الديون كأداة إمبريالية: مثال مصر

تناولت روزا لوكسمبورغ القروض الأجنبية كآلية امبريالية لاستغلال الشعوب، وأداة لإخضاع البلدان الطرَفية. وكشفت كيف أن نجاعة تراكم رأس المال الأوروبي تدين بالكثير للنهب الاستعماري (في كل مكان). كما كشفت تبعية الحكام المحليين لقوى الهيمنة الرأسمالية "العالمية"، وفي الوقت نفسه جهلهم المطبق، وغياب اكتراثهم بمجتمعاتهم. وهذا المثال المعروض هنا ما زال شديد الراهنية في القرن الحادي والعشرين.
2022-02-20

شارك
فلاحون مصريون عملوا في بناء قناة السويس بنظام السخرة

إيريك توسان*

(...)

في حالة مصر التي لم يدرسها ماركس بتعمق، تضع روزا لوكسمبورغ اصبعها على ظاهرة أخرى. لتسديد الدين الخارجي المتعلق بذمتها لدى البنوك اللندنية والباريسية، أخضعت الحكومة المصرية المثقلة بالديون الفلاحين المصريين إلى استغلال فاحش، إما عبر اجبارهم على العمل بنظام السخرة في بناء قناة السويس، او عن طريق استخلاص رسوم وضرائب أدت إلى تدهور سريع لظروفهم المعيشية. وهكذا تُبيّن روزا لوكسمبورغ كيف يخدم الاستغلال الفاحش للفلاحين تراكم رأس المال اعتماداً على أساليب ليست بالرأسمالية المحض (أي انها لا تقوم على علاقات العمل المأجور).

تصف روزا لوكسمبورغ المسار الذي لخصناه أعلاه، وتشرح ان اليد العاملة المصرية "كانت ما تزال متشكلة من الفلاحين الذين تجبرهم الدولة على العمل بالسخرة، وتمنح نفسها حق التصرف بشأنهم كما يحلو لها. أجبر الآلاف من الفلاحين على العمل في بناء سد قليوب وقناة السويس، ثم جرى استغلالهم في بناء الحواجز المائية وقنوات الري واشغال الزراعة في أراضي الوالي. وعندما أراد الخديوي (حاكم مصر) استرجاع العشرون ألف من عمال السخرة الذين وضعهم في تصرف "شركة السويس" تسبب ذلك في نشوب أول نزاع مع رأس المال الفرنسي. أصدر نابليون الثالث قراراً تحكيمياً يقضي بمنح شركة السويس تعويضا قيمته 67 مليون ماركاً فوافق الخديوي دون أي اعتراض، خاصة وانه يستطيع انتزاع هذا المبلغ من الفلاحين ذاتهم الذين اثير حولهم النزاع. وهكذا انطلقت أشغال حفر ومد قنوات الري. استقدم الخديوي عددا كبيرا من الآلات البخارية ومضخات الطرد المركزي والقاطرات من إنجلترا وفرنسا. كانت هذه الآلات ترسل بالمئات من إنجلترا إلى ميناء الإسكندرية، ثم تنقل بالقوارب عبر القنوات ونهر النيل، وبعدها تحمل على ظهور الجمال إلى دواخل البلاد. تطلبت تهيئة التربة استعمال محاريث بخارية، خاصة وان وباء ظهر سنة 1864 تسبب في نفوق أعداد ضخمة من المواشي. هذه المحاريث كانت في أغلب الأحيان تستقدم من إنجلترا".

تعدد روزا لوكسمبورغ طلبيات التجهيزات ومشاريع بأكملها قام بها حاكم مصر مع الرأسماليين البريطانيين والفرنسيين، ثم تسأل: "من الذي يوفر رأس المال لتنفيذ هذه المشاريع؟" لتجيب: "القروض الخارجية". الغاية من كل هذه التجهيزات والمشاريع هي تصدير المواد الخام - الفلاحية أساسا - (قطن، قصب سكري، النيلة الزرقاء "انديغو") واستكمال بناء قناة السويس، لتعزيز التجارة العالمية التي تسيطر عليها بريطانيا العظمى.

تُبيّن روزا لوكسمبورغ كيف يخدم الاستغلال الفاحش للفلاحين تراكم رأس المال اعتماداً على أساليب ليست بالرأسمالية المحضة (أي انها لا تقوم على علاقات العمل المأجور). وتُعدد طلبيات التجهيزات ومشاريع بأكملها قام بها حاكم مصر مع الرأسماليين البريطانيين والفرنسيين، ثم تسأل: "من الذي يوفر رأس المال لتنفيذ هذه المشاريع؟" لتجيب: "القروض الخارجية".

ثم تورد لوكسمبورغ وصفا مفصلا لسلسلة القروض الخارجية التي جرّت تدريجيا مصر وشعبها نحو هاوية لا قاع لها، وتبين كيف ان الشروط المفروضة من قبل المصرفيين تجعل سداد القيمة الأصلية للقرض أمرا مستحيلا اذ يجب على المدين الاقتراض باستمرار لسداد الفوائد. فلندع قلم روزا لوكسمبورغ يستعرض سلسلة مذهلة من القروض التي مُنحت وفق شروط مجحفة تصب في مصلحة المقرضين:

"في 1863، تحصل سعيد باشا (1) - قبل سنة من وفاته - على أول قرض بقيمة اسمية تبلغ 68 مليون مارك لكن بعد خصم العمولات ومختلف الاستقطاعات، انخفضت قيمته النقدية الصافية إلى 50 مليون مارك فقط. أورث سعيد باشا ابنه إسماعيل (2)  هذا الدين بالإضافة إلى اتفاقية انشاء قناة السويس التي تُلزم مصر بدفع مساهمة قدرها 340 مليون مارك. وفي عام 1864 تحصل إسماعيل على أول قرض له بقيمة إسمية قدرها 114 مليون مارك بنسبة فائدة تبلغ 7 في المئة، لكن قيمته النقدية الحقيقية كانت 97 مليون مارك بنسبة فائدة تبلغ 8،25 في المئة. أنفق هذا القرض في ظرف سنة واحدة، وصرفت منه 67 مليون مارك لدفع تعويضات لشركة السويس (...). في 1865 وافق البنك الإنجليزي-المصري على "قرض الدائرة السنية" الأول كما كان يسمى. رهن الخديوي أملاكه الخاصة كضمان لهذا القرض الذي كانت قيمته الإسمية 68 مليون مارك بنسبة فائدة 9 في المئة، في حين ان قيمته النقدية الحقيقية 50 مليون مارك بنسبة فائدة 12 في المئة. بعدها بسنة واحدة منح مصرف فروهلينغ وغوشن الخديوي قرضا جديدا قيمته الإسمية 60 مليون مارك وقيمته الحقيقية 52 مليون مارك، وفي 1867 منحه البنك العثماني قرضا قيمته الإسمية 40 مليون مارك وقيمته الحقيقية 34 مليون مارك. وهكذا بلغت قيمة الديون السائرة آنذاك 600 مليون مارك. ولتوحيد جزء من هذه الديون، استحصل الخديوي قرضا من مصرف اوبنهايم ونيفن قيمته 238 مليون مارك بنسبة فائدة 4 في المئة، لكن في الواقع لم يستلم إسماعيل إلا 162 مليون بنسبة فائدة 13،5 في المئة. استخدم هذا المبلغ لتنظيم احتفالية ضخمة بمناسبة افتتاح قناة السويس، حضرتها كل شخصيات عالم المال والبلاطات و"المتأنقين" الأوروبيين. أنفت مبالغ طائلة بشكل جنوني على هذا الاحتفال، كما صرفت عمولة جديدة للسلطان التركي قدرها عشرون مليون مارك. في 1870 حصلت مصر على قرض من مؤسسة بيشوفسهايم وغولدشميت قيمته الإسمية 242 مليون مارك بنسبة فائدة 7 في المئة، لكن قيمته النقدية 100 مليون بنسبة فائدة 13 في المئة. في 1872 ثم في 1873 وافق بنك أوبنهايم على منح قرضين، قرض أول صغير قيمته 80 مليون بنسبة فائدة 14 في المئة، وقرض ثان ضخم قيمته الإسمية 640 مليون بنسبة فائدة 8 في المئة، مكّن من تصفية نصف الديون السائرة. لكن ونظرا لاستعماله في شراء الكمبيالات التي كانت بين أيدي المصرفيين الأوروبيين، فإن قيمته الفعلية لم تتجاوز 220 مليونا. في 1874 سعت مصر مرة أخرى للحصول على قرض قيمته 1000 مليون مارك بنسبة فائدة سنوية قدرها 9 في المئة، لكنها لم تحصل إلا على 68 مليوناً. كانت السندات المصرية تُتداول بقيمة أقل 54 في المئة من قيمتها الإسمية. في غضون 13 سنة، أي منذ وفاة سعيد باشا، ارتفع الدين العام لمصر من 000 293 3 جنيه إسترليني إلى 000 110 94 جنيه إسترليني، أي ما يعادل ملياري مارك. وهكذا أصبح الإفلاس التام وشيكا".

