صناعة الموت في المناطق الصناعيَّة الإسرائيلية في الضفة الغربية

بلغ عدد المستعمرات الإسرائيلية في الضفَّة الغربيَّة 199 مستعمرة بالإضافة 232 بؤرة استعماريَّة يقطنُها قرابة 600 ألف مستعمِر صهيوني. وهذا منذ 1967 وحتى 2009. وتنتشر المناطق الصناعيَّة الإسرائيلية في عشرين مستعمرة في الضفَّة الغربيَّة، وعلى امتداد ما يُسمى الخطّ الأخضر الفاصل ما بين إسرائيل والضفَّة الغربيَّة: المستعمرات الصناعية خمسة في محافظة سلفيت، وأربعة في محافظة قلقيلية، وثلاثة في كل من
2016-02-08

أنس حسونة

كاتب من فلسطين


شارك
نبيل عناني - فلسطين

بلغ عدد المستعمرات الإسرائيلية في الضفَّة الغربيَّة 199 مستعمرة بالإضافة 232 بؤرة استعماريَّة يقطنُها قرابة 600 ألف مستعمِر صهيوني. وهذا منذ 1967 وحتى 2009. وتنتشر المناطق الصناعيَّة الإسرائيلية في عشرين مستعمرة في الضفَّة الغربيَّة، وعلى امتداد ما يُسمى الخطّ الأخضر الفاصل ما بين إسرائيل والضفَّة الغربيَّة: المستعمرات الصناعية خمسة في محافظة سلفيت، وأربعة في محافظة قلقيلية، وثلاثة في كل من محافظتي الخليل والقدس، وهناك مستعمرتين في محافظة نابلس، ومستعمرة واحدة في كل من محافظات جنين وأريحا وبيت لحم. وشكَّلت هذه المناطق الصناعيَّة امتداداً اقتصادياً هاماً وركيزة أساسيَّة من ركائز المشروع الإستعماري الصهيوني في فلسطين المحتلَّة.
وفي تقديمه لكتاب معذبو الأرض لفرانز فانون، كتب جان بول سارتر "مسكينٌ هذا المستوطن، لقد عرّي تناقضه: إنَّ عليه أن يقتل أولئك الذين ينهبهم، كما يفعل الجني فيما يقال. ولكن ذلك غير ممكن: أليس عليه أيضاً أن يستغلّهم؟".. وتلك حال المستعمرات والمناطق الصناعيَّة الإسرائيلية في الضفَّة الغربيَّة، ومن قبل في قطاع غزَّة. فمن جهة، كانت العوامل البيئيَّة عنصراً أساسياً في نقل بعض هذه المناطق الصناعيَّة من الداخل المحتل إلى الضفَّة الغربيَّة، حيثُ تحتوي المستعمرات الصناعيَّة الإسرائيلية المنتشرة في كافة مناطق الضفَّة الغربيَّة على أكثر من 160 مصنعاً متخصصاً في صناعة الألمنيوم والجلود والبطاريات والبلاستيك والإسمنت والمعلبات الغذائيَّة والفيبرغلاس والمطاط والكاوتشوك والخمور والكرميكا والرخام والمنظفات الكيماويَّة والغاز والمبيدات الحشريَّة والمصانع العسكريَّة السرّية، إضافةً إلى المقالع والكسارات التي توفر أكثر من 80 في المئة من حاجات إسرائيل من الحجارة ومواد البناء الخام. وتؤثّر مخلفات هذه المصانع، الصلبة والسائلة والغازيَّة، على الصحَّة والبيئة الفلسطينيّتين بشكلٍ متفاوت، يصل إلى حدّ الإهلاك التام للكثير من الأراضي الزراعيَّة والتربة، وتلويث أحواض المياه الجوفيَّة، بالإضافة إلى التسبب بالعديد من الأمراض العضويَّة والنفسيَّة المُباشرة، ما بين الأورام السرطانيَّة وأزمات التنفُّس والحساسية ("الربو")، نتيجة للتلوَّث الهوائي ولتأثير المواد السامَّة العديدة كمادة الزرنيخ والكروم والغازات المنبعثة من المصانع التي لا تبعد سوى 300 متر عن المناطق السكانيَّة.
