خط نفط البصرة - العقبة: اشتباك إقليمي وسط مصالح متقاطعة

هل يحقق الاستثمار في إنشاء خط إمداد نفط وغاز من البصرة في جنوب العراق إلى ميناء العقبة الأردني، الرغبة بتنويع منافذ تصدير الثروة البترولية بعيداً عن التشنجات المحتملة في مضيق هرمز؟ هنا تفحّص لكلفته ووظائفه وواقعية مخططه من ضمن رؤية عامة لصراعات المنطقة وتقاطع مصالحها في آن.
2022-02-03

صفاء خلف

صحافي استقصائي، وباحث من العراق


شارك
مضيق هرمز ومضيق باب المندب

يندفع العراق إلى الاستثمار في خط إمداد نفط وغاز ينطلق من أغنى حقوله الجنوبية، حيث البصرة، وصولاً إلى ميناء العقبة الأردني المُطل على فسحة ضيقة من البحر الأحمر في مثلث يتشارك فيه كلٌّ من الأردن، مصر، المملكة العربية السعودية وفلسطين المحتلة من قبل "إسرائيل"، بدعوى تنويع منافذ تصدير الثروة البترولية بعيداً عن التشنجات المحتملة في مضيق هرمز. ويبدو أنَّ تحقق المشروع محفوفٌ بمعوقات وأعباء حادة قد يتحملها العراق وحده، نتيجة حزمة مخاطر معقدة تجعل استفادة بغداد مُكلفةً وباهظة، وتنطوي على تهديد سيادي في حقل اشتباك إقليمي – دولي على مصالح متقاطعة.

غالباً ما تشير الدوائر السياسية الغربية الداعمة لبناء خط البصرة – العقبة النفطي (IJEP) إلى شرطين، اقتصادي وسياسي، تأسيساً على حاجة العراق إلى تطوير وتنويع منافذ البيع. فمنصة البصرة البحرية ستضعف قدرتها التخزينية والتحميلية تبعاً لزيادة الإنتاج المتوقعة في السنوات القليلة المقبلة، فضلاً عن مخاطر أمنية (1)، وتزايد احتمالات إغلاق الخليج وممر هرمز، بينما تطرح ضآلة المُصدَّر عبر خط جيهان التركي شمالاً الذي يتعرض إلى هجمات متكررة. لذا تتوقع تلك الأوساط بأن فشل بغداد بتنويع المنافذ سيعرضها إلى خسارات فادحة قد تتسبب بالإفلاس، بينما لديها احتياج شديد إلى رفع قدراتها المالية باعتبار تزايد تدهور الاقتصاد العام المعتمد على الريع النفطي.

الخروج من مأزق هرمز

يُلوّح شركاء العراق الغربيون بأن احتمالات غلق الخليج وهرمز، يهدد تمويل الاقتصاد الوطني، ويضر على نحو عميق بمستقبل استقرار النظام السياسي العراقي الذي يتعرض لاهتزازات مميتة، كما ويعوق خطط تحييد طهران في العراق. فالخليجيون بإمكانهم الإفلات نفطياً من كماشة هرمز عبر البحر الأحمر (2)، لكن العراق سيخنق في جغرافيته، وسيكون أكثر ضعفاً كحقل مواجهة إقليمية مُزمنة، وضعفه أيضاً سيحطم قدرته على معالجة الفساد والاضطراب السياسي والضبط المؤسسي للأمن وتنويع الاقتصاد وإدارة المجتمع.

يبرر الأمريكيون والغربيون حماستهم لضرورة دعم "خط العقبة"، بمنع "اختطاف الثروة العراقية ومضيق هرمز كرهائن" من قبل طهران. وأنَّ تحوّل العراق إلى البحر الأحمر يجعله أيضاً "يلعب دوراً مهماً كمحور عبور للغاز والنفط بين الخليج وأوروبا والشرق الأوسط" (3). لكن الفرضية الأميركية الطموحة لـ"استنقاذ" الثروة العراقية من إيران، تتطلب وفقاً للرؤية الغربية بناء شبكة خطوط داخلية رديفة تضمن أن يحقق "خط العقبة" نجاحه الجيوستراتيجي ومكانته التغييرية في اقتصاديات المنطقة، عبر ربط الحقول الوطنية الجنوبية بتلك الشمالية في كركوك والمنطقة الكردية، بالموانئ التركية بخط يعرف بـ (ITEP). قبالة ذلك تسعى إيران منفردةً إلى مد خط الغاز الطبيعي (IGAT 6) عبر الأراضي العراقية (4)، بما يتقاطع مع الخطين الأردني والتركي، باتجاه السواحل السورية على البحر المتوسط ومنها إلى أوروبا. فيما تفكر الصين بأن تضع الخط ضمن ابتكارات مشروعها "الحزام والطريق"... لذا فإن مسار العراق بالتحوّل عن الخليج العربي إلى البحر الأحمر، لا يعني فقط التخلي عن مكانته الجيوسياسية الإقليمية - الخليجية، بل قبولاً ضمنياً بالتنازل عن جرفه القاري ومشروعه الطموح، "ميناء الفاو الكبير"، وإخلاء مياهه الإقليمية لهيمنة كويتية – إيرانية، وصينية لاحقاً، ما يعني تفريطاً بملكية وطنية سيادية لا يمكن تعويضها.

