في الديباجة المتفائلة والواعدة جدا (والمكتوبة على عجل) لاتفاقية باريس الاقتصادية (29/4/1994)، او ما صار يسمى "بروتوكول باريس"، فإنها "ستشكل أرضية العمل لتقوية القاعدة الاقتصادية للجانب الفلسطيني ولممارسة حقه في اتخاذ القرار الاقتصادي وفقا لخطته الخاصة للتنمية وأولوياته". كما أنها "ستؤسس للاتفاق التعاقدي الذي سيحكم العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، خلال المرحلة الانتقالية المؤقتة البالغة خمس سنوات والمرتبطة باتفاقية أوسلو وكجزء منه".. وكلاهما انتهي في شهر ابريل/نيسان من العام 1999.. ومن المؤكد أن رئيس الفريق الفلسطيني الذي وقع الاتفاقية ببنودها ومقيداتها وملاحقها العديدة، كان في أحسن الأحوال غير ملم أو مطلع بما يكفي على حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة في الضفة الغربية والقطاع مما حال بينه وبين التدقيق والتمحيص ببنود الاتفاقية بحجة أنها مؤقتة وانه من غير المعقول أن نعطل أو نؤخر توقيع اتفاقية أوسلو بسبب أمور ثانوية أو غير ذات أهمية. وبناء عليه لم يتم الوقوف طويلا أمام الكوارث والسلبيات والمصائب العديدة التي تضمنتها الاتفاقية والتي بدأت بالظهور ميدانيا على الأرض حتى قبل انتهاء فترة السنوات الخمس الانتقالية. كانت اتفاقية باريس الاقتصادية بمثابة مصيدة محكمة الصنع ولجتها منظمة التحرير الفلسطينية بشكل متسرع وبدون تفكير بالعواقب المستقبلية التي ستترتب على ذلك فيما بعد، وذلك بسبب موافقته أو لامبالاته بترك التحكم بباب المصيدة بيد عدوه، دون أن يكون له حق الاحتفاظ بنسخة احتياطية يستخدمها وقت الطوارئ. ربط المفاوض الفلسطيني مستقبل فلسطين كلها وليس اقتصادها فحسب بيد سلطات الاحتلال.
مقيدات بروتوكول باريس
بنود اتفاقية باريس الاقتصادية قيدت الاقتصاد الفلسطيني وربطته بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي وبالمصالح المباشرة للاحتلال وشركاته الخاصة. فالقرار النهائي بكل ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية الفلسطينية بات مرتبطا بالموافقة الإسرائيلية، السياسية منها والمهنية والأمنية. وتقدير احتياجات السوق الفلسطيني وكميات الاستيراد من البضائع والسلع يجب أن يكون متفقا عليه بين الجانبين وفقا للمعايير الإسرائيلية وعلى ضوء المعلومات والتفاصيل المتوفرة عن الاستهلاك والإنتاج والاستثمار والتجارة الخارجية والنمو السكاني والارتفاع في معدل الناتج المحلي والدخل القومي. بل ربطت الاتفاقية النظام المالي والنقدي برمته والتجارة الخارجية ونسب تقدير وتحديد ضرائب القيمة المضافة وأسلوب تحصيلها ونظام ومعايير الاستيراد والتفتيش والجمارك والتأمين والتعويض في حوادث الطرق واستيراد المشتقات النفطية بأنواعها وأسعارها.. بالقرار الإسرائيلي. فاللجنة الاقتصادية المشتركة بين الطرفين والمشكلة من عدد متساو من الأعضاء، وأية لجان فرعية أخرى يمكن تشكيلها ليس لها أي سلطة أو تأثير على مجمل العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية بين الجانبين. فإجراءات الاستيراد والتخليص والتفتيش على السلع والبضائع هي تحت الرقابة والموافقات الإسرائيلية وضمن الغلاف الجمركي الموحد، دون النظر إلى مستوى النمو والتطور في الاقتصاد الفلسطيني بالمقارنة مع الإسرائيلي. ضريبة القيمة المضافة