الهروب من العنف إلى العنف

"نْخلّي الأمور لله، بس.. لو رجعنا السودان، ما بيخلّونا. بيقتلونا". تختم المرأة السودانية اللاجئة في الأردن روايتها عن قصة فرارها وأطفالها من باحة المطار، حين حاولت السلطات الأردنية ترحيلهم قسراً يوم 16 كانون الأوّل/ ديسمبر الحالي. تذرّعت بإدخال أطفالها الحمام من أجل الابتعاد عن عناصر الأمن والفرار عبر فتحة في الأسلاك الشائكة، ثمّ المشي ساعتين في أرض خالية حتى الوصول إلى الشارع،
2015-12-31

صباح جلّول

كاتبة صحافية وباحثة في الانتربولوجيا البصرية من لبنان


شارك
من الاعتصام (تصوير حسام دعنة -الأردن)

"نْخلّي الأمور لله، بس.. لو رجعنا السودان، ما بيخلّونا. بيقتلونا". تختم المرأة السودانية اللاجئة في الأردن روايتها عن قصة فرارها وأطفالها من باحة المطار، حين حاولت السلطات الأردنية ترحيلهم قسراً يوم 16 كانون الأوّل/ ديسمبر الحالي. تذرّعت بإدخال أطفالها الحمام من أجل الابتعاد عن عناصر الأمن والفرار عبر فتحة في الأسلاك الشائكة، ثمّ المشي ساعتين في أرض خالية حتى الوصول إلى الشارع، والعودة من هناك إلى عمّان. شهادتها واحدة من شهادات عائلات سودانية وجدت نفسها فجأة في باحة مطار الملكة علياء، بعد أن أحضِروا بالحيلة والخديعة وتحت الإجبار إلى المطار لترحيلهم إلى السودان.

أحصت مفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة أكثر من 3500 سوداني في الأردن، من لاجئين وطالبي لجوء. مأساة اللجوء واحدة في كل مكان على الكوكب. قصص الفرار من العنف تضاهيها قصص الفرار إلى عنفٍ آخر! من عنف الحرب إلى عنف السلطات، وعنف الظروف الحياتية الصعبة، وعنف العنصرية، وحتى عنف الطبيعة والبحر.. مئات اللاجئين السودانيين كانوا قد بدأوا اعتصاماً مفتوحاً أمام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منتصف تشرين الثاني / نوفمبر الماضي للمطالبة بالحماية وإعادة توطينهم في دول أخرى، ليتمّ تفريقهم بالضرب بعد شهر من الاعتصام، في صباح 16 كانون الأول/ ديسمبر. أجبروا على ركوب حافلات ونُقلوا إلى منطقة الشحن الجوي بالمطار بعدما اعتقدوا أنه سيتم نقلهم إلى مسكن آخر. هكذا قررت السلطات أن لا داعي لاحترام حق اللاجئين في تقرير وجهتهم أو المطالبة بالأمان. وليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها الأمن الأردني للاجئين بالضرب.

هذه المرة كبّلت أيدي اللاجئين بشريط بلاستيكي أبيض، مثل ذلك الذي يُستخدم في إحكام ربط الطرود البريدية. السلطات الأردنية جرّدت اللاجئ السوداني من صفاته الإنسانية، فتمّ تشييئه والتعامل معه كـ "غَرض" غير مرغوب فيه. تمّ "توضيب" اللاجئين في باصات، وتجميعهم في باحة المطار أو في مستودعات من أجل "شحنهم" بعيداً، دون أدنى التفات لإنسانية واحدهم ووعيه وحقّه بمعرفة ما يجري على الأقل!

اتهم المتحدث باسم اللاجئين مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة بالتخلّي عن قضيّتهم وممارسة تمييز ضدهم من قبل بعض الموظفين، فيما نفت المفوضية التهم وأكدت المساواة في تقديم الدعم بين جميع الجنسيات. الأمم المتحدة حذرت الأردن من أن ترحيل اللاجئين يخرق مبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي، الذي يحظّر على الحكومات إعادة الأشخاص إلى أماكن قد يتعرضون فيها للاضطهاد أو التعذيب أو العقوبات أو المعاملة غير الإنسانية أو المهينة. وهذا ما كرره تقرير هيومن رايتس ووتش. تجاهلت السلطات الأردنية المناشدات الإنسانية ورحلت نحو 800 لاجئ، مبررة ذلك بأن هناك تنسيقاً مع السلطات السودانية، وأنّ هؤلاء "لا ينطبق عليهم تعريف اللجوء، لأنهم جاؤوا طلبا للعلاج في البلاد".
من يلقي نظرة على الفيديو المصوّر لحال اللاجئين النيام في العراء أو في خيم نايلون بدائية يفهم حجم الإهمال: طعام يوزّع في دلاء بلاستيكية، أقدام عارية، أطفال وكبار يراكمون الملل. على الخيم كتبوا عبارات مثل "أين حقوق الطفل؟"، "حياتنا في خطر"، "لا للتمييز "...
هؤلاء اللاجئون قدم جلّهم من دارفور، والقصص الآتية من دارفور تتحدث عن إحراق قرى بأكملها ونهبها، وعن اغتصاب النساء وعن قتل وتدمير منهجي وعن أطفال ضحايا في كل هذا. يمكن إذاً فهم الرعب في عيني طِيبة التي فرّت بأطفالها من المطار. فعند تخيّل فكرة العودة إلى السودان، تركَت الأمور "على الله".

للكاتب نفسه

البحث عن فلسطين في "مونستر": عن تطوّر حركات التضامن مع فلسطين وقمعها في مدينةٍ ألمانية

صباح جلّول 2024-12-11

يتفق الناشطون على فكرة ضرورة إجراء تقييم مستمر لهذه الحركات، خاصة في ظل محدودية قدرتها عالمياً على تحقيق الضغط الكافي لإيقاف الإبادة، هدفها الأول من بين عدة أهداف أخرى طويلة...

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...