أوقفت الأجهزة الأمنية في عدة محافظات أكثر من 40 شخصًا أمس الخميس، 24 آذار، للحيلولة دون وصولهم إلى مكان فعالية مركزيّة في الساحة الهاشمية في وسط البلد بعمّان بين الساعة الثالثة والرابعة عصرًا، كانت قد دعت لها «لجنة المتابعة الوطنية» التي تضمّ شخصيات سياسية واجتماعية ومسؤولين سابقين في الدولة، من أبرزهم الوزير والعين الأسبق أمجد هزّاع المجالي.
حملت الدعوة إلى الوقفة عناوين رئيسية ضدّ ما وصفته بـ«الظلم والسرقات والفساد والفقر والأسعار والقهر» تحت شعارات «بكفي فساد» و«رجعوا مصارينا».
واصلت الأجهزة الأمنيّة في هذه التوقيفات نهجًا في مواجهة فعاليات الاحتجاج في الأردن، اتبعته في احتجاجات المعلمين على إغلاق نقابتهم عام 2020، ويقوم على نشر دوريات وأفراد من الأمن العام -بعضهم بلباس مدني- على الطرق الرئيسية الواصلة إلى أماكن الفعاليات وتوقيف المشاركين المحتملين فيها للحيلولة دون وصولهم لأماكن الاحتجاج؛ أي منع الوصول إلى أماكن الفعاليات بدلًا من فضّ الاحتجاج.
الأردن في مرحلة الانتقال بين نظامين دوليين
25-03-2018
ضمّت قائمة الموقوفين نوابًا سابقين هم وصفي الرواشدة وغازي الهواملة، وكان الأخير مرشحًا لرئاسة بلدية الطفيلة في الانتخابات التي أجريت مؤخرًا. بالإضافة مسؤولين سابقين في الدولة مثل محمد العتوم اللواء المتقاعد من جهاز المخابرات العامّة، وقياديين من أحزاب مثل أيمن صندوقة وخالد حسنين من المكتب التنفيذي في حزب الشراكة والإنقاذ، والنقابي ميسرة ملص، وصحفي هو أحمد حسن الزعبي. وقد توزع الموقوفون على عدة محافظات منها مأدبا، وعمّان، والبلقاء، والزرقاء، والطفيلة.
منذ ساعات الصباح المبكر أمس، لاحظ ناشطون سياسيون في أكثر من محافظة وجود سيارات مدنيّة تابعة لأجهزة أمنية أمام بيوتهم، منهم المحامي والناطق باسم الحراك الأردني الموحد جمال جيت. وفور خروج بعضهم من بيوتهم أوقف أفراد الأمن في هذه السيارات الناشطين المحتمل مشاركتهم في فعالية الساحة الهاشمية.
كان بين الموقوفين الأخوة الثلاثة سراج وإبراهيم وعبد الرحمن شديفات الناشطين سياسيًا. لم يكن لدى سراج أي نيّة للمشاركة في الفعالية، ولم يتذكّر وجود فعالية أصلًا إلّا بعد ساعات من توقيفه وهو متّجه إلى عمله من حيث يسكن بالقرب من الجامعة الأردنية.
أوقف سراج أفرادٌ من الأمن قرابة الساعة الثامنة والنصف صباحًا، وطلبوا التحقق من هويته بداعي وجود سرقة في المكان، ثم أخذوه إلى مركز توقيف أمن صويلح. هناك، انتبه سراج إلى أن الموضوع غير متعلق بسرقة، إذ لم يوجه له أسئلة حول هذا الموضوع، وخمّن أنه موقوف بسبب احتمالية مشاركته في الفعالية.
ليس بعيدًا عن مكان توقيف الأخوة شديفات، أوقف رجالُ الأمن الجيولوجيَّ والخبيرَ المائي سفيان التل (86 عامًا) من مكان ليس بعيدًا عن منزله، إذ اقتاده شخصان من يديه في الشارع، وفقًا لشهادة ابنته بان التل. أُبلغت عائلة التل بحادثة التوقيف فسعت إلى معرفة مكان توقيفه من أجل تزويده بأدويته الدورية التي يأخذها بسبب أمراض القلب وضغط الدم التي يعاني منها، لكنها لم تفلح بمعرفة مكان التوقيف، مثل كثير من عائلات الموقوفين.
مع ساعات المساء بدأ الإفراج عن الموقوفين بالتدريج. خرج الأخوة شديفات الثلاثة دون تهم أو كفالات أو شرح سبب التوقيف لهم. ولم يبق في التوقيف غير عضو حزب الشراكة والإنقاذ أنس الجمل، الذي اتصل بوالدته وأخبرها أنه موقوف في مركز أمن أبو نصير، حيث أخبره رجال الأمن هناك أنه موقوف على خلفية قضية جرائم إلكترونية. تتساءل أم أنس عن توقيت توقيف ابنها على خلفيّة هذه القضية، مؤكدةً أن أنس لم يبَلّغ -على حد علمها- بوجود طلب عليه أو استدعاء على خلفية هذه القضية.