تحدد من قبل الاحتلال مع إعطاء هامش لا يزيد على 2 في المئة للسلطة الفلسطينية زيادة أو نقصانا. وفيما يتعلق بتحويل الشيكل الفائض إلى عملات دولية فيتم عن طريق "بنك إسرائيل" والمصارف التابعة له. وهناك تجاهل لحركة التجارة مع القدس، وللتهريب من المستوطنات الكثيرة والمتعددة، ونقل الأموال بين قطاع غزة والضفة الغربية. وقد غاب عن المفاوض الفلسطيني في هذا الجانب، ثلاث نقاط فنية في غاية الأهمية هي أولا كمية الكتلة النقدية التي كانت متداولة في الضفة والقطاع قبل توقيع الاتفاقية والتي كان يجب تقديرها من قبل بنك إسرائيل وإدخالها في المعادلة (أي حق الفلسطينيين في تحويلها إلى عملات أجنبية متى رغب الفلسطينيون في ذلك بدون قيود) لكونها التزاما سابقا على إنشاء السلطة، وطرحها بالتداول كان قرارا إسرائيليا، وتحت مراقبة بنك إسرائيل والسلطات الرسمية الأخرى، فالاحتلال وحده من يتحمل مسؤوليتها القانونية بما في ذلك استبدالها. وثانيا غياب أي تقدير عن حركة تدفق وانسياب العملة الإسرائيلية من قبل فلسطينيي عام 1948 والقدس والمستوطنات. وثالثا عدم الاتفاق مع سلطات الاحتلال للحصول على ما يعرف بالSeignorage والمتمثل بحصة فلسطين من تداول الشيكل في الأراضي الفلسطينية، وهي عبارة عن العائد أو الإيراد المتحصل من إصدار العملة الإسرائيلية. وقد قدرتها الدراسات بنحو 60 مليون دولار كمتوسط سنوي حتى العام 2009 وهناك تقدير آخر ذكر بان قيمتها تزيد على 80 مليون دولار كمتوسط سنوي. وبذلك حُرمت الخزينة الفلسطينية منذ عام 1995 وحتى نهاية عام 2014 مما يقدر بما بين 1200 - 1600 مليون دولار. لقد تبين لاحقا أهمية العنصران الأول والثاني في تكوين الفائض من "الشيكل" الإسرائيلي في السوق الفلسطيني، بالإضافة إلى الاختلال المزمن في الميزان التجاري بين الجانبين. علما بأن كل "الشواكل" المتداولة في السوق الفلسطيني يجب أن تبدل بالعملات الدولية من المؤسسات المصرفية الإسرائيلية متى رغب الفلسطينيون بذلك، ودون قيود، لكونها التزاما قانونيا. لقد ابتزت سلطات الاحتلال سلطة النقد الفلسطينية في:
أ- حق حرية تحويل السيولة إلى قطاع غزة وبالعكس بدون سقوف أو قيود أو تقديم تقارير أو تبريرات أو إحصاءات. فتدفق وانسياب السيولة بكل العملات وخاصة الشيكل بين جناحي الوطن يجب أن يتم بحرية تامة باعتبار القطاع والضفة الغربية يشكلان وحدة جغرافية واحدة (كيان واحد) .
ب- وضع سقوف لما يستطيع بنك إسرائيل قبوله من الشواكل بما في ذلك المصارف التجارية العاملة تحت إمرته،ب حجة أن هناك عمليات تبييض للأموال تتم في الأراضي الفلسطينية. وقد تأكدت سلطات الاحتلال فيما بعد من خلال اجتماع غير قانوني وغير مصرح به (سري) عقد في شهر إبريل من العام الماضي (2015) في بيت إيل وبدعوة مباشرة من الحاكم العسكري (وهنا خطورة الموضوع) حضره المدراء العامين والإقليميين لبعض المصارف الكبيرة، وممثل عن سلطة النقد (والتي لم يكن لديها علم مسبق بذلك ولم يتم التنسيق معها ولم تمنعه أو تطلب من المصارف عدم حضوره) تأكد لها أن معظم السيولة الفائضة ناتجة عن قيام المواطنين الفلسطينيين من عام 1948 بإنفاقها في السوق الفلسطيني وخاصة في شمال الضفة الغربية، والقسم الأخر ناتج من تجارة التهريب مع المستوطنات المنتشرة بالإضافة إلى العلاقة التجارية مع القدس.
النتائج المدمرة الناجمة عن الاتفاقية
على الرغم من وجود نص بالاتفاقية بأنها مؤقتة لمدة خمس سنوات، وانه بإمكان أي طرف إعادة فحص الترتيبات والإجراءات الواردة بعد عام من توقيعها ووضعها موضع التنفيذ، إلا أن الجانب الفلسطيني لم يقم بذلك كما أن اجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة لم تعقد (سوى ربما اجتماعين أو ثلاثة) وبعد ذلك جمدت كليا وخاصة بنهاية عام 2000، حيث تم إلغاء الوجود الفلسطيني الأمني والجمركي في المعابر كليا في خرق واضح وجلي ليس لبروتوكول باريس فحسب وإنما لاتفاقية أوسلو كلها. فاتفاقية أوسلو جعلت 62 في المئة من مساحة الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية بالكامل وهي التي أطلق عليها أسم (ج) مما يحول دون تنميتها والتعمير فيها، فهي محظورة على الفلسطينيين بالكامل. كما جعلت المناطق (ب) خاضعة امنيا وعسكريا لسلطات الاحتلال، وهي القرى والبلدات والتجمعات الرئيسية، أما المنطقة (أ) والتي لم تزد مساحتها في أحسن الأحوال عن 21 في المئة فهي التي تركز فيها النشاط الاقتصادي والسكني والعمراني. لقد نتج عن كل ما سبق:
1- حصول نمو وهمي خادع بالاستناد إلى مقياس غير دقيق (معدل دخل الفرد ونسبة النمو في الناتج المحلي) لا يمكن تطبيقه على فلسطين لكونها تحت الاحتلال وليست دولة مستقلة ذات سيادة. وقد أخذت المؤسسات الدولية هذا المقياس وراحت تطبل وتزمر به وتبشر بنجاح "الحل الاقتصادي" بعيدا أو بمعزل عن الحل السياسي والوطني. وفي الحقيقة فقد تسبب ذلك بحدوث فروقات هائلة واختلالات كبيرة في هيكلية الدخول زادت نسبتها عن 1 الى 30، مما أدى تدريجيا إلى تدهور وضع ونفوذ وتأثير الطبقة الوسطى الفلسطينية على مجريات الأوضاع السياسية والاقتصادية .
2- النمو الذي تتحدث عنه المؤسسات الدولية وسلطات الاحتلال ليس أكثر من نمو وتمدد لمساحة المدن وسكانها في المناطق المصنفة (أ) وليس للاقتصاد الفلسطيني ككل، حيث تشكل المنطقة (ج) نحو ثلثي مساحة الضفة الغربية وهي بقيت خالية من أية مشاريع تنموية أو سكانية نجم عنه فلسطينية حتى تاريخه.
3- تركزت المشاريع في المدن الكبيرة وخاصة محافظة رام الله /البيرة مما الهجرة من القرى والمخيمات، وباتت هناك اختلالات هيكلية ملموسة في التركز السكاني الذي أحدث بدوره ضغطا هائلا على مرافق البنية التحتية واوجد جيوبا من الفقر حول ووسط المدن تهدد ما تم بناؤه.
4- وليس غريبا أن يترتب عما سلف انتشار البطالة في فلسطين التي بلغت أكثر من 40 في المئة في القطاع ونحو 20 في المئة في الضفة الغربية، وهي قابلة للزيادة في ظل تراجع فرص الاستثمار والحصار المفروض على قطاع غزة والسيطرة الإسرائيلية الكاملة على الأرض وفرض الحكم العسكري على كل المدن الفلسطينية والحواجز المنتشرة على مداخل المدن والقرى والاقتحامات للمصارف والمؤسسات الاقتصادية والاقتحامات شبة الدورية للمخيمات والأحياء في المدن المختلفة.
