد من ذلك).
بيوت المقابر في مصر
09-11-2016
على الأرض، وكلّ بضعة أيّام، تظهر تلك العلامات الحمراء الكبيرة المنذرة باقتراب الجرافات: X على حيطان المدافن المنوي إزالتها من "مدن الأحياء والموتى"، وفيها - إلى جانب الأحياء والموتى - عدة مواقع أثرية هامة وعدة شواهد لشخصيات وأعلام مصرية هامة. آخر المفاجآت كانت منذ أيام، عندما استيقظ أهل المنطقة على علامتين مرسومتين على حانبي باب مدفن عميد الأدب العربي طه حسين. سارعت خبيرة الآثار المصرية مونيكا حنّا إلى تداول الصور والتحذير من إزالة المقبرة لصالح "جسر الصحافي ياسر رزق".
ولكن، هل ستمرّ هذه الإزالات لصالح مشاريع الرئيس السيسي المتزايدة في التوغل وفرض الشروط على البشر والحجر (والأموات!) مرور الكرام؟
على فيسبوك وتويتر، شارك كثر استياءهم من المشروع، تحت وسم #أنقذوا_جبّانات_مصر، وهو استياء يبدأ عند فكرة "انتهاك حرمة الموتى" (إن كان لأسباب دينية أو أخلاقية) ولا ينتهي عند الاحتجاج على انتهاك التاريخ نفسه وتنفيذ ما أسموه ب"جريمة عمرانية"، وهذا وسط وعود من المتحدث باسم العاصمة الإدارية الجديدة، خالد الحسيني، ب"الحفاظ على الأضرحة المسجلة كآثار تاريخية".
لكنّ مخاوف المصريين لم تأتِ من عدم، فقد سبق هذا المشروع هدم ما يسمّى ب"جبانة المماليك" في القاهرة عام 2020 لإنشاء محور الفردوس بداعي تطوير المنطقة - وتلك الثروة الأثرية كان يقدّر عمرها بأكثر من خمسة قرون…
"الفردوس" بدلا من المقابر!
24-07-2020
"المشاريع التطويرية" مستمرة، ولكن خيانة الأمانات التاريخية التي يملكها المجتمع المصري وتأريق بال العائلات المصرية التي يرقد موتاها في المدافن وتهديد الآلاف ممن يقطنونها بالإخلاء والتشرد.. كل ذلك يبدو أشدّ وقعاً!