تونس: إلى أين؟

يفرض الرئيس سلطة الأمر الواقع عبر تأويل متعسف للفصل 80 من الدستور التونسي، مكّنه من جمع السلطتين التنفيذية والتشريعية. ويبدو أنه أصبح يستسهل إزالة العقبات المؤسساتية والقانونية التي تعترض طريقه، فيتخلص منها بجرّة قلم.
2022-05-03

شارك
كاريكاتير: علاء اللقطة، عربي 21

أقل من ثلاثة أشهر تفصلنا عن المحطة الثانية من خارطة الطريق التي أعلن عليها الرئيس التونسي قيس سعيِّد في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2021 كمقترح للخروج من مرحلة "الإجراءات الاستثنائية" التي انطلقت يوم 25 تموز/ يوليو 2021. بعد المحطة الأولى، "الاستشارة الوطنية الالكترونية"، التي عبّر الرئيس عن فخره بنجاحها (كثيرون اعتبروها فشلاً ذريعاً نظرا لتدني نسبة المشاركة) واعتبرها حلقة أولى في الحوار الوطني، تأتي المحطة الثانية: استفتاء يوم 25 تموز/يوليو 2022 ليقول التونسيون كلمتهم بخصوص جملة من التعديلات يزمع الرئيس إدخالها على الدستور ويزعم أنها ستكون خلاصة المطالب التي عبّر عنها التونسيون المشاركون في الاستشارة الوطنية.

لا يثق كثير من المتابعين للشأن السياسي في نوايا الرئيس "الديمقراطية"، ويعتبرون أنّ الاستفتاء لن يكون على المقترحات والرؤى بل على شخص قيس سعيِّد، فهذا الأخير يعلم بأنّ شعبيته ما زالت كبيرة بشكل يمكّنه من حسم استفتاء هو بمثابة تغيير شامل للنظام السياسي ليصبح على مقاس رئيس الجمهورية ويسمح له بالمضي قدماً في تنفيذ مشروعه السياسي. هذا الشك في نوايا الرئيس ليس مبنياً على تخمينات بل تسنده وقائع وأفعال، ازداد تواترها في الأسابيع الأخيرة.

الحل في "الحلّ"؟

بعد أن استطاع أن يفرض سلطة الأمر الواقع عبر تأويل متعسف للفصل 80 من الدستور التونسي، مكّنه من جمع السلطتين التنفيذية والتشريعية، يبدو أن الرئيس أصبح يستسهل إزالة العقبات المؤسساتية والقانونية التي تعترض طريقه، فيتخلص منها بجرّة قلم..حرفياً. ففي 22 أيلول/سبتمبر أصدر الأمر الرئاسي رقم 117 لسنة 2021 وهو بمثابة دستور "موازٍ" أو "صغير" لإدارة المرحلة الاستثنائية، ويمكن اعتباره تدريباً للمواطنين وأجهزة الدولة على نظام رئاسي قوي يقود سلطة تنفيذية برأس واحد بعد أن أصبح رئيس الحكومة مجرد وزير أول تابع تماماً لرئاسة الجمهورية.

بتأويل مطاطي للقانون كما يحدث في كثير من الحالات والأماكن، وجد سعيّد "الغطاء الشرعي" لحلّ البرلمان دون الاضطرار إلى دعوة التونسيين لانتخاب مجلس جديد في غضون 3 أشهر. ولكنّ الرئيس نفسه لا يبدو مقتنعاً بوجاهة هذا التأويل وإلا لكان استعمله منذ البداية دون حاجة لتجميد البرلمان! الفصل 72 كان "الخطة ب" أو مخرج الطوارئ، وهو قد استعمله عندما استشعر الخطر.  

