يبدو أن وصف توفيق عكاشة بـ"مفجر الثورة" به جانب من الصواب، فالرجل الذي وقف في وجه رئيس مجلس النواب وصارحه بخطأ ترؤسه للبرلمان، قبل أن يقبّل رأسه أمام جميع النواب في مشهد معتاد لشخص مثير للسخرية، لا يعنيه من أمره سوى لفت الأنظار له ولقناته، مهما كلفه ذلك من ترسيخ صورة له عند عموم المواطنين كمهرج أو سفيه، لا يُعتد بكلامه مهما كان فحواه. وهو نجح من جديد في جذب الأنظار له كنجم شباك، عند الذين وجدوا في استضافته للسفير الإسرائيلي في بيته ضالتهم، فخرجت علينا المواقع الإخبارية تنقل الحدث وتبعاته وكواليسه وردود الأفعال عليه.. وعلى الرغم من أن الجميع يعرف من هو عكاشة وعلاقته بإسرائيل التي ذهب ويذهب إليها، إلا أن الأمر أصبح قضية الساعة، وبدلا من متابعة تلك المواقع للائحة البرلمان المتعثرة، والتركيز على أسباب انحصار نشاط وأداء البرلمان في غرائب وطرائف نواب على شاكلة مرتضى منصور وتوفيق عكاشة ومن على شاكلتهم ، نقلت تلك المواقع خطباً لنواب لا نعرف لهم لوناً ولا طعماً ولا رائحة، فلا هم معارضون ولا مؤيدون، أعضاء بـ"ائتلاف دعم مصر" أم مستقيلين منه كمصطفى بكري الذي وصف عكاشة ب"الخاين والعميل وصديق نتنياهو" بل وطالب أهالي الدائرة التي جاءت بعكاشة إلى البرلمان أن يخرجوا ضده ولا يسمحوا له بتمثيلهم، قبل أن يتطور الأمر ويرد عليه عكاشة باقتحام القناة التي يعمل بها وهو ما ترتب عليه تحرير بكري محضر ضد عكاشة ، في الوقت الذي حافظ المحامي سمير صبري على عادته في التقدم ببلاغ ضد عكاشة مبرراً بأن استقباله للسفير الإسرائيلي يُعدّ جريمة تخابر مكتملة الأركان، في حين خرج "شباب البرلمان"، محمود بدر الذي لم يتحدث تحت القبة سوى مرة وحيدة، وطارق الخولي النائب الـ"كيوت"، بوصف "عزومة" عكاشة بالعيب، معلنين أنهم قدموا بياناً عاجل وقع عليه عشرات النواب إلى مكتب المجلس للتحقيق معه بل وفصله من البرلمان
ولكن بعيداً عن لغة العواطف ومواقف غالبية المصريين الذين كانوا وما زالوا على يقين بأن الكيان الصهيوني هو العدو الأول للمصريين وللعرب بشكل عام، نقف على أبرز المؤشرات في قضية استقبال النائب توفيق عكاشة للسفير الإسرائيلي في بيته: أولا يجب أن نعرف أنه من الناحية السياسية في الوقت الذي كان عكاشة يستقبل السفير الإسرائيلي في منزله كان السفير المصري حازم خيرت يقدم أوراق اعتماده كسفير في إسرائيل، ليكون أول سفير مصري يباشر عمله هناك منذ ثلاث سنوات.
ومن الناحية القانونية ، الدستور والقانون وحتى لائحة البرلمان لم يجرم أيّ منها تطبيع العلاقات بين المصريين والإسرائيليين، رغم التوافق الشعبي على هذا الأمر منذ إبرام اتفاقية كامب ديفيد بين الجانبين، وهو التوافق الذي لم يمنع استقبال مصر لما يقرب من 149 ألف سائح إسرائيلي كل عام، وفقاً لإحصائيات وزارة السياحة. فغالبية المصريين يرون أنه لا تصالح مع إسرائيل، ولكن هناك البعض يعتبرون إسرائيل شأنها شأن أي دولة أخرى، وهو ما لم يجرمه لا دستور ولا قانون، وهم من نتعامل معهم عادة بتحقيرهم. ومن ثم فتوفيق عكاشة في النهاية هو واحد من المطبّعين مع إسرائيل.