القوة البديلة

دخول الصين كقوة استثمارية وعسكرية صاعدة يشكل خطراً متجاوزاً لمحدودية نفوذ طهران التقليدي في الخليج وعنق هرمز، إلى ما يشبه إعادة تموضع القوة بناءً على استراتيجية انفتاح الخليج على عامل تأثير جديد.

تسعى الصين إلى إخلاء كامل منطقة جنوب غرب آسيا من الوجود الأميركي، لكنها تفتقر إلى أدوات المواجهة الآنية وخطاب التحفيز الشعبوي الذي تمتلكه إيران. لذا باتت بكين تستخدم الإيرانيين كأداة مواجهة وعامل يفتح منطقة الخليج أمامها كبديل مستقبلي عن الأمريكيين، وهو ما يستشعر الخليجيون حاجتهم إليه في الصين، كحليف مرن، مقبول، غير متطلب، ولا يدعم الإصلاحات البنيوية في هياكل الحكم والحريات والحقوق العامة، لكنه قادر على تخفيف التطرف الإيراني ونبذ المواجهة العسكرية. لذا تسعى الإمارات والسعودية والكويت إلى دعم أمنهم الإقليمي عبر شراكة طويلة الأمد مع الصين، وبناء قواعد غير معلنة أو تطوير الصناعات العسكرية.

يُلوِّح شركاء العراق الغربيون أن فشله بتنويع المنافذ سيعرّضه إلى خسارات فادحة قد تتسبب بالإفلاس، بينما لديه احتياج شديد إلى رفع قدراته المالية باعتبار تزايد تدهور الاقتصاد العام المعتمد على الريع النفطي. فالخليجيون بإمكانهم الإفلات نفطياً من كماشة هرمز عبر البحر الأحمر، لكن العراق سيخنق في جغرافيته.

تحوّل العراق عن الخليج العربي إلى البحر الأحمر، لا يعني فقط التخلي عن مكانته الجيوسياسية الإقليمية - الخليجية، بل قبولاً ضمنياً بالتنازل عن جرفه القاري ومشروعه الطموح، "ميناء الفاو الكبير"، وإخلاء مياهه الإقليمية لهيمنة كويتية – إيرانية، وصينية لاحقاً، ما يعني تفريطاً بملكية وطنية سيادية لا يمكن تعويضها. 

تسعى الدول الخليجية إلى تجاوز الاقتصاد الريعي المفرط تمهيداً لمرحلة ما بعد المستخرجات الأحفورية، ويظهر ذلك في الرؤى المطروحة، من قبيل "2030" السعودية و"2035" الكويتية، وتناغمها مع فكرة الربط الاقتصادي الصينية: "حزام واحد.. طريق واحد". فخطوات اجتذاب الصينيين إلى الخليج تتسارع بظل التنافس على حيازة مظلة بكين، لاسيما "مشروع الكويت الجديدة - الحرير والجُزر"، ضمن المياه العراقية – الكويتية الإقليمية المشتركة، والسعي إلى إنشاء "مبارك" العملاق وهو أقرب ميناء مالح إلى آسيا الوسطى الداخلية، إيران وأفغانستان وباكستان والهند، وكل الحوض الآسيوي الداخلي الذي يمر به طريق الحرير الصيني.

فليس في منطقة الخليج موانئ عملاقة سوى مينائي دبي وحمد القطري، وهذان يفصلهما الخليج في أوسع مداه عن الضفة الإيرانية المؤدية إلى آسيا الوسطى. لذا الكويت تبني ميناء مبارك بسعة أكبر من مينائي دبي وقطر، وأقرب بكثير منهما إلى الضفة الإيرانية، حيث الموانئ الصغيرة مثل بندر عباس وتشابهار. وإمكانية النقل من ميناء مبارك إلى الضفة الإيرانية غير مكلفة، وترتبط مباشرة بالخط الصيني - الآسيوي البري. وسيؤثر تشييد ميناء مبارك الكويتي على جدوى بناء العراق لـ"ميناء الفاو الكبير"، وسيوفر أرصفة تصدير نفطية جديدة بدلاً عن التحوّل المُكلف إلى منطقة العقبة.