 قيس سعيِّد كثيراً ما اشتكى من تعطيل القضاء التونسي لجهوده في مكافحة الفساد والإرهاب والجرائم المالية/السياسية. وهذا في جزء منه صحيح، فالكثير من القضايا الخطيرة تهمل لسنوات أو تصدر فيها أحكام مناقضة للمنطق والوقائع. وهو يعتبر أن جزءاً من القضاء مخترق وتابع للمنظومة القديمة مما يستوجب تطهيره. وفي إطار الحرب على الفساد تمّ يوم 21 آب/أغسطس 2021 إخلاء مقرات الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد والتحفظ على الوثائق الموجود في مكاتبها ووضع رئيسها تحت الإقامة الجبرية بشبهة التستر على ملفات فساد. وفي الأشهر الأخيرة من سنة 2021 تزايد الاحتقان بين الرئيس والقضاء إلى حد الصدام العلني. لم يتحمل الرئيس هذا "الصداع" كثيراً فأعلن في 6 شباط/ فبراير عن حل المجلس الأعلى للقضاء (هيئة دستورية أقرها دستور 2014 وأحدثت سنة 2016) ثم أصدر المـرســوم رقم 11 لسنة 2022 المؤرّخ في 12 شباط/فبراير 2022 وهو يتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء. ينظر كثيرون الى هذا المرسوم باعتباره إلحاقاً للسلطة القضائية بالسلطتين التنفيذية والتشريعية التي يسيطر عليهما الرئيس، خاصة وأنّ أعضاء المجلس الجديد لا يتم انتخابهم بل تقع تسميتهم إما لصفتهم الوظيفية (رؤساء محاكم) أو عبر التعيين المباشر من قبل رئيس الجمهورية.

 لم يتوقف قطار الرئيس عند هذا الحد، فبعد أن رفض لأشهر طويلة حل البرلمان، مكتفياً بتجميده ومصادرة صلاحياته حتى لا يضطر إلى الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها قد تعيد خصومه إلى البرلمان، خاصة في ظلّ اعتماد القانون الانتخابي نفسه، اتخذ قيس سعيِّد القرار أخيراً يوم 30 آذار/مارس 2022. وهو في الحقيقة قرار اضطراري أملته مناورة قامت بها حركة النهضة وحلفاؤها، حيث بدأت في مساعي إعادة إحياء البرلمان (الذي كان يرأسه راشد الغنوشي زعيم الحركة الإسلامية) عبر عقد اجتماعات لأعضاء مكتبه عن بعد، ثم عقدت جلسة عن بعد شارك فيها 116 نائباً قرروا إلغاء القرارات التي اتخذها الرئيس منذ 25 تموز/يوليو. حل البرلمان كان ليعتبر انتصاراً لحركة النهضة والمعارضة عموماً لو تمّ اعتماداً على الفصل 77 أو الفصل 80 من الدستور، لكنّ الرئيس المصر على تأخير التشريعيات إلى آخر السنة وجد "مخرجاً" دستورياً آخر فاعتمد على الفصل 72: "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور". هذا الفصل ليس فيه أي إشارة لحل البرلمان، لكنّ الرئيس اعتبر أن ما فعلته حركة النهضة وحلفاؤها من تحد لقرار تجميد البرلمان وسعيها لفرض سلطة و"شرعية" موازيتين هو ضرب للدولة ووحدتها مما يلزم رئيس الجمهورية بالتدخل واتخاذ التدابير اللازمة لدرء الخطر. هكذا، وبتأويل مطاطي للقانون كما يحدث في كثير من الحالات والأماكن، وجد سعيّد "الغطاء الشرعي" لحل البرلمان دون الاضطرار إلى دعوة التونسيين لانتخاب مجلس جديد في غضون 3 أشهر.