فالرجل الذي يعاني من التهميش والفتور الإعلامي تجاهه داخل البرلمان، نجح بدعوته للسفير الإسرائيلي ( الذي لم يمانع بالطبع بأي لقاء بينه وبين مسئول أو نائب في البرلمان) في نيل ما تمناه سواء بالعودة إلى تصدر قائمة الأعلى قراءة ومشاهدة في كافة المواقع الإخبارية، كعادته ورغبته دائما في الظهور، إلى جانب نجاحه في تحدي إرادة غالبية النواب الذين سبق وصوتوا لصالح تشكيل لجنة للتحقيق معه عندما أساء إلى رئيس البرلمان، والذين عادوا ليطالبوا بالتحقيق معه مرة أخرى بسبب لقائه بالسفير الإسرائيلي، وهو يعتد بأنه قابله بصفته الشخصية وليس بصفته ممثلا للمجلس. أما الإنجاز الثالث الذي حققه عكاشة للبرلمان ورئيسه وأعضائه فتمثل في صرف اهتمامات الناس عنهم ، وهو الذي لم يعرف عنه حتى الآن سوى استقالة المستشار سري صيام وخناقات مرتضى منصور وطرائف توفيق عكاشة وطرد علي عبد العال للنواب.. بدلاً من الحديث عن أسباب تعثر البرلمان في وضع قواعد لعمله وأسباب تعمد تعطيل تسلّمه لاختصاصاته.. نتفرغ لمتابعة مدى براعة توفيق عكاشة ومن على شاكلته في إبهارنا دائماً.
مواضيع
التهريج في البرلمان المصري
مقالات من مصر
"تفهنا الأشراف": نموذج للقرية التي "لم تنتظر"
لم تقتصر رؤية أصحاب المشروع على تقديم مجرد "مساعدات" للأسر الفقيرة، أو دعم مالي للفتيات اليتيمات، أو إنشاء مستشفى لمعالجة المرضى... بل اتسعت لتحويل القرية بالكامل إلى قرية منتِجة، قادرة...
العاصمة المصرية في مفترق طرق..
على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...
القاهرة: الخوف من الثورات يدفع خطط "التطوير" في "وسط البلد"
تهدف التغيرات الكبيرة التي تحدث في تلك البقعة من القاهرة، وبشكل تدريجي ومن دون تراجع، إلى محو ذلك الحنين إلى الميدان، ومنع إمكانية تكرار المظاهر الاحتجاجية في منطقة "وسط البلد"،...
للكاتب نفسه
القضاء على ما تبقى من الدستور في مصر
قام الرئيس السيسي بالتصديق على قانون الهيئات القضائية الذي سيسمح له بالتحكم بمنصات محاكم القضاء العليا. فهل يواجه القضاة تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وغيرها من مؤسسات الدولة؟
السيسي ونهرو لا يلتقيان!
عندما ترأس نهرو حكومة الهند، في العام 1947، كان قراره الأول تخصيص ثلث ميزانية الدولة للبحث العلمي، وقتها عارض الهنود قراره، واتهموه بالجنون، واعتبروا أن بلداً فقيراً مثل الهند لا...
السيسي يسعى للنووي بقرض روسي ينهِك المستقبل
يحب الرئيس ومؤيدوه القول بأنه جاء ليكمل ما بدأه جمال عبد الناصر. وبعيداً عن الاختلافات الجوهرية بين الشخصيتين، يعتقد مؤيدوه أن الرابط المشترك بين الاثنين، هو شغف السيسي بالقول أنه...