مصر كأكبر مستورد للقمح: أزمة الاكتفاء الذاتي

"إلاّ رغيف العيش!" لم يكن مجرد وسم تصدّر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر عقب تلويح رئيس الدولة بضرورة رفع سعر رغيف الخبز، بل صرخةً شعبية في مواجهة المساس بعماد البطون لدى الشعب المصري الذي يعتمد على الخبز بشكل أساسي في غذائه. وهي كانت دائماً مسألةً شديدة الحساسية تجلب الانتفاض.
2022-02-27

إسلام ضيف

كاتب صحافي


شارك
موسم حصاد القمح، مصر.

يحمل الخبز اسم "العيش" في العامية المصرية، مما يعني أنه مرادف للحياة ويمثل الضمان من أجل البقاء. فلا حياة لمن لا يجد رغيف الخبز. ويهدد عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الأمن الغذائي باعتباره أحد محاصيل الحبوب الرئيسية والهامة، تحديداً في النمط الغذائي المصري.

أدى تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا، إلى ارتفاع أسعار القمح في السوق العالمي لتبلغ أعلى مستوًى لها منذ 9 سنوات، حيث أن دولتي الصراع من أكبر مصدّري القمح في العالم (يشكلان ما يصل إلى ثلث صادرات القمح عالمياً)، وهو ما يفسر مخاوف الدول التي تعتمد على واردات القمح الروسي والأوكراني مثل مصر.

تستهلك مصر، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم وأكبر مستهلك للقمح الأوكراني، نحو 20 مليون طن قمح سنوياً، وتستورد نحو 12 مليون طن، وقد تصدرت قائمةَ الدول العربية التي استوردت القمح الأوكراني في عامي 2020/2021. أما عن القمح الروسي فقد اعتمدت نصف وارداتها على إمدادات القمح القادمة من روسيا.

رسم بياني يوضح مصادر واردات القمح الى مصر لعام 2020

وتزامناً مع اندلاع عمليات عسكرية روسية على أوكرانيا، أكدت الهيئة العامة المصرية للسلع التموينية على إلغاء مناقصة دولية لاستيراد القمح للمرة الخامسة. وكانت قد ألغت مناقصةً في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعد أن قفز متوسط الأسعار بنحو 100 دولار للطن الواحد الذي تشتريه الهيئة، وعلقت حينها بأن العروض جاءت أعلى من المتوقع.

"إلاّ رغيف العيش!"

لم يكن هذا الشعار مجرد وسم تصدّر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر عقب تلويح رئيس الدولة بضرورة رفع سعر رغيف الخبز، بل صرخةً شعبية في مواجهة المساس بعماد البطون لدى الشعب المصري الذي يعتمد على الخبز بشكل أساسي في غذائه. وهي كانت دائماً مسألةً شديدة الحساسية تجلب الانتفاض، والتحرك الشعبي في السبعينيات الفائتة، "انتفاضة الخبز"، خير دليل على ذلك، كما تصدّر "العيش" شعارات ميدان التحرير أثناء "ثورة يناير".

تستهلك مصر، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم وأكبر مستهلك للقمح الأوكراني، نحو 20 مليون طن قمح سنوياً، وتستورد نحو 12 مليون طن. وقد تصدرت قائمةَ الدول العربية التي استوردت القمح الأوكراني في عامي 2020 و2021. كما اعتمدت نصف وارداتها على القمح الروسي.

بحسب وزارة التموين المصرية، فإن حجم الاستهلاك الشهري من القمح لإنتاج الخبز البلدي المدعم هو 800 ألف طن شهرياً، فيما يبلغ عدد المستفيدين من منظومة دعم الخبز نحو 72 مليون مواطن. وقد أشار وزير التموين إلى أن الوزارة تقوم بدراسة زيادة سعر رغيف الخبز المدعم بدعوى إعادة صياغة الدعم.