إنّ إحصاء الآثار المباشرة وغير المباشرة لنتيجة وجود هذه المستعمرات قد يكون صعباً جداً بسبب الأساليب المختلفة المتبَّعة في هذه المناطق، حيثُ يقوم المستعمِرون بضخ أكثر من 40 مليون متر مكعب من المياه العادمة سنوياً إلى سهول ووديان الضفَّة الغربيَّة، ممّا تنتجه مستعمراتهم ومناطقهم الصناعيَّة من نفايات ومخلّفات سامَّة، تُضاعف حدَّة مستويات التلوّث الذي تتعرَّض له البنيّة البيئيَّة الفلسطينيَّة ككل، والأحواض الجوفيَّة التي تمثّل مصدر المياه الأساسي، ولا سيما أن معظم المستعمرات والمصانع قد أقيمت على منابع المياه. وتشير الدراسات إلى أنَّ إسرائيل نفسها تستهلك أكثر من 80 في المئة من مياه الحوض الغربي الذي يقع الجزء الأكبر منه في أراضي الضفَّة الغربيَّة، وقد بنيت العديد من المستعمرات فوق هذا الحوض لإحكام السيطرة عليه من قبل الكيان الصهيوني، حيثُ تستهلك تلك المستعمرات حوالي 142 مليون ليتر يومياً من مياه الضفَّة الغربيَّة.
مساحات واسعة من الأراضي الزراعيَّة تُصبح مع مرور الوقت غير صالحة للزراعة ومدمرة تماماً بفعل تحويلها إلى مكبَّات نفايات صلبة وسائلة على حدِّ سواء. كما يحول وجود هذه المستعمرات والمناطق الصناعيَّة دون فرص التوسُّع المستقبلي للقرى والمدن الفلسطينيَّة المحيطة.
وتقوم العديد من هذه المناطق الصناعيَّة على العمالة الفلسطينيَّة، إمَّا بشكل جزئي أو كنسبة أكبر، مثلما في مصانع جيشوري في مدينة طولكرم. ولأن شروط العمل وظروفه قاسية والإصابات بإمراض تؤدي للوفاة عديدة، تكون المصانع تلك تقوم باستغلال العمالة الفلسطينيَّة الرخيصة والمتوفرة في الضفَّة الغربيَّة وفي الوقت ذاته تنفذ عمليَّة قتل واسعة غير مباشرة للفلسطينيين.
المناطق الصناعيَّة الإسرائيليَّة في الضفَّة الغربيَّة هي امتداد للسياسة الاستعمارية في تعزيز المجتمع الداخلي للمستعمِر وحمايته بيئياً واجتماعياً من المخاطر التي تمثلها تلك الصناعات، وتعزيز قوَّته باستغلاله مجتمعاً آخر مستعمَراً.

 

مقالات من الضفة الغربية

فلسطين: منطق الدولة المتخيّلة

النظام القائم عملياً يتشكّل ويتفاعل على هامش الاستعمار دون أن يشتبك معه. تستمر الحياة داخل المعازل الفلسطينية ويستمر الاستعمار خارجه بالاستيطان والمُصادرة والتنقّل. تلك سمات الدولة المتخيَّلة.

للكاتب نفسه

الطريق إلى ما بعد أوسلو

أنس حسونة 2015-10-14

ليس من المنصف أن يتم الحديث عن المدن الفلسطينيَّة بصفتها تلك، بل عن تجمُّعات إقتصاديَّة وسياسيَّة وأمنيَّة فلسطينيَّة ذات ثقل عالٍ في داخل المدن الفلسطينيَّة. هذه التجمُّعات تشكِّل اليوم مظاهر...

المؤسسة العسكرية المصرية والبنك الدولي

أنس حسونة 2015-06-28

تدَّعي خطابات البنك الدولي وكذلك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، حرصهما على الدفع باتجاه تنمية القطاع الخاص وعلى دوره الأبرز في العملية، وذلك من خلال فرض السياسات التي تتلاءم والسوق الحرة...