ولكن، لا يبدو أن الرئيس نفسه مقتنع جداً بوجاهة هذا التأويل وإلا لكان استعمله منذ البداية دون حاجة لتجميد البرلمان! الفصل 72 كان على الأرجح "الخطة ب " أو مخرج الطوارئ، وهو قد استعمله عندما استشعر الخطر. وحتى يعزز شعوره بالأمان، أصدر قيس سعيّد مرسوماً جديداً يوم 21 نيسان/ ابريل: المرسوم رقم 22 لسنة 2022 المتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي المنظِّم لعمل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وإتمامها. هذه الهيئة العمومية "المستقلة" التي أُحدثت بموجب القانون الأساسي رقم 23 لسنة 2012 هي التي أشرفت على الانتخابات التي عرفتها تونس بعد 2011، بما فيها الانتخابات التي فتحت أبوب قصر قرطاج أمام قيس سعيّد. وهذا الأخير يتوجس من أغلب الهيئات العمومية والدستورية التي كانت موجودة قبل إمساكه بمقاليد السلطة كاملة، ويخاف أن تكون مخترقة من قبل خصومه، لذا حل المكتب القديم المسيِّر للهيئة وغيّر طريقة اختيار أعضائها. قبل التنقيح كان مجلس نواب الشعب هو الذي يصادق على الأعضاء التسعة الذين يشكلون الهيئة بعد صراعات وتوافقات بين القوى السياسية، أما الآن فالأعضاء صاروا سبعة، يعين الرئيس ثلاثة منهم مباشرة، فيما تعين المجالس العليا للقضاء ثلاثة آخرين (المجالس التي يتمتع فيها رئيس الجمهورية بنفوذ كبير بعد المراسيم الجديدة)، والعضو السابع موظف عمومي يعمل مهندساً في المركز الوطني للإعلامية. هذه التعديلات اعتبرها الكثيرون - حتى من غير معارضي الرئيس - ضرباً لاستقلالية الهيئة وإلحاقاً لها بالسلطة التنفيذية مما يهز مصداقية أي انتخابات أو استفتاءات ستشرف عليها.

الحوار الوطني: متى؟ كيف؟ لما؟

منذ الساعات الأولى التي تلت إعلان 25 تموز/يوليو 2021، دعت منظمات وطنية كبيرة، على رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، وعدة أحزاب وشخصيات وطنية، الرئيس قيس سعيد لإطلاق حوار وطني بهدف التوافق على خطة للخروج من الأزمة السياسية في أسرع وقت وبأخف الأضرار. حتى حركة النهضة والقوى المتحالفة معها، والتي دعت في البداية إلى التصادم مع الرئيس غيّرت في مرحلة ما نبرتها - أساسا لأن موازين القوى في الشارع والمواقف الإقليمية لم تكن في صالحها - وعبّرت هي أيضاً عن انفتاحها على حوار ثنائي أو جماعي. رد الرئيس لم يتأخر وقال في بداية شهر آب/أغسطس 2021 أنه لا مجال للعودة إلى الوراء أو ل "حوار فيه خلايا سرطانية"، وأنّه لن يتحاور إلا مع "الصادقين".

اتخذ قيس سعيِّد قرار حل البرلمان أخيراً يوم 30 آذار/مارس 2022، بعد أن رفض لأشهر طويلة ذلك، مكتفياً بتجميده ومصادرة صلاحياته حتى لا يضطر إلى الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها قد تعيد خصومه إلى البرلمان، خاصة في ظل اعتماد القانون الانتخابي نفسه. 

في الأثناء، يتأزم الوضع الاقتصادي أكثر مع موجة غلاء تقصم ظهر الفقراء وتفاقم اهتراء الطبقات الوسطى. هذه الأزمة الاقتصادية تضعف موقف البلاد أكثر في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي و"جهات مانحة" ودائنة أخرى، بشكل يهدد سيادتها أو ما تبقى منها.

المشكلة الأولى، أنه باستثناء الرئيس لا أحد يعرف من هم "الصادقون" بالضبط وما هي معايير اكتساب هذا الامتياز الرئاسي. أما المشكلة الثانية تتمثل في مماطلة الرئيس للجميع، "مسرطنين" و"صادقين". فلئن طمأن الرئيس التونسيين في الصيف الفائت أنّه سيطلق حواراً وطنياً في وقت قريب إلا أنه لم يقطع أي خطوة جدية في هذا الاتجاه، وها نحن على أعتاب الصيف الثاني. وحتى أبواب القصر التي كانت في الأسابيع الأولى بعد إعلان الإجراءات الاستثنائية مفتوحة لممثلي منظمات المجتمع المدني وشخصيات وطنية، سرعان ما أغلقت منذ خريف 2021 بعد إقرار الرئيس ل "دستور صغير" في 22 أيلول/سبتمبر.

مقالات ذات صلة

انغلاق الرئيس قابله نفور متزايد من عدة منظمات كانت قد ساندته ضمنياً أو على الأقل لم تعاديه علانية، خاصة مع تتالي المراسيم والأوامر التي تضرب مبدأ فصل السلطات وتهدد استقلالية هيئات دستورية وعمومية منتخبة، وتواتر الممارسات المهددة للحريات من محاكمات عسكرية لمدنيين وقرارات وضع تحت الإقامة الجبرية بدون مبررات قانونية واضحة ومضايقات لصحافيين ومواطنين مدونين، الخ. زد على ذلك، أدى تردي الأوضاع الاقتصادية وتسرب أخبار عن خضوع حكومة نجلاء بودن لإملاءات صندوق النقد الدولي خلال تفاوضها معه للحصول على قسط جديد من قرض ضخم ومجحف الشروط، إلى توتر العلاقة مع الاتحاد العام التونسي للشغل وعدة أحزاب وشخصيات يسارية كانت في وقت ما مساندة ضمنياً لإجراءات الرئيس.

دعت منظمات وطنية كبيرة الرئيس قيس سعيد لإطلاق حوار وطني بهدف التوافق على خطة للخروج من الأزمة السياسية بأخف الأضرار. لكنّ الرئيس قال إنه لا مجال للعودة إلى الوراء أو ل "حوار فيه خلايا سرطانية"، وإنه لن يتحاور إلا مع "الصادقين". فمن هم "الصادقون" بالضبط؟ ثم أن الرئيس يماطل الجميع، "مسرطنين" و"صادقين".

لا يثق الرجل إلا بحلقة ضيقة جداً من المقربين، لديه أفكار مسبقة و"حقائق" لا يتراجع عنها، لا يحبذ التعامل مع الأحزاب، يتخذ قراراته بشكل مباغت ويعلن عنها بعد نصف الليل... الرئيس رسم خارطة للطريق وعبدها بجملة من الإجراءات والمراسيم والأوامر التي لا تنبئ بأنه ينوي حقا أن يتقاسم القرار السياسي مع الآخرين.

في كانون الأول/ديسمبر 2021، أعلن سعيد خارطة طريق وسقفاً زمنياً للخروج من المرحلة الاستثنائية، وأكد أن الحوار الوطني سينطلق قريباً، وسيكون على قاعدة مخرجات الاستشارة الوطنية الالكترونية. وها قد مضى قرابة الخمسة أشهر على إعلان خارطة الطريق وأكثر من شهر على نهاية الاستشارة، ولم ينطلق الحوار بعد. الرئيس ما زال يطمئن التونسيين أن الحوار آت لا ريبٍ فيه، لكن دون مشاركة "الانقلابيين" (يقصد "حركة النهضة" والقوى التي حاولت إحياء البرلمان "المجمد") و"أعداء الوطن" وممن نهب مقدرات الشعب ونكّل به". وقد شرع فعلاً في مشاورات مع منظمات مثل الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية لحقوق الإنسان والإتحاد الوطني للمرأة وعمادة المحامين وغيرها، لكنه لم يفتح - على الأقل علناً - قنوات مع الأحزاب التي يمكن أن تشارك في الحوار.

وليس الرئيس وحده من يضع شروطاً ومعاييراً للمشاركة في الحوار. مثلا اتحاد الشغل يرفض أن يُبنى المسار على مخرجات الاستشارة الوطنية ويطالب بأن يكون الحوار أشمل وأن يضع الملف الاقتصادي-الاجتماعي كأولوية، وتطالب رابطة حقوق الإنسان بإدراج ملف الحقوق والحريات في جدول الأعمال، كما عبرت أحزاب وقوى سياسية عن رفضها مشاركة الأحزاب والشخصيات التي كانت جزءاً من السلطة خلال العقد الفائت.

لا أساس واضح للحوار إذاً، ولا معايير دقيقة لفرز المشاركين، فالبلاد تعد أكثر من مئتي حزب تتفاوت "أحجامها" وتختلف توجهاتها ومصالحها وتحالفاتها، ومنظمات المجتمع المدني والهيئات المهنية تُعد بالآلاف وأكثرها تأثيراً يُعد بالعشرات، فضلاً عن "الشخصيات الوطنية" والخبراء والمثقفون. من سيختار كل هؤلاء، متى وأين سيجتمعون، كم من جلسة سينظِّمون؟ وهل ستكون نتائج الحوار ملزمة لرئيس الجمهورية؟

انغلاق الرئيس قابله نفور متزايد من عدة منظمات كانت قد ساندته ضمنياً أو على الأقل لم تعاديه علانية، خاصة مع تتالي المراسيم والأوامر التي تضرب مبدأ فصل السلطات وتهدد استقلالية هيئات دستورية وعمومية منتخبة، وتواتر الممارسات المهددة للحريات من محاكمات عسكرية لمدنيين وقرارات وضع تحت الإقامة الجبرية بدون مبررات قانونية واضحة ومضايقات لصحافيين ومواطنين مدونين

هذه أسئلة لا أجوبة واضحة لها.. وربما لا طائل منها أصلاً. شخصية قيس سعيد وأداؤه السياسي في السنوات الأخيرة لا يحتملان الكثير من التأويل: الرجل لا يثق إلا في حلقة ضيقة جداً من المقربين، لديه أفكار مسبقة و"حقائق" لا يتراجع عنها، لا يحبذ التعامل مع الأحزاب، يتخذ قراراته بشكل مباغت ويعلن عنها بعد نصف الليل... الرئيس رسم خارطة للطريق وعبدها بجملة من الإجراءات والمراسيم والأوامر التي لا تنبئ بأنه ينوي حقا ان يتقاسم القرار السياسي مع الآخرين. ربما يمكّنه "الحوار الوطني" من كسب بعض الوقت وتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية، وقد يعتبره إضفاء لشرعية على حكمه لكن من المستبعد جداً أن يتعامل مع هذا الحوار بجدية أو يعدِّل سياساته جذرياً على ضوء مخرجاته.

***

تقترب "إجراءات 25 تموز/يوليو 2021 الاستثنائية" من عيد ميلادها الأول دون أن تتضح الرؤية فعلاً حول مستقبل البلاد ونظامها السياسي. ويواصل قيس سعيِّد الاستفادة من نقمة جزء كبير من التونسيين على الطبقة السياسية والنخب التي تصدّرت المشهد وقادت البلاد طيلة العقد الذي تلى يناير 2011 - وعلى رأسهم إسلاميو حركة النهضة - ليحول هذا الغضب إلى وقود لمشروعه/ قطاره السياسي الذي لا يتوقف في محطات كبيرة أو صغيرة، ولا يحمل ركاباً غير قائده، ولا أحد يعرف وجهته الأخيرة. ولا يبدو أن المعارضة أو بالأحرى المعارضات قادرة أن توقف قطار الرئيس أو تخفف من سرعته على الأقل. في الاثناء، يتأزم الوضع الاقتصادي أكثر مع موجة غلاء تقصم ظهر الفقراء وتفاقم اهتراء الطبقات الوسطى. هذه الأزمة الاقتصادية تضعف موقف البلاد أكثر في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي و"جهات مانحة" ودائنة أخرى، بشكل يهدد سيادتها (أو ما تبقى منها)، وقد تكون سببا في إضعاف الرئيس وانفضاض الكثير من التونسيين من حوله.   

مقالات من تونس

للكاتب نفسه