في آب/ أغسطس 2020، قامت الحكومة بخفض وزن رغيف الخبز المدعم، ليصل إلى 90 غراماً بعد أن كان 110 غرامات، بفارق 20 جراماً لرغيف الخبز الواحد، مع تثبيت سعره. وعلقت الوزارة بأن القرار جاء تلبيةً لطلب المخابز بعد ارتفاع تكلفة الإنتاج من زيادات طرأت على أسعار السولار (المازوت) والغاز.

صحيح أن السلطات لم تمس سعر الرغيف بعد، لكنها تتلاعب بوزنه كيفما تشاء.. لم يكن قرار التلاعب الأخير بوزن رغيف الخبز هو الأول، فوفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، كان وزن الرغيف 130 جراماً في عام 2014، وقد تم خفضه إلى 110 جرامات في عام 2017.

إنتاجية القمح

يتزايد حجم الفجوة القمحية في مصر بين الإنتاج والاستهلاك. البلد الذي عرف الزراعة منذ القدم لم يعد اليوم "سلة غذاء العالم" كما كان من قبل. وما زال القمح المصري يمضي في رحلة بحثه عن استعادة عرشه المفقود، بعد أن كان كلمة السر، والمنقذ في السنوات العجاف التي مرت بها مصر.

تبدأ زراعة القمح في مصر في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، ويتم حصاده في شهر نيسان/ أبريل. وتتفاقم أزمة الاكتفاء الذاتي نتيجة عدة عوامل منها الزيادة السكانية التي تجاوزت 90 مليون نسمة مقارنةً بحجم مساحة الأرض المزروعة من المحصول، والتي قدّرتها وزارة الزراعة بنحو 3.5 مليون فدان خلال الموسم الحالي.

مؤشر إنتاج القمح المحلي للسنوات الماضية

دعم غائب

وبينما تقوم الدولة بسد حاجتها عن طريق شراء ما يعوضها بتكاليف باهظة، وتفضيل الاعتماد على الشراء من الأسواق العالمية، فإنها لا تلتفت إلى مشكلات المزارعين ولا تقدم لهم الدعم المطلوب، مما يدفعهم إلى الاتجاه نحو زراعة محاصيل أخرى تحقق لهم ربحاً أكبر.

بحسب وزارة التموين المصرية، فإن حجم الاستهلاك الشهري من القمح لإنتاج الخبز البلدي المدعَّم هو 800 ألف طن شهرياً، فيما يبلغ عدد المستفيدين من منظومة دعم الخبز نحو 72 مليون مواطن. وقد أشار وزير التموين إلى أن الوزارة تقوم بدراسة زيادة سعر رغيف الخبز المدعّم، وهي وافقت على خفض وزنه ليصل إلى 90 غراماً بعد أن كان 110 غرامات.

يعاني الفلاح من ارتفاع أسعار تقاوي القمح (البذور) وتكاليف المواد الزراعية، وهي من أبرز المشكلات التي يواجهها في ظل اقتصار دور الجمعية الزراعية على توفير كيسين ("شيكارة") فقط من المواد الكيماوية بسعر أقل من الشركات الزراعية الخاصة. كما أن عملية استلام القمح، وتوريد المحصول تتم من خلال صوامع مجهزة أنشأتها الدولة، ولكنها تبعد مسافات تتطلب الشحن في سيارات كبيرة عالية التكلفة لا يتحملها الفلاحون، ولا توفر لهم وزارة الزراعة وسائل نقل بديلة. ومع الأسعار المنخفضة التي قد تعلنها الحكومة، ينخفض حجم التوريد المحلي لوزارة التموين، في المقابل تعرض الشركات الخاصة أسعاراً للقمح أعلى من السعر الحكومي.

مشكلات في الزراعة

يحصل المزارعون على بذار محدودة النقاء من الجمعية الزراعية، وذلك يؤثر على درجة نقاء المحصول، بينما ترتفع أسعار البذار النقيّ لدى الشركات الزراعية الخاصة. ولا توفر وزارة الزراعة كميةً كافية منه إلا لنحو مليون فدان فقط، وتُزرع باقي المساحات بـ"تقاوي" من محصول الموسم السابق، أقل في الإنتاجية، وتُهدر كميات كبيرة من القمح. وقد يصل فاقد المحصول إلى 30 في المئة أثناء عمليات الحصاد والنقل، بسبب الاستهلاك كعلف للحيوانات، وزراعة أصناف رديئة من القمح، ومن أسباب زيادة نسبة الفاقد أيضاً مشاكل تتعلق بالتخزين والتعرض للحشرات.

ومن الأسباب الأخرى المؤدية إلى نقص كمية المحصول، عدم الالتزام بمواعيد الزراعة إما عن طريق التبكير أو التأخير، وكانت وزارة الزراعة قد أصدرت نشرة بالتوصيات الفنية لمزارعي محصول القمح تؤكد فيها على الالتزام، وعدم تجاوز ميعاد الزراعة حتى تتوالى مراحل النمو بشكل جيد.

 ظلت الحكومة لسنوات تمتنع عن إعلان أسعار توريد القمح المحلي من المزارعين قبل بداية الموسم الزراعي، وتقوم بتحديد التسعيرة بعد قيام المزارعين بحصاد المحصول، في مخالفة للمادة 29 من الدستور المصري التي تنص على ضرورة التزام الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي والحيواني، وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح. وكانت مشكلة عدم تسعير المحصول من أبرز ما دفع عدداً كبيراً من الفلاحين إلى العزوف عن زراعة القمح، والاتجاه لزراعة محاصيل أخرى. ولأول مرة منذ سنوات تعلن الحكومة عن أنها سترفع سعر التوريد خلال موسم الحصاد القادم، وحددت سعراً يتراوح بين 800 و820 جنيهاً للإردب الواحد (150 كيلوغرام) من القمح. الخطوة تأتي بعد ارتفاع الأسعار العالمية، ووصولها إلى أعلى مستوياتها.

السلاح الأخضر

لقد استطاعت الدول المنتجة والمصدرة للقمح استخدامه كسلاح استراتيجي، تُحقق من خلاله الأرباح الطائلة عبر شركاتها العالمية، مما يجعل الدول التي تعتمد على الاستيراد عرضةً للضغوطات بشكل دائم.

تقوم السلطات بسد الحاجة من القمح عن طريق الشراء بتكاليف باهظة، وتفضّل الاعتماد على الأسواق العالمية، ولا تلتفت إلى مشكلات المزارعين ولا تقدم لهم الدعم المطلوب، مما يدفعهم إلى الاتجاه نحو زراعة محاصيل أخرى تحقق لهم ربحاً أكبر.

"القمح مثل نفط جديد.. ستدور حوله حروب". تحت هذا العنوان تحدث الكاتب الروسي "سيرغي كوزميتسكي" في مقاله المنشور في صحيفة "فوينيه أوبزرينيه" الروسية عن حروب تجارية متوقعة في أسواق القمح، قائلاً إن امتلاك احتياطات الحبوب بالنسبة لأي بلد أصبح أكثر أهميةً من امتلاك احتياطيات الوقود، وأشار إلى واقعة تعليق روسيا، وبعض الدول الأخرى صادرات حبوب الغذاء في عام 2020، لافتاً إلى أن تطور سوق الغذاء يشبه تطور سوق النفط.

تأتي تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عام 2018، لتؤكد على أن الصادرات الزراعية هي سلاح روسيا الجديد باعتبارها أكثر ربحيةً للبلاد مقارنةً بصادرات الأسلحة والمعدات العسكرية، حيث تبلغ 28.8 مليار دولار سنوياً، مقابل 15.6 مليار دولار لصادرات الأسلحة!

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه