برزت منذ العام 2011، وتزامناً مع الانتفاضات العربية، فئة شبابية سعودية ناشطة بشكل لافت في الشأن العام، الوطني والعربي. والمقصود هنا فئة لها توجّهات واضحة وبدرجات مختلفة في رفض الوضع القائم بالسعودية. لا تختلف انتماءات الشباب الفكرية عن مثيلاتها في الوطن العربي، فأغلبهم ينتمون لتيارات الإسلام السياسي السائدة غير المرضي عنها سعودياً، وما يُعَدّ جديداً هو الحضور القوي للشباب ذوي التوجّه العروبي، بالإضافة إلى بعض الأصوات الليبرالية، والكثير من الشباب غير المؤدلج. ولكن ركود الحراك في الشارع السعودي يعود إلى عوامل متعدّدة بعضها خارجة عن قدرة الشباب وأخرى تتعلق بهم مباشرة.
المحتوى
يركّز الناشطون من الشباب، من مختلف التيارات، على قضايا ذات طابع فكري وثقافي ليس لها علاقة بالمسائل المعيشية التي تثقل كاهل المواطن. فنجد قضايا مثل الهوية العربية، أو العلمانية والدين، أو الديموقراطية والشورى.. وأمثالها، تستحوذ على غالب ما ينتجه الشباب في الحيز العام عبر مقالاتهم وندواتهم وسواها من وسائل التعبير المتاحة. هذا بالإضافة إلى الانغماس الشديد في التعليق على تطوّرات المنطقة ونقاشات هوياتية مطولة. وفي الجانب الآخر تشغل المواطنين مطالب ذات بعد اجتماعي واقتصادي مثل أزمة السكن والبطالة وعدم المساواة في توزيع الثروة وغيرها. بعض شعارات الانتفاضات العربية مثل "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية"، تلخص ما يطمح له المواطن العادي في الشارع السعودي. وإذا أخذنا الأوسمة الدارجة بين السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي كمؤشر على القضايا التي تشغلهم، نجد الوسم #الراتب_ما_يكفي_الحاجة، الذي يعبِّر فيه الناس عن سوء أحوالهم المعيشية، وهو يأتي في مقدّمة جميع الهاشتاغات بلا منازع من ناحية حجم المشاركة الشعبية. ولا زال هذا الوسم يعمل حتى اللحظة. وبالمقارنة مع سلم أولويات الشارع، يبدو ما يطرحه الشباب كخطابات ذات طابع سياسي وثقافي ليس لها علاقة بأي مطالب اقتصادية واجتماعية، مما يجعلها غير قادرة على الوصول للفئات الأكثر تضرراً في المجتمع والتي يؤمل منها التحرّك لإحداث تغيير.
المنهج
يتناول الشباب قضايا الساعة بمنهج تقليدي يعتمد على النقل والتكرار من خلال اجترار الأفكار والأسباب والحلول عند كل أزمة. يعيد الشباب في السعودية طرح الخطابات السياسية العربية نفسها التي سادت في القرن الماضي، وإسقاطها على واقع متغيّر باستمرار وذي سياق تاريخي مختلف. لذلك تكون ردود الفعل الشبابية حول ما يجري داخل السعودية وخارجها مكرّرة، بالإضافة إلى تناقضها وعدم منطقيتها في بعض الأحيان مع ما يجري. على سبيل المثال، يقدّم العروبيون ضعف الهوية العربية كسبب لمشاكل عدة من طبيعة مختلفة إحداها عن الأخرى، ومن ثم يدْعون إلى العمل على تعزيز الهوية كحل لتلك المشاكل. ويُعزي الإسلاميون تلك المشكلات نفسها إلى هجر الناس دينهم وعدم تطبيق شريعتهم الإسلامية. لا يختلف منهج الشباب في التعاطي مع قضايا الشأن العام عن الطرق المتبعة في مؤسسات التعليم ووسائل الإعلام، وكل ما هو جديد هو أنهم وجدوا قنوات أخرى للتعبير بعيداً عن تلك الرسمية. ينتقد المفكر البرازيلي باولو فريري هذا الأسلوب الذي يسمّيه "النموذج البنكي" الذي يعتمد على إيداع المعلومة من قبل المرسِل في عقل المتلقي كما تودع النقود في المصرف. يعتبر فريري هذا النموذج أداة من أدوات القمع للمجتمعات، عبر تصوير المشكلة وكأنها معادلة رياضية يقدم لها الحل بالمظلة ممن لا يعاني منها أصلاً. وهو يعود فيقترح نموذجاً تعليمياً تثقيفياً يعتبره وسيله لتحرر المجتمعات التي تنشد الحرية والعدالة وليس لها تأثير على السلطات السياسية والاقتصادية، كما هو الحال في السعودية. يُسمّي فريري نموذجه "إظهار المشكلة"، حيث يقوم المضطهدون أنفسهم بتحديد مشاكلهم وطرق علاجها عبر حوار مستمرّ فيما بينهم، على اعتبار أن مَن يعاني من نير الاستبداد والظلم هو وحده من يستطيع أن يجد سبل الخلاص منه.
