"حيث لا يجرؤ الآخرون" تذهب مجلة شارلي إيبدو الفرنسية، بفخر وبخطى واثقة، إلى استعمال أيّ موضوع، وبأي طريقة تشاء، لتقول فكرتها الملتبسة (إذا بالغنا في إحسان الظنّ)، والعنصريّة البغيضة (إذا ما قُرئتْ مباشرة كما هي). المجلّة، عبر مديرها التحريري الرسام المعروف باسم "ريس"، لم تجد حرجاً أو غرابةً في الربط بين الطفل السوري إيلان الكردي الذي هرب في البحر مع عائلته فغرق ووُجد جثة عند الشواطئ التركية، وبين حوادث الاعتداءات الجنسية المنحطة التي قام بها شبان كان جلّهم من طالبي لجوء في مدينة كولونيا الألمانية ليلة رأس السنة.
"- ماذا كان إيلان الصغير ليصبح إذا ما كبر؟
- متلمّس مؤخّرات في ألمانيا"!
إيلان الكبير في الرسم، لديه وجه حيواني ومنخرا خنزير، لسانه متدلِّ إلى الخارج، عيناه جاحظتان، ويداه ممدوتان تنتظران التقاط الألمانيات اللواتي يهربن مذعورات من الوحش.
ماذا يقول الرسم إذاً؟ إن كلّ لاجئ من تلك البلاد، كبيراً كان أم صغيراً، هو متحرّش مفترض؟ فيستغل من أجل أن يقول ذلك جثّة طفل توفّي في ظروف مأساوية، ويحوّله إلى مسخ معتدٍ. من غير المنصف أن ننعت الرسم بالعنصري، إذ أننا فقط "لا نفهم حس الدعابة الفرنسية" ومعاييرها!
يبدو أن المجلّة المتّهمة بالإسلاموفوبيا والزينوفوبيا والانزلاق من اليسار إلى اليمين عبر السنوات.. تعتمد إثارة الصدمة والجدل سياسةً تحريرية لها. تتلطّى خلف حجّة "خصوصية أسلوب إيبدو التهكّمي" لتبرر الرسم (وقبله العديد من الرسوم العنصرية عن اللاجئين كذاك الذي يصور المسيح يمشي على الماء فيما لاجئ يغرق: لأنه مسلم). يجب أن نرى الرسم ساخراً من العنصريين الأوروبيين، لا عنصرياً بذاته، وإلّا فنحن "الغرباء" جميعاً "حساسون أكثر من اللازم" ولا نفهم الفكرة "عالطاير". (كأنهم يقولون: لسنا عنصريين لكن أنتم غير الفرنسيين لستم بنباهتنا؟!)
في كل الأحوال، ليست المشكلة فقط بالنوايا خلف الرسم، بقدر ما هي مشكلة باستخدام الطفل الضحية لغاية. الرسم كارثة أخلاقية في كل الأحوال، من منطلق إنساني بحت. وصفه العديد من مستخدمي شبكات التواصل بـ "عديم الإحساس". هذا العمل "الفني العبقري" مؤذٍ لأهل الطفل إيلان ولمئات العائلات التي خسرت أو كادت تخسر أحد أفرادها في رحلة الموت المرعبة عبر المتوسط، كما أنه مهين وعنصري تجاه اللاجئين والبلاد التي قدموا منها. من يشرح لكل هؤلاء المتضررين معنوياً وربما مادياً وجسدياً (إذ أن الرسوم تلعب دوراً تحريضياً وتثير الكراهية ضد اللاجئين)؟ هل يُجلس "ريس" أهل إيلان ويقنعهم بحس دعابته المتطوّر كي لا يسيئوا فهمه مثلاً؟
لن يمنع أحد شارلي إيبدو، الخارجة من صدمة مجزرة وحشية برساميها العام الماضي، من رسم وقول ما تريد، ثمّ الخروج صارخة "حرية التعبير! حرية التعبير!" لأن النقاش ليس نقاشاً عن سقف أعلى للحرية، بل عن حدّ أدنى من المسؤولية الأخلاقية. في نهاية اليوم، عندما يملّ الجميع من الجدل على وسائل التواصل حول عنصرية الرسم من عدمها، ستبقى حقيقة أن طفلاً في الثالثة، بقميص أحمر ويدين باردتين ووجنتين مغروزتين في رمال مالحة، صار في يوم عادي موضوعاً لرسم "مضحك" في صحيفة ساخرة تباع وتشترى عن رفوف المكتبات الفرنسية.
فكرة
أخلاق حرية التعبير
مقالات من سوريا
الحرية، المعارضة والمقاومة … بين سهام بن سدرين وبوعلام صنصال
التهريج حول ملف صنصال الذي عمل على شيطنة الحراك الشعبي الجزائري و المقاومة الفلسطينية، و السكوت عن ظلم يمس سهام بن سدرين المناضلة و المقاومة، يختصر السقوط المهني للإعلام الفرنسي...
بعد الحرائق الأخيرة: الزيتون السوري ليس محصولاً استراتيجياً!
وقع النصيب الأكبر من الحرائق الأخيرة في محافظتي"اللاذقية" و"حمص". ووفق معلومات محلية مصدرها مديريات الزراعة في هاتين المحافظتين، فإنّ هناك ثمانين موقعاً اشتعلت فيها النيران بشكل مفاجئ، ودفعة واحدة، مما...
سوريا: "التعافي المبكر" حاجة ملحة للسوريين أم استجابة لرغبات المانحين؟
مع تتابع الانهيارات الشاملة في البلاد على كل الصعد، تصاعَد الفوران السوري في رغبة الخروج من البلاد، وهو ما قاد ــ بالمجمل ــ إلى تفكير الداعمين والمانحين في تغييرٍ استراتيجياتهم،...
للكاتب نفسه
البحث عن فلسطين في "مونستر": عن تطوّر حركات التضامن مع فلسطين وقمعها في مدينةٍ ألمانية
يهدف هذا النص، والـ"بودكاست" المصاحِب له، إلى دراسة مدينة "مونستر" في ولاية "شمال الراين – وستفاليا" كحالة ألمانية خاصة، حيث تطورت سريعاً العديد من مجموعات التضامن مع فلسطين، وفعّل الناشطون...
البحث عن فلسطين في "مونستر": عن تطوّر حركات التضامن مع فلسطين وقمعها في مدينةٍ ألمانية
يتفق الناشطون على فكرة ضرورة إجراء تقييم مستمر لهذه الحركات، خاصة في ظل محدودية قدرتها عالمياً على تحقيق الضغط الكافي لإيقاف الإبادة، هدفها الأول من بين عدة أهداف أخرى طويلة...
كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..
شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...