"قماش الكوفية الفلسطينية والأردنية يملأ محلّاً كاملاً في المول الإسرائيلي.. فساتين مثيرة، تنانير مزركشة، قطع تبدأ أسعارها من 150$.. عدت أدراجي ووقفت أمام واجهة المحل، ووقف زوجي كذلك مشدوهاً. كان المنظر أكثر من قدرتنا على التحمل". كتبت هذا على صفحتها على فايسبوك تانيا حبجوقة، المصورة الأردنية المقيمة في القدس المحتلة، مرفقة كلامها بصورة لـ «بوتيك» المصممة الإسرائيلية المعروفة عالمياً «دودو بار أور»، واصفة المنظر بـ«المصادرة الثقافية بأقصى تجليّاتها».
بار أور هذه لم تكلّف نفسها حتى عناء ذِكر مصدر المادة التي استخدمتها (قماش الكوفية) ولا الإشارة إلى الشعوب التي ترتديها عادة، فتباع عالمياً قطع الملابس من مجموعتها الجديدة كـ «تصاميم إسرائيلية». وقد عمدت في الصور الترويجية إلى عرض مجموعتها «الـsexy» عبر عارضة إسرائيلية شقراء أوروبية الملامح، ومنها فساتين قصيرة ومفتوحة من الجوانب أو عند الصدر، كأنها بكل هذا تبحث عن الطريقة الأنجع لاستفزاز أصحاب الزي الأصليين وسلبهم ما يُعتبر رمزاً لنضالهم المستمر ضد الاحتلال الإسرائيلي، لا موضةً عابرة ولا وشاح زينة.
بالتأكيد، ليست هذه جديدة على الإسرائيليين. بل بدأت منذ سنوات مما حفز ردود الفعل الغاضبة من الفلسطينيين، ومنهم مغنية الراب شادية منصور التي غنت تقول «حطّتنا بدّن ياها، ثقافتنا بدّن ياها، كرامتنا بدّن ياها، كل شي إلنا بدّن ياه. غصباً عن أبوهم، هَي حطّتنا عربية!». كذلك تُستنسخ منذ سنوات على يد مصممين إسرائيليين، عناصر التطريز اليدوي المستخدمة تراثياً في الزي الفلسطيني، لصنع أحذية مزخرفة، كما فعل المصممان الإسرائيليان «كيم وزوزي» في مجموعتهما لبوتيك «أنتروبولوجي» العالمي، ودائماً دون أدنى إشارة إلى الثقافة التي سلبت منها العناصر الزخرفية، في محاولة مقصودة لتفادي اسم «فلسطين». هذا ليس «تأثّراً بريئاً» بالثقافة الفلسطينية وجوانبها، إنما هو تكتيك سياسي واعٍ تماماً لهدفه: تفريغ فلسطين من مكونات هويتها الثقافية والتاريخية وسلب كل ما يمكن سلبه، وصبغه بصفة هوياتية إسرائيلية مستحدثة، تنسب بكامل الوقاحة عناصر ثقافية وحضارية فلسطينية إلى نفسها. وهي إحدى أهم جوانب الكولونيالية إجمالا وتلك الإحلالية خصوصاً.
إذاً، التطريز إسرائيلي، وقرص الفلافل والحمص.. والآن حتى الكوفية الرمز، إسرائيلية!
الإسرائيليون يحوّلون كل فرصة إلى بروباغندا ضخمة ترويجية لـ «ثقافتهم» المفبركة. هذا يعني أن تقوم مجموعات الطلاب المؤيدين لإسرائيل في الجامعات الأميركية بالإعلان عن لائحة طعام إسرائيلية في مقاصف الجامعات، تضم الكبة والفلافل والحمص والحلّوم والكنافة. ويعني أن تستضيف جامعة برانديس في ماسشوستس «ليلة الشيشة» الإسرائيلية. وهذا يعني أن تُكتشف كل مدة آثار عمرها أكثر من ألفي عام في الأراضي المحتلة وتسمّى بقدرة قادر آثاراً «إسرائيلية».
نعرف أن عشرات آلاف الكتب، اللوحات، الأسطوانات الموسيقية، قطع الأثاث، والتحف الفنية سرقت من منازل الفلسطينيين عند احتلالها. نعرف أن سرقة الأرض سرقة مادية مباشرة رافقها طمس للأسماء العربية للقرى واستبدالها بالأسماء العبرية. الممحاة الإسرائيلية كانت وما زالت تسعى جاهدة لإزالة الفلسطيني بالعنف، ومع العنف بالبروباغندا، لضمان استمرارها. وبمعنى آخر: للتخلص من الفلسطيني، عليك التخلص من ثقافته أو تمييعها أو تجييرها لصالحك.. هذه ليست معركة هامشية صغرى منفصلة عن النضال المسلّح.
حقّاً، ماذا يعني أن تلبس ثياب الشعب الذي قتلته وشرّدته وتستمر في قتله وتشريده؟ ثمّ جعل هذا اللباس غرَضاً للعرض، للواجهات، لممشى عروض الأزياء؟
ماذا ترى امرأة إسرائيلية تلبس الكوفية فستاناً ضيّقاً قصيراً حين تنظر إلى نفسها في المرآة؟ ألا ترى كذبة كبيرة بغاية السخافة؟
فكرة
"غصباً عن أبوهم، الكوفية عربية"

مقالات من فلسطين
فلسطين ممنوعة!
تزعم الشرطة الألمانية أن هتاف "فلسطين حرّة من النهر إلى البحر" بين المتظاهرين، يحتوي معانٍ معادية للسامية، على الرغم من أنّ التظاهرة أصلاً من تنظيم مجموعات يهودية مناصرة لفلسطين ومعادية...
هذا ليس تطرفاً!
تعيين زاوية النظر، وتعيين الموقع الذي تنطلق منه وجهة النظر تلك أو الموقف، أمران بالغا الأهمية حين يكون الموضوع أساسياً.
فلسطين تستعيد بديهيتها
صار الكلام عن فلسطين الواحدة، من البحر الى النهر، يتكرر كبديهية، ليس على ألسنة مراهقين سياسيين أو كموقفٍ متحدٍ، بل كاستعادة لقناعة سُحقت، وصارت "غير لائقة سياسياً" بعدما مرّت فوق...
للكاتب نفسه
خضر عدنان شهيداً: قتلوا المناضل المثال!
روح الشيخ خضر عدنان المقاتلة التي لا تلوِّثها اعتبارات السياسة والفصائل والانتماءات والمصالح هي بالذات ما أرّق الاحتلال. كان شيخاً تقياً منفتحاً وعاملاً خبّازاً يعمل في مخبزه في بلدته عرّابة،...
إذا هَوَى: بيروت المأتم والعرس والحب
تتوالى مشاهد الانسلاخ والالتئام بين الحبيبين، وبينهما والمدينة التي عَرّفها لنا روجيه عسّاف منذ البداية، اسمها "بيروت" بلا التباس. عندما يسقط الرّجلُ وعصاه أرضاً، يكون موته في بيروت إذاً، حيث...
جورج جاكسون في شمس فلسطين
يُقام في غزّة معرضٌ فني ثقافي-فنّي يتناول سيرة نضال جورج جاكسون، القائد الميداني ل"الفهود السود" في الستينات، وارتباط نضال هؤلاء بمقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال ارتباطاً شعورياً وشِعرياً وحقيقياً على عدة...