لم تُعرف الجهة التي أمرت بالتوقيفات، إذ أفاد محافظ العاصمة ياسر العدوان لـ«حبر» أنه لم يأمر بتوقيف أحد، فيما لم يجب الناطق باسم الأمن العام عامر السرطاوي على الهاتف أو الرسائل التي وصلته على واتس آب مستفسرةً عن أسباب التوقيفات وفيما إذا كانت مديرية الأمن العام هي التي أمرت بها.
قبل بيانها الدّاعي للفعالية، كانت لجنة المتابعة قد أصدرت بيانًا في أواخر شباط الماضي قالت فيه إن شخصيات سياسية اجتمعت بمنزل أمجد هزاع المجالي لمناقشة ما قالوا إنه حالة «التردي والضياع والفساد وتفكيك الدولة وبيع مقدرات الوطن ونهب أموال الشعب الأردني»، معتبِرين الشخصيات المُجتمعة لجنةَ إنقاذ وطني ونواة لتجمع وطني مفتوح. وطالبت اللجنة الملك عبدالله الثاني بالإفصاح عن ثروته، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ودعت لاعتصام مفتوح يوم 24 آذار على دوار الداخلية، لكنها عدّلت لاحقًا مكان الاعتصام إلى الساحة الهاشمية.
وكانت مؤسسات صحفية دولية نشرت في شباط الماضي بياناتٍ من أحد البنوك السويسريّة «كريدي سويس»، ومن ضمنها بيانات تخص حسابات للملك عبد الله الثاني، احتوت بحسبها ما يعادل 245 مليون دولار تقريبًا. رد الديوان الملكي في بيان وصف هذه المعلومات بأنها «غير دقيقة وقديمة ومضللة، ويتم توظيفها بشكل مغلوط بقصد التشهير بجلالة الملك والأردن وتشويه الحقيقة». وأورد البيان تفاصيل حول الأموال التي أشارت لها وسائل الإعلام الأجنبيّة «التزامًا بمبدأ الشفافيّة والمكاشفة».
حظيت هذه البيانات بتفاعل ونقاش واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا بعد مداخلاتٍ للنقابيّ والسياسي ليث شبيلات دعا فيها إلى «استعادة أموال الدولة ومحاربة الفساد». وقد اعتقل عقب هذه النقاشات عدد من الناشطين السياسيين، وعلى إثرها دعت لجنة المتابعة لفعالية الساحة الهاشمية في ذكرى 24 آذار 2011.
حتّى ظهيرة أمس، كان المركز الوطني لحقوق الإنسان قد استقبل قرابة 40 شكوى حول توقيف مواطنين. واعتبر مفوّض المركز علاء الدين العرموطي هذه التوقيفات مخالفة لحرية الرأي والتعبير والحق في التجمع وضمانات التوقيف، مع تأكيده على أنه لم ترد للمركز أية شهادات حول تعرض الموقوفين لسوء معاملة من الأجهزة الأمنية. مساءً، دعا المركز في بيان له إلى الإفراج عن الموقوفين واحترام حق الأفراد في التعبير عن آرائهم وحقهم في التجمع السلمي وهو الأمر الذي كفله الدستور الأردني والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات الوطنية، وأكّد البيان على أن لا يكون احتجاز أو توقيف الأشخاص هو القاعدة العامة، إعمالًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه الأردن، وتجسيدًا للمبدأ الدستوري الأصيل الذي كفله الدستور الأردني والمتمثل في قرينة البراءة.
يؤكد الوزير الأسبق وأحد قيادات لجنة المتابعة الوطنيّة أمجد المجالي في حديث لـ«حبر» أن التوقيفات كانت متوقعة، قائلًا: «لا نسمح باستمرار اعتقالهم، [هذا] غير إنساني ومخالف للدستور وحرية الرأي».
وقد أدانت أحزاب جبهة العمل الإسلامي، والشراكة والإنقاذ، والوحدة الشعبية، والحياة، وأردن أقوى، والمستقبل، في بيان مشترك حملة الاعتقالات معتبرًا أنها تعكس مدى التراجع في الحريات العامة والردة عن الانفراج الديمقراطي، الأمر الذي من شأنه تعميق الأزمة العامة التي تعيشها البلاد ويرفع من منسوب الاحتقان المجتمعي وما يجلبه كل ذلك من تداعيات خطيرة على المجتمع.
كان من بين الموقوفين ستة أعضاء من حزب الشراكة والإنقاذ، منهم قياديان في المكتب التنفيذي هما خالد حسنين وأيمن صندوقة، بحسب أمين عام الحزب سالم الفلاحات، «تعتقل 50 شخص وعلى كل بيت تحط سيارتين؟ لا يمكن للحالة هذه أن تستمر»، يقول الفلاحات، معتبرًا ما جرى إساءة للأردنيين.