5- انتشار المستوطنات في الضفة الغربية بحيث بات من النادر وجود مساحة خالية من الأراضي تزيد عن خمسة كيلومترات بدون مستوطنات. لقد خلت اتفاقية أوسلو وباريس من أي إشارة الى ضرورة وقف أو تجميد التوسع الاستيطاني أثناء الفترة الانتقالية. صادر الاحتلال مساحات شاسعة من الأراضي العامة والخاصة بحجج وتبريرات كثيرة أقام عليها مستوطنات ومرافق وخدمات لها، وحوّل الضفة الغربية إلى كانتونات محاصرة لا تملك مقومات الاستمرار والنمو. وتشكل المستوطنات عائقا اقتصاديا طبيعيا لنمو الاقتصاد الفلسطيني كما تحول من إقامة المشاريع بل ومن توسيعها في المناطق (ب).
6- الاقتصاد الفلسطيني لا يستطيع التعامل أو الاستيراد أو التصدير من دول لا تقيم إسرائيل علاقات سياسية أو تجارية معها أو في حالة حرب معها، وبالتالي فالاتفاقية تحرمه من التعامل أو الارتباط مع نحو 48 دولة في العالم قد تكون سلعها أرخص وأفضل.
7- لا يستطيع الاقتصاد الفلسطيني التعامل أو التوسع تصديرا واستيرادا بمستلزمات ومتطلبات قطاع الخدمات (الكهرباء والاتصالات) بدون الحصول على الموافقات المسبقة من قبل إسرائيل. فهي تمنع - ومارست ذلك عمليا – قيام مؤسسات القطاع الخاص من استيراد أو تركيب أو نقل المعدات اللازمة لإنتاج الكهرباء وشبكة الاتصالات بدون موافقتها. وما زالت تعطل إدخال معدات لإحدى شركات الاتصالات الخلوية إلى قطاع غزة، كما لم توافق على تزويد الشركات الفلسطينية بأجهزة الجيل الثالث. فعلى الرغم من حصول فلسطين على رقم دولي خاص بها، إلا انه بإمكان أي متصل من خارج فلسطين الاتصال بأي رقم في فلسطين عن طريق الرقم الدولي الإسرائيلي أيضا.
8- كافة المعابر والحدود والاستثمار الخارجي وحركة التنقل التجاري والفردي من والى فلسطين تتحكم بها إسرائيل بالكامل (عدا ما حصل في قطاع غزة بعد عام 2007 من خلال الأنفاق).
9- تخضع التجارة الخارجية الفلسطينية للمعايير والمواصفات الإسرائيلية بالكامل، فلا يمكن للمستثمرين والمستوردين والمصدرين على حد سواء التعامل التجاري بأي سلع وبضائع لا تنطبق عليها المواصفات الإسرائيلية.
10- حدود التوسع في القاعدة الإنتاجية مقيد ومحصور بالمنطقتين "أ" و "ب" بينما يحظر على المستثمرين والقطاع الخاص مد أنشطتهم الإنتاجية والتجارية إلى المنطقة "ج"،علما بان مساحة الأخيرة تشكل نحو 62 في المئة من مساحة الضفة الغربية.
11- محظور إقامة وبناء موانئ بحرية أو إنشاء مطارات أو ما يطلق عليها مرافق البنية التحتية للاقتصاد. فكل السلع والبضائع تصدر وتستورد من خلال الموانئ والمطارات الإسرائيلية وتحت مراقبة وتحكم وتفتيش السلطات الإسرائيلية في المعابر والجسور في الضفة الغربية والقطاع.
12- محظور على الاقتصاد الفلسطيني التعامل بحرية مع القدس، إنتاجا وتصديرا واستيرادا، حيث ينطبق عليها ما ينطبق على بقية مدن فلسطين المحتلة عام 1948. وأهمية هذه النقطة تنبع من كون محافظة القدس تساهم بنحو 15 في المئة من الناتج المحلي الفلسطيني تقريبا،
13- تخضع التجارة الخارجية الفلسطينية لغلاف جمركي واحد مع إسرائيل مما يؤثر على أسعار المنتجات في السوق المحلي. فالسلع والبضائع المستوردة لفلسطين يفرض عليها نفس الرسوم والجمارك والضرائب التي تفرض على المستوردات الإسرائيلية. وخطورة هذا الأمر تتأتى من أن هناك فوارق كبيرة بمستويات المعيشة والدخول بين إسرائيل وفلسطين مما ينعكس على ضعف حركة الشراء والاستهلاك والرواج في السوق الفلسطيني وبالتالي على عملية التنمية الاقتصادية بمجملها.
14- تقوم إسرائيل بجباية وتحصيل الإيرادات الجمركية على البضائع والسلع مباشرة وتبقيها لديها قبل تحويلها فيما بعد إلى خزينة السلطة بعد خصم 3 في المئة مقابل رسوم تحصيل وإدارة. وفي العديد من الحالات تجمد هذه الأموال لديها وترفض تحويلها بحجج مختلفة لا أساس قانوني لها.
15- التجارة الخارجية الفلسطينية غير مقيدة بالمواصفات والمقاييس الإسرائيلية فحسب وإنما في الكميات أيضا. فلا يحق للفلسطينيين استيراد كميات من السكر والرز والزيوت وغيرها من السلع الغذائية فوق سقف معين يناقش كل ستة شهور من قبل اللجنة الفرعية.
16- اتفاقية باريس الاقتصادية تخلو تماما من أي بند يعطي الفلسطينيين حق إعادة التصدير للسلع والبضائع، والآليات التي يمكن إتباعها في سبيل ذلك.
17- تخضع المستوردات والصادرات الفلسطينية لإجراءات أمنية وجمركية غاية في التعقيد مما يؤخر العمليات التجارية مع العالم ويجعلها أكثر كلفة من حيث المبالغ المالية والفترة الزمنية التي تستغرقها حتى وصول السلع والبضائع إلى وجهتها النهائية، مما يدفع رجال الأعمال والتجار إلى الاستيراد والتصدير من وإلى إسرائيل فحسب، لتجنب التعقيدات غير العادية التي تخضع لها التجارة الخارجية الفلسطينية. لقد كرست إسرائيل أساليب وعادات وإجراءات وقواعد لعمليات الاستيراد والتصدير جعلت من الصعوبة بمكان أن يتجه الفلسطينيون إلى الدول الأخرى لاستيراد السلع منها أو التصدير إليها، وهذا ما عكس نفسه في قيم المستوردات والصادرات الفلسطينية من وإلى إسرائيل بالمقارنة بالدول الأخرى. فليس غريبا بعد كل ما تقدم أن يكون متوسط الواردات الفلسطينية من إسرائيل 68 في المئة بينما تبلغ نسبة الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل نحو 90 في المئة للفترة الممتدة من 1996 وحتى نهاية 2014.
18- كل مساوئ وسلبيات الاقتصاد الإسرائيلي، وخاصة التضخم، تنتقل مباشرة إلى الاقتصاد الفلسطيني بدون وجود أو توفر إمكانية للحد منها أو لتخفيف آثارها ومضارها.
الأزمة اقتصادية واجتماعية ولكن حلها سياسي بامتياز
عقد في فلسطين والخارج عشرات المؤتمرات الاقتصادية والمالية والتي خصصت كلها، كما قيل، لتطوير البنية التحتية وخلق فرص للاستثمار وزيادة نسبة التشغيل، وحضرها العديد من الشخصيات الاقتصادية والسياسية المرموقة ورجال الأعمال والمؤسسات الدولية. وقد خرجت هذه المؤتمرات بقرارات وتوصيات ومقترحات في غاية الأهمية ولكنها لم ترَ النور ولم تسلك أو تأخذ طريقها نحو التطبيق والتنفيذ الميداني على الأرض، لأسباب عديدة لعل أهمها وأولها تلك المتعلقة بالاحتلال. فكل شيء يجب أن يمر من خلاله وأن يحظى على موافقته، بما في ذلك الحصول على التأشيرات أو الإقامة والدخول والخروج واستيراد المواد الخام. والعديد من المستثمرين عربا كانوا أو أجانب حينما يدركون هذه الحقائق ويطلعون عليها يغادرون فلسطين ويعزفون عن الاستثمار. فالاستثمار كما هو معروف يحتاج إلى استقرار وأمن وسلام ووجود تسهيلات تجارية وجمركية وحرية تدفق رؤوس الأموال. لقد شنت سلطات الاحتلال حروب عدوانية عديدة على الضفة والقطاع بعد توقيع اتفاقية أوسلو وباريس، ودمرت مرافق البنية التحتية بما فيها محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة التي كانت شركة إينرون الأميركية تساهم بنسبة 33 في المئة من رأسمالها ورغم ذلك قصفتها قوات الاحتلال (كانت الشركة قد حصلت على تعهد من سلطات الاحتلال بالحفاظ على مولدات المحطة وعدم قصفها) .فعلى امتداد الفترة الممتدة من عام 1996 وحتى تاريخه، لم تشهد فلسطين استقرارا وأمنا وسلاما يدفع المستثمرين للمخاطرة بالمجيء إلى فلسطين. فجيش الاحتلال يقوم باقتحام المصارف والشركات والمؤسسات الاقتصادية وتخريبها وإتلاف معداتها ومصادرة حواسيبها واعتقال موظفينها وإغلاق بعضها بالشمع الأحمر ورفض تجديد اقامات المستثمرين أو عدم الموافقة على منح العديد منهم تأشيرات.. ما يجبرهم على عدم التفكير بالحضور. وإذا أضفنا إلى ما تقدم حصار قطاع غزة بالكامل وحرمانه من متطلبات الحياة الكريمة بل والعادية جدا، نصل إلى نتيجة مؤداها أن الاحتلال الإسرائيلي ليس المعيق للتنمية فحسب بل والمدمر لمرافق البنية الاقتصادية الفلسطينية وكل مقومات الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، على الرغم من أن الجانب الفلسطيني سنَ وشرع قوانين لتشجيع الاستثمار يمكن اعتبارها الأفضل في منطقة الشرق الأوسط .
لقد سقطت وجهة نظر مدرسة كانت تقول بأنه يمكن حصول تنمية رغم الاحتلال، وهي التي عبرت عن نفسها بسلسلة دراسات وبحوث تحت عنوان "تنمية رغم الصعاب"، حيث تم استبدال كلمة الاحتلال بالصعاب لإضفاء طابع مهني، وهذه المدرسة متسقة تماما مع فكر ومحتوى ومضمون اتفاقية باريس الاقتصادية وأوسلو، بل وانتجت من المنظرين لهما والمبشرين أو المتفائلين بنتائجهما. لقد اقتنع قطاع كبير من الاقتصاديين الفلسطينيين، حتى الذين سبق لهم وعملوا في المؤسسات الدولية، أن لا مجال لحل أو معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المستعصية التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني بدون الحل السياسي القاضي بإنهاء وزوال الاحتلال كليا عن الأرض الفلسطينية. لجمت اتفاقية أوسلو وشقيقتها باريس الاقتصادية، القدرة التفاوضية للفلسطينيين وبات من الصعوبة بمكان فتح أي منهما أو وقف العمل بهما أو بإحداهما. أضرت الاتفاقيتان بمستقبل فلسطين واقتصادها بأكثر مما فعلته كل الحروب العدوانية الإسرائيلية، وذلك برهنها فلسطين واقتصادها بالقرار الإسرائيلي. فالاتفاقيتان شرعتا بشكل رسمي وقانوني التدخل الإسرائيلي بالسياسة الاقتصادية الفلسطينية. إن الإبر التي يتم حقنها في الجسم الاقتصادي والمسكنات والمساعدات القليلة التي يتم تحويلها بشكل متقطع بين الفترة والأخرى لن تحل مشاكله ولن تحدث تنمية وازدهار حقيقيين، حتى بافتراض أن كل السياسات الاقتصادية التي اتبعت كانت سليمة وصحيحة وتتوافق مع المهنية. فهذه الجرعات قد تعالج سلبية في هذا القطاع أو ذاك أو تخفف من حدة المشكلة، ولكنها لا تعالج جذور مشاكل الاقتصاد الفلسطيني المستعصية بدون زوال الاحتلال. لقد آن الأوان لوقف سياسات الترقيع وحقن التسكين عبر المساعدات المالية البسيطة التي ينحصر تأثيرها بتأجيل الانهيار الاقتصادي فحسب. كما أصبحت كلا الاتفاقيتين غير صالحتين ليس بسبب الثغرات والنواقص الكبيرة التي احتوتهما فحسب، ولكن بسبب خرق الاحتلال الإسرائيلي لهما ووقف العمل بهما من جانب واحد.