التنظيم
على الأرض، لم تحدث تحركات تُذكر خلال السنوات الخمس الماضية، ما عدا مظاهرات في القطيف شرق السعودية، واعتصامات متفرقة في مدينتي الرياض والقصيم، وجميعها اكتست بشعارات وهويات طائفية منعتها من الاتساع لتأخذ بعداً وطنياً. وعلى صعيد آخر، جرت محاولة جريئة، كان من الممكن أن تكون نواة لحركة منظمة للشباب الخليجي عموماً تمثلت في "ملتقى النهضة" الذي عُقد تباعاً لسنتين متتاليتين في البحرين وقطر. دعا الملتقى شباباً خليجيين غالبيتهم من العاطلين عن العمل وأبناء المعتقلين، في نسختي الملتقى الأولى والثانية، قبل أن تمنع النسخة الثالثة التي كان من المقرر عقدها في الكويت العام 2012، ثم ألغي الملتقى نهائياً. وأنشئت جمعيتا "الاتحاد" و "حسم" الحقوقيتان، ثم لوحق أفرادهما قضائياً وزج بأغلبهم في السجون. ويجتمع غالبية الشباب اليوم بشكل دوري وشبه منتظم فيما بات يعرف بـ "الاستراحات"، وهي مبانٍ في ضواحي المدن يستخدمها بعض الشباب كصالونات سياسية. تكاد تكون الاستراحات هي الأماكن الوحيدة التي من الممكن أن تنتج تجمعات قد تكون نواة لعمل منظم، ولكنها تبقى مقتصرة على أفراد قلائل من التيار ذاته في كل تجمع. في ما عدا ذلك، فكل أنواع الالتقاء والتواصل بين فئات الشباب السعودي تتم في العالم الافتراضي على الإنترنت. وهناك علاقة عكسية واضحة بين الاستخدام المفرِط لوسائل التواصل الاجتماعي والنزول للشارع، حيث باتت منصات التواصل الاجتماعي في السعودية عقبة في طريق نشوء حراك حقيقي. فلم يعد الجهد المعني بنشر الوعي والتعبئة يهدف إلى تنظيم القوى الاجتماعية لمواجهة السلطة، بل هي جهود تبدأ وتنتهي على شاشات الكومبيوتر. واختفى السعي لمحاولات إيجاد أحزاب ونقابات وجمعيات، لتنظّم القوى لمصلحة إنشاء مواقع الكترونية ومدونات وأوسمة في العالم الافتراضي، حيث يتنافس الشباب على إدارتها.
يرى البعض أن من يتصدر المشهد من الشباب السعودي اليوم ينتمون لطبقات اجتماعيه ميسورة لديها مصالح وارتباطات بشكل أو بآخر مع الوضع القائم، فمن الطبيعي أن ينشغلوا بالإجابة على أسئلة من نوع "مَن نحن؟" و "العروبة أو الإسلام؟". ولكن مثل تلك الأسئلة والإجابة عنها تعمل عمل مواضيع الشعوذة والسحر في إشغال الناس حينما ينشغل بها مجتمع تهدّده أخطار مثل شح المياه واقتصاد قوامه ريع النفط وسواهما، وتكون الأولوية فيه للإجابة عن سؤال من نوع "نكون أو لا نكون". يطلق بعض الناشطين والإعلاميين والشباب أنفسهم على ما يقوم به الشباب صفة "الحراك". وإن صحّت التسمية فهو حراك المترفين، ذاك الذي لا ينتج إلا أشخاصاً يبحثون عن أماكن لهم بين ما يُسمّى بـ "النخب".