تعتبر الكويت نفسها "شريكاً مهماً للتعاون" في المبادرة الصينية، فيما تطمح إلى حصد منافع مشروعين متعارضين في الآن نفسه: أميركي يمضي قدماً نحو العقبة، وصيني يسعى إلى أواسط آسيا والبحر المتوسط ومنه إلى أوروبا. ومنفعة ثالثة بإضعاف مطالبات العراق بإعادة ترسيم الحدود البحرية معها. فمما يُخشى منه بهجرة العراق لمنصاته البحرية السيادية باتجاه تأجير منصات بحرية إقليمية، أن تكون مقدمةً لتضييع حقوق عراقية سيادية يتنازعها مع دولتي التشاطؤ على الخليج، وهما الكويت وإيران، على نحو غير مسبوق وغامض. لذا اقترح الكويتيون على بغداد إنشاء قناة جافة برية – سككية ترتبط بمشروع "الطريق الدولي السريع رقم 1" المؤجل غرب العراق، بوصفه قناةً اقتصادية جافة تتمتع بفرادة تجارية عملاقة، يربط سواحل الخليج العربي بمنطقة العقبة الاستراتيجية، وخطاً حيوياً بين منطقة الاستثمار الكويتية - الصينية الجديدة ومشروع "نيوم" السعودي العملاق على البحر الأحمر.

"المشرق الجديد": السلام الاقتصادي؟

رغبت بغداد بتحويل مسار التصدير النفطي إبّان اشتداد الحرب العراقية – الإيرانية، عبر اقتراح مشروع "خط العقبة" على الأردن في آذار/ مارس 1984. بدا الأمريكيون حينها داعمين للخطة، فيما رأى الأردن نفطاً وأرباحاً سيتدفقان لينقذاه. لكن ما أنهى الحلم الأردني، وزاد من التحفظ العراقي الذي دُمر مفاعله النووي قبل ثلاثة أعوام فقط، تحذيرٌ "إسرائيلي" بشن ضربة محتملة على إنشاءات الخط، فانسحب الممولون الدوليون معتبرين تشييد الأنبوب صفقةً خاسرة، وأعلنت بغداد أنه لا يتمتع بـ"ضمانات جدية".

دخول الصين كقوة استثمارية وعسكرية صاعدة يتجاوز محدودية نفوذ طهران التقليدي في الخليج وعنق هرمز. وهو يشبه إعادة تموضع القوة بناءً على استراتيجية انفتاح الخليج على عامل تأثير جديد. وتسعى الصين إلى إخلاء كامل منطقة جنوب غرب آسيا من الوجود الأميركي، لذا باتت تستخدم الإيرانيين كأداة مواجهة وعاملاً يفتح منطقة الخليج أمامها، كبديل مستقبلي عن الأميركيين.

طُمر مشروع العقبة تحت ركام التحولات العنيفة للمنطقة، لكنه أفضى إلى أن يكون نقطة التقارب لمحور تحالف إقليمي واعد العام 1989، تمثل بـ"مجلس التعاون العربي" الذي ضم العراق والأردن ومصر، وشكلياً اليمن الشمالي وقتذاك. وبانت أهمية "العقبة" الاستراتيجية لبغداد مع الزمن، وتحولها إلى رئة أردنية مستثمَرة بإفراط خلال حربي الخليج الأولى والثانية، وبها ارتفع الأردن إلى أن يكون شريكاً تجارياً هاماً لا سيما في فترة العقوبات الدولية على بغداد في التسعينيات الفائتة.

وتأكيداً لمساعي تحصين الأردن اقتصادياً من هزات جديدة متوقعة، تريد واشنطن تحييد المملكة عن أخطار حالة الاستقطاب العدائية في المنطقة، لذا تباحث الملك عبد الله الثاني والدولة العراقية في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 في بغداد، حول إحياء مشروع "خط العقبة"، مع تأهيل الطريق البري، وإنشاء مدينة صناعية مشتركة ومنطقتين حرّتين على حدود البلدين (5)، فضلاً عن حزم من المساعدات النفطية والإعفاءات الجمركية، فصار الاتفاق نواةً لمشروع "المشرق الجديد" بشراكة العراق ومصر والأردن، كتحالف إقليمي – اقتصادي من دول تعاني هشاشةً وأزمات متراكمة، ومحور قلق ضمن محاور متقاطعة الوجهة في المنطقة.

مشروع "المشرق الجديد" أعاد استثمار مُخرجات "مجلس التعاون العربي" على نحو ملفت، على أنه "مشروع اقتصادي اجتماعي بين شعوب الدول المعنية، يستهدف تحقيق المصالح المشتركة". السردية الرسمية لدول الاتفاق نأت – حتى الآن - عن المحمولات السياسية ومدى ارتباط "المشرقية الجديدة" بـ"صفقة القرن" والتطبيع الخليجي وحالة الاستقطاب الأمريكي الإقليمي – الإيراني المزمنة، على الرغم من أن خط البصرة – العقبة صمم جزئياً كأداة لإنهاء نفوذ إيران على ملف الطاقة في العراق، وإيجاد مقاربة اقتصادية جديدة على أساس تبادل الطاقة والخدمات في الحوض الذي تنشط فيه "إسرائيل" والدول المتصالحة معها، