قصة الشباب الجزائري مع التجارة الموازية

عادت ظاهرة الأسواق الفوضوية والموازية إلى مدن الجزائر الكبرى بعد أن اختفت لفترة. ويمارس شباب يقولون إنهم يعانون من بطالة حقيقية عجزت مشاريع الدعم الحكومي في التقليل من وطأتها، تجارة غير رسمية ولا منظمة لجني بعض المداخيل المالية من دون تسديد ضرائب. ويشير بعض الشباب إلى المحال التجارية التي ما زال المئات منها ببلديات الجزائر مغلقاً وغير مستغل بسبب عزوف واضح للمعنيين بها عن استخدامها في ممارسة
2016-04-07

محمد مرواني

باحث وكاتب صحافي من الجزائر


شارك
عاطف معطالله - تونس

عادت ظاهرة الأسواق الفوضوية والموازية إلى مدن الجزائر الكبرى بعد أن اختفت لفترة. ويمارس شباب يقولون إنهم يعانون من بطالة حقيقية عجزت مشاريع الدعم الحكومي في التقليل من وطأتها، تجارة غير رسمية ولا منظمة لجني بعض المداخيل المالية من دون تسديد ضرائب. ويشير بعض الشباب إلى المحال التجارية التي ما زال المئات منها ببلديات الجزائر مغلقاً وغير مستغل بسبب عزوف واضح للمعنيين بها عن استخدامها في ممارسة النشاط التجاري.
ترى الحكومة بمنظار آخر التجارة الموازية التي استفحلت خلال الآونة الأخيرة بعدد من مناطق البلاد الكبرى، إذ تعتبرها عقبة أمام تطوير وتنظيم قطاع التجارة بالجزائر. فما سمي "الحملة الوطنية" للقضاء على الأسواق الفوضوية في 48 ولاية، التي انطلقت في العام 2012 (بإشراف مصالح وزارة التجارة على المستوى المركزي والمحلي بمعية البلديات وأجهزة الأمن)، كان هدفها إزالة محلات القصدير أو التنك من شوارع المدن وأحيائها، وهي لم تحقق النتائج المطلوبة والمرجوة منها بحسب آراء مختصين وفاعلين في الحركة الجمعوية المتعاملة مع قطاع التجارة، إذ لم تقتنع الجمعية الوطنية لحماية المستهلك ولا الاتحاد الوطني للتجار والحرفيين (وهما من أكثر التنظيمات التي تتعامل مع مصالح مديريات التجارة) بما تم تحقيقه، بينما روجت لها الحكومة في وسائل الإعلام.
فآخر الأرقام تشير إلى عودة حوالي 200 سوق فوضوي، جلها ينشط بالجزائر العاصمة ووهران، فيما تشير السلطات الوصية إلى أن حوالي 73 في المئة من الأسواق الفوضوية والموازية قد تم القضاء عليها مع نهاية عام 2015. ووسط هذا التضارب في الأرقام، يكشف الغلاف المالي الكبير الذي خصصته الحكومة لاحتواء الظاهرة والقضاء عليها تدريجياً تركيز السلطات على إنجاز أسواق جِوارية بالبلديات والولايات لإدماج أصحاب الأنشطة الموازية. فحسب ما تناولته صحف جزائرية، انفق في هذا السبيل 14 مليار دينار لإنجاز 291 سوقاً مغطاة و786 سوقاً جِوارياً مع إتمام هياكل أخرى. وحسب ما أفادت به مصالح وزارة التجارة، فقد مكّنت هذه المشاريع والمرافق التجارية من إدماج أكثر من 20 ألف تاجر كانوا يمارسون أنشطة تجارية موازية، وكان عددهم يقدر بحوالي 48.500 يلجأون إلى ذلك كعمل موسمي أو دائم.
وعلى الرغم مما أنجز من مرافق تجارية لمواجهة استفحال النشاط التجاري الموازي، يؤكد العديد من الشباب الجزائري، ممن قذفت به البطالة إلى الأسواق الفوضوية، أن هذا النشاط يقدم لهم ولأسرهم متنفساً بمواجهة ارتفاع تكاليف الحياة والفقر وضغط ظروفهم المادية.
ويرابط الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و30 عاماً بالأسواق الموازية التي يقع جلها في وسط المدن، ويحافظون على أماكنهم لا يغادرونها. ويوفر لهم عملهم ذاك مداخيل مالية سريعة. ويعيش معظم هؤلاء الشباب مع ذويهم في مساكن واحدة.
وفي الواقع تغيب الرقابة الرسمية على نشاط التجارة الموازية، وتتعامل السلطات معها بليونة. وعلى الرغم من حملة "تطهير" المحلات الفوضوية، فما بدا هو أن هدفها الاحتواء الجزئي للظاهرة وليس القضاء عليها. وتقول الحكومة إنها تراعي ما تمر به البلاد من ظرف سياسي واقتصادي صعب وحساس جراء انخفاض مداخيل قطاع المحروقات.. فيستغل هؤلاء الأمر لفرض منطقهم على الجهات الوصية ومصالح التجارة، ما يؤدي إلى حرمان الجباية المحلية من المداخيل المالية التي شحت وقد تختفي في حال مواصلة الدولة تجاهل خطورة التجارة الموازية على الاقتصادي الوطني. إذ يبدو أن بارونات التجارة الموازية يتحكمون اليوم في المئات من هذه الأسواق على مرأى السلطات والجهات المسؤولة.
وتقدم عدة جمعيات توصيفاً لحالة إقبال الشباب البطّال على التجارة الموازية وممارستها بكثافة وفي مواسم عدة، باعتباره يجسد بحث هؤلاء بنظرة براغماتية عن الملموس والممكن، ويشيرون إلى أن البعض من الممارسين هم من متخرجي الجامعات ومراكز التكوين المهني.
وقد اتجهت السلطات إلى اعتماد ما يسمى بـ "عقود تشغيل مؤقتة"، مُنحت على عجل للشباب ومن دون دراسة، كسياسة منتهجة منذ سنوات للتقليل من نسب البطالة المرتفعة بالبلاد. ويعتبر كثير من المستفيدين من هذه الصيغة بأنها مجرد مسكّن مؤقت لداء مزمن هو العجز عن إيجاد فرص عمل حقيقية للآلاف من الشباب الجزائري الذي يكوِّن جيش العاطلين عن العمل والذي لم يكف عن التعاظم.


وسوم: العدد 52

للكاتب نفسه