الفساد في مصر.. صناعة الدولة

عجز نظام السيسي عن تحقيق معظم وعوده للشعب المصري، وأهمها اتخاذ خطوات جادة لتحسين الأوضاع الاقتصادية، وضبط الأسعار، والقضاء على الجماعات الإرهابية المنتشرة في شبه جزيرة سيناء. ولدرء هذه الخيبة، عمل النظام على شن حملة ضد منابع الفساد في الدولة، إقراراً لمبدأي "الشفافية" و"التنافسية" وهما عماد اقتصاد "السوق الحر" الذي ينتهجه. لكن الطابع الإعلامي لمشاهد "محاربة
2015-12-24

أحمد مدحت

باحث من مصر


شارك
غرافيتي مصري

عجز نظام السيسي عن تحقيق معظم وعوده للشعب المصري، وأهمها اتخاذ خطوات جادة لتحسين الأوضاع الاقتصادية، وضبط الأسعار، والقضاء على الجماعات الإرهابية المنتشرة في شبه جزيرة سيناء. ولدرء هذه الخيبة، عمل النظام على شن حملة ضد منابع الفساد في الدولة، إقراراً لمبدأي "الشفافية" و"التنافسية" وهما عماد اقتصاد "السوق الحر" الذي ينتهجه. لكن الطابع الإعلامي لمشاهد "محاربة الفساد" يغلب على أي جانب آخر. في صباح يوم 7 أيلول/ سبتمبر الفائت، قرر الرئيس إقالة وزير الزراعة بسبب قضية الفساد الكبيرة التي كشفتها الأجهزة الرقابية، وتورط فيها عدد كبير من الشخصيات العامة والمشاهير، بينهم رجال أعمال ذوي نفوذ. وفور خروج وزير الزراعة من مجلس الوزراء، ألقت أجهزة الأمن القبض عليه، وتم اقتياده لمقر جهاز الرقابة الإدارية للتحقيق معه.. وقبلها بيوم، ألقت قوات الأمن القبض على نائب سابق بمجلس الشعب، وهو رئيس "جمعية مكافحة الفساد"، متلبساً بتقاضي رشوة، قدرت ب5 ملايين جنيه، من رجل أعمال في ألمانيا، مقابل إعادة قطعة أرض له، ودخل بسببها في صراع مع الحكومة.
عمل النظام على تسويق الحدثين من خلال وسائل الإعلام المختلفة الموالية له، على أنها حرب الدولة ضد الفساد ورجاله، وأن النظام لا يرحم الفاسدين، حتى لو كانوا من أقرب رجاله، مثل وزير الزراعة. بينما أكد البعض الآخر أن ما يجري لا علاقة به بمحاربة الفساد، بل هي حرب لتصفية حسابات ولخدمة أغراض سياسية. ولكن، كيف تكافح الدولة الفساد وهي شريك أساسي في صناعته؟ 

الفساد بالأمر المباشر

خلال غياب سلطة التشريع المتمثلة في البرلمان، أصدرت السلطة التنفيذية العديد من التشريعات التي تتعلق بشؤون الاقتصاد والأمن في معظمها. منها مرسوم بقانون لتنظيم "برنامج للإسكان الاجتماعي"، يفتح الباب أمام تخصيص الوحدات السكنية وقطع اﻷراضي باﻷمر المباشر ودون إجراء قرعة، كما ضم القانون ولأول مرة ممثلاً للجيش إلى مجلس إدارة الصندوق الذي يتولى هذا البرنامج. بينما، ومنذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، تجري عملية تخصيص أراضي الدولة وتوزيع العقارات في مشروعات اﻹسكان الحكومية بطريقة القرعة.. الآن، أصبح الباب مفتوحاً على مصراعيه لفساد من نوع معروف اسمه "بيزنس العمولات والسمسرة"، وهو ضلع أساسي من الفساد الممتد في بنيان نظام حسني مبارك طيلة سنين حكمه، حيث من يملك المال، والنفوذ من رجال الأعمال، هو القادر على الفوز بتنفيذ هذه المشاريع. وهو ما كان يفترض انتهاؤه لإحداث نهضة اقتصادية مرجوة، تنعش الاقتصاد المصري الذي يترنح منذ أربع سنوات، ولا يبقيه في غرفة الإنعاش سوى القروض والمنح الخليجية.
وإمعانًا في إجراءات الأمر المباشر، التي تنسف مبدأ "التنافسية" من جذوره، وخلال المؤتمر الاقتصادي الذي جرت فعالياته من 13 – 15 آذار/ مارس 2015، قامت الحكومة بإسناد مشروع "العاصمة الجديدة"، لشركة إماراتية دون إبداء أسباب واضحة أو موضوعية لاختيارها دون سواها. وقبل انطلاق ذاك المؤتمر بساعات، صدر "قانون الاستثمار"، وتم نشره في الجريدة الرسمية، بعد إجراء التعديلات اللازمة عليه، والتي من المفترض أنها تُسهِّل مهمة المستثمرين خلال عملهم في السوق. منح هذا القانون المستثمرين حصانة قضائية غير مسبوقة، وفتح باباً للفساد بإعطاء رئيس الوزراء سلطة منح "حوافز" وإعفاءات تقديرية، إضافة إلى المادة التي تنص على عدم جواز رفع دعوى أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق في جرائم المال العام التي ترتكب من المستثمر، بصفته أو بشخصه، والمنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني، لا بعد موافقة مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار.

الجيش كمنافس في السوق

منذ توقيع اتفاقيه السلام بين مصر وإسرائيل، بدأت مؤسسة الجيش في مصر بلعب دور اقتصادي يتزايد يوماً بعد يوم.. تتعدد نشاطات الجيش الاقتصادية وتتوسع، ففي يوم3 أيلول/ ديسمبر، أصدر الرئيس قرارا يمكّن "جهاز بيع اﻷراضي والعقارات التي تخليها القوات المسلحة" التابع لوزير الدفاع، من إنشاء شركات خاصة به، سواء كانت برأسماله الخاص أو بالمساهمة مع مستثمرين محليين أو أجانب. وهذه المرة اﻷولى التي يكون فيها الجيش المصري بصدد إنشاء شركات مع شركاء. تبدو هذه نقطة تحوُّل في سياسات الجيش الاقتصادية، حيث مؤسسة القوات المسلحة تتحول لشريك اقتصادي خالص.
يضيف هذا عبئاً جديداً على سوق الاستثمار في مصر، الذي سيعاني من دخول الجيش كمنافس في أي مشروع استثماري، حيث تعمل مؤسسات الجيش الاقتصادية ك"منافس غير شريف"، يملك دائماً خطوة تسبق غيره من المستثمرين المحليين أو الأجانب.. لديه عمالة أرخص، وموارد أكثر وفرة، وخدمات يحصل عليها بأزهد الأسعار. وهنا، تصبح مبادئ مثل الشفافية والتنافسية أبعد ما يكون عن الواقع، مما يمهد لسبل متعددة من الفساد المُقنن.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

وقائع جريمة قتل صناعة التعدين في مصر

أحمد مدحت 2016-10-07

حين جاء "السيسي" إلى منصب رئيس الجمهورية منذ ما يزيد على عامين، كان مدعوماً بوعود وأحلام وردية تنبئ بنهضة اقتصادية بشّرت الملايين من مؤيديه بأنهار اللبن والعسل التي ستجري في...