تؤكد روزا لوكسمبورغ بشكل محق ان هذه السلسلة من القروض التي تبدو غير منطقية تماماً درّت أرباحاً كبيرة على المصارف: "للوهلة الأولى، تبدو هذه العمليات المالية ذروة العبث. قرض يجر آخر، وفوائد القروض القديمة تغطيها قروض جديدة، وطلبيات صناعية هائلة يُعهد بها للرأسمالية الإنجليزية والفرنسية ويدفع ثمنها بالمال المقترض من الرأسمالية الإنجليزية والفرنسية. لكن في الحقيقة، وعلى الرغم من ان الجميع في أوروبا كانوا يستهجنون إدارة إسماعيل الخرقاء، ويتأففون منها، فإن الرأسمالية الأوروبية حققت في مصر أرباحا غير مسبوقة - نسخة جديدة من الأمثولة التوراتية عن البقرات السمان، فريدة من نوعها في التاريخ العالمي للرأسمالية. خاصة وأن كل قرض كان يمثل فرصة لإنجاز عمليات ربوية تدر على المصرفيين أرباحا تقدر بخُمس وحتى ثلث - أو أكثر- المبلغ المفترض اقراضه".

تورد لوكسمبورغ وصفاً مفصلاً لسلسلة القروض الخارجية التي جرَّت تدريجيا مصر وشعبها نحو هاوية لا قاع لها، وتبين كيف ان الشروط المفروضة من قبل المصرفيين تجعل سداد القيمة الأصلية للقرض أمرا مستحيلاً، اذ يجب على المدين الاقتراض باستمرار لسداد الفوائد.

ثم تبرز لوكسمبورغ ان الشعب المصري، جماهير الفلاحين الفقراء بصفة أخص، هو من يسدد الديون: "في نهاية المطاف كان يجب سداد هذه الفوائد الربوية بشكل أو بآخر. لكن من أين سيؤتى بالمال اللازم؟ كانت مصر هي المطَالبة بتوفيره، اما المصدر فهو الفلاح المصري. في آخر الأمر كان الاقتصاد الفلاّحي مصدر كل عناصر المشاريع الرأسمالية الضخمة، فهو الذي يوفر الأرض، بما ان ما يسمى بأملاك الخديوي التي اكتسبها على حساب القرويين بالنهب والابتزاز، أخذت أبعادا ضخمة منذ فترة وجيزة وأصبحت الأساس لمخططات مد القنوات وزراعة القطن والقصب السكري.

____________
من دفاتر السفير العربي
اليسار في المنطقة العربية وسؤال مكامن العطب
____________

كما وفر الإقتصاد الفلاحي القوى العاملة بالمجان والتي كان عليها أن تتكفل أيضا بتكاليف بقائها على قيد الحياة. سخرة الفلاحين هي التي جعلت المعجزات التقنية التي اجترحها المهندسون الأوروبيون في قطاعات مد القنوات والنقل والزراعة والصناعة المصرية ممكنة. شاركت جيوش ضخمة من الفلاحين في بناء سد قليوب وقناة السويس وسكك الحديد والحواجز المائية بالإضافة إلى العمل في حقول القطن ومصانع تكرير السكر، حيث كانوا يستغلون بلا حدود وينقلون من مهمة إلى آخرى. حتى وان خلق الاعتماد على السخرة عقبات تقنية في طريق تحقيق أهداف الرأسمالية الحديثة، فإن الهيمنة المطلقة المسلطة على الايادي العاملة مثلت تعويضا كافيا. فحجم القوى العاملة ومدة استغلالها وظروف معيشتها وعملها كلها أمور تخضع لإرادة رأس المال.

لم يقتصر دور الاقتصاد الفلاحي على توفير الأرض والقوى العاملة بل وفر المال أيضا وذلك عبر النظام الضريبي. تحت تأثير الاقتصاد الرأسمالي، اصبحت الضرائب المنتزعة من صغار الفلاحين أكثر فأكثر وطأة. الضريبة الموظفة على ملكية الأراضي كان ترتفع باستمرار حتى بلغت في أواخر سنوات 1860 55 ماركا للهكتار الواحد، في حين ان كبار الملاكين لا يدفعون إلا 18 ماركا عن كل هكتار، مع اعفاء العائلة الملكية من أي ضريبة على الرغم من المساحة الهائلة للأراضي التي تمتلكها. تضاف إلى كل هذه الضرائب رسوم خاصة مثل تلك المخصصة لتمويل أشغال مد قنوات الري التي كان استخدامها شبه مقصور على الأراضي الخديوية، وبلغت قيمتها 2،5 مارك على كل هكتار. كما كان الفلاح مجبرا على دفع 1،35 مارك على كل نخلة تمر يمتلكها و75 فنيغ على الكوخ ("العشة") الذي يقطنه، بالإضافة إلى 6،5 مارك ضريبة رؤوس مفروضة على كل ذكر تجاوز سنه العشر سنوات.

تقول روزا لوكسمبورغ: "للوهلة الأولى، تبدو هذه العمليات المالية ذروة العبث. قرض يجر آخر، وفوائد القروض القديمة تغطيها قروض جديدة، وطلبيات صناعية هائلة يُعهد بها للرأسمالية الإنجليزية والفرنسية ويُدفع ثمنها بالمال المقترض من الرأسمالية الإنجليزية والفرنسية. لكن في الحقيقة (...) فإن الرأسمالية الأوروبية حققت في مصر أرباحا غير مسبوقة، فريدة من نوعها في التاريخ العالمي للرأسمالية".

في 1882 احتل الجيش الإنجليزي مصر. وكان ذلك تتويجاً للعمليات الرأسمالية الضخمة التي أديرت في مصر على مدى 20 عاماً، والمرحلة الأخيرة في مسار تصفية راس المال الأوروبي للاقتصاد الفلاحي المصري.وهو ابتلع أراض فلاحية شاسعة، وحجم هائل من قوى العمل، وكتلة من المنتجات المنقولة إلى الدولة على شكل ضرائب، كلها تحولت إلى رأس مال أوروبي وتمت مراكمتها.

وكلما تراكمت الديون الواجب سدادها لرأس المال الأوروبي كلما تحتم اعتصار المال من الاقتصاد الفلاحي. في 1869 تمت زيادة قيمة كل الضرائب بنسبة 10 في المئة، واستخلصت مسبقا بعنوان سنة 1870 التي ستشهد زيادة في الضريبة على الملكية العقارية الفلاحية ب 10 ماركات للهكتار الواحد. بدأ الفلاحون يهجرون قرى صعيد مصر ويهدمون أكواخهم ويتركون أراضيهم بورا لتفادي دفع الضرائب. وفي 1876 تمت زيادة 50 فينغ لقيمة الضريبة على نخيل التمر. كان الرجال يخرجون من قراهم لقطع نخيلهم وأطلق الجنود النار في الهواء لردعهم عن ذلك. ويقال ان عشرة آلاف فلاح ماتوا جوعا في شمال أسيوط سنة 1879 بعد ان عجزوا عن ايجاد المال اللازم لدفع ضريبة ري حقولهم، وانهم ذبحوا مواشيهم لتفادي دفع الضريبة ".

تختتم روز لوكسمبورغ هذا القسم بالقول: "اسُتنزِف الفلاح تماما. بعد أن قامت الدولة المصرية بلعب دورها كمحصل أموال في خدمة رأس المال الأوروبي ولم يعد لديها ما تقدمه، ازيح الخديوي إسماعيل باشا من العرش وصار بإمكان راس المال الشروع الآن في تصفية العمليات". وأوضحت كيف استحوذ رأس المال البريطاني بأسعار متدنية للغاية على ما تبقى من أملاك الدولة، ثم كيف استطاع بعد نجاحه في ذلك، اقناع الحكومة البريطانية بإيجاد ذريعة لغزو مصر عسكريا وبسط هيمنتها التي استمرت حتى سنة 1952.

تشرح روزا لوكسمبورغ قائلة:

"لم يتبقَ إلا انتظار الذريعة المناسبة لإطلاق الضربة النهائية. هذه الذريعة سيوفرها تمرد الجيش المصري الذي جوعته الرقابة المالية الأوروبية، في حين كان الموظفون الأوروبيون يتلقون رواتب ضخمة، وكذلك انتفاضة -كانت خيوطها تحرك من الخارج - سكان الإسكندرية المستنزفين والمفقرين تماماً. في 1882 احتل الجيش الإنجليزي مصر دون ان تكون له نية الخروج منها. وكان اخضاع البلاد للهيمنة الإنجليزية تتويجا للعمليات الرأسمالية الضخمة التي أديرت في مصر منذ عشرون عاما، والمرحلة الأخيرة في مسار تصفية راس المال الأوروبي للاقتصاد الفلاحي المصري. وهنا نكتشف ان التبادلات - التي كانت تبدو للوهلة الأولى خالية من المنطق - بين رأس المال المقترض من المصارف الأوروبية من جهة والرأسمالية الصناعية الأوروبية من جهة أخرى بُنيت على علاقة عقلانية وسليمة للغاية من وجهة نظر التراكم الرأسمالي، على الرغم من ان الطلبيات المصرية دُفع ثمنها من رأس المال المقترَض وان فوائد كل قرض تُغطّى بقرض آخر. إذا ما تجاهلنا كل الدرجات الوسطى التي تحجب الحقيقة، يمكننا ان نستخلص طبيعة هذه العلاقة: ابتلع رأس المال الأوروبي قدراً هائلاً من الاقتصاد المصري. أراض فلاحية شاسعة وحجم هائل من قوى العمل وكتلة من المنتجات المنقولة إلى الدولة على شكل ضرائب، كلها تحولت إلى رأس مال أوروبي وتمت مراكمتها".

"وفر الفلاحون القوى العاملة بالمجان التي كانت تتكفل أيضاً بتكاليف بقائها على قيد الحياة. سخرة الفلاحين هي التي جعلت المعجزات التقنية للمهندسين الأوروبيين ممكنة. شاركت جيوش ضخمة منهم في بناء سد قليوب وقناة السويس وسكك الحديد والحواجز المائية، بالإضافة إلى العمل في حقول القطن ومصانع تكرير السكر، حيث كانوا يُستغَلون بلا حدود ويُنقَلون من مهمة إلى آخرى".

"بدأ الفلاحون يهجرون القرى ويهدمون أكواخهم ويتركون أراضيهم بوراً لتفادي دفع الضرائب (...). كانوا يخرجون من قراهم لقطع نخيلهم (الذي وضعت عليه ضرائب)، وأطلق الجنود النار في الهواء لردعهم عن ذلك. ولعل عشرة آلاف فلاح ماتوا جوعاً في شمال أسيوط سنة 1879 بعد ان عجزوا عن ايجاد المال اللازم لدفع ضريبة ري حقولهم، وذبحوا مواشيهم لتفادي دفع الضريبة". 

ويقول توسان: كما تحدثتُ سابقا حول مصر في كتابي "نظام الدين": "توجب انتظار الإطاحة بالملكية المصرية في 1952 من قبل ضباط شبان وتقدميين يقودهم جمال عبد الناصر، وتأميم قناة السويس في 26 تموز/ يوليو 1956 حتى تجرّب مصر - طيلة 15 سنة - من جديد مساراً تنموياً مستقل جزئياً".

وختاماً..

تحليل روزا لوكسمبورغ المتعلق بالقروض الأجنبية كآلية لاستغلال الشعوب وأداة لإخضاع البلدان الطرَفية خدمة لمصالح القوى الرأسمالية المهيمنة، شديد الراهنية في القرن الحادي والعشرين. جوهرياً، ما زالت الآليات التي عرّتها وفضحتها روزا لوكسمبورغ تنشط اليوم تحت أشكال يتوجب تحليلها بصرامة والنضال ضدها.

______________

*إيريك توسان هو المتحدث بإسم "اللجنة من اجل الغاء الديون غير الشرعية"

______________

- نشر في "مدونة ميديبارت" بتاريخ 07-02-2022

- هذا المقال جزء من نص طويل، اكتفينا بنقل وترجمة القسم الخاص بمصر.

- يقول الباحث: "اود ان أوضح ان دعوة للمشاركة في ندوة حول روزا لوكسمبورغ، نُظمت في موسكو في أيلول/سبتمبر 2019، هي التي منحتني الفرصة لأنكب من جديد على أعمالها وأحضر المادة الواردة في هذا المقال. نظمها أساتذة جامعيون شبان مستقلون تماماً عن الحكومة. وهذه الندوة حظيت بدعم مؤسسة روزا لوكسمبورغ”.  

ترجمه من الفرنسية: محمد رامي عبد المولى

______________

1- ولد سعيد باشا سنة 1822 وتوفي سنة 1863، وكان خديوي (حاكم) مصر من 1854 إلى 1863.
2- ولد الخديوي اسماعيل باشا سنة 1830 وتوفي سنة 1895 وتولى حكم مصر ما بين 1863 و 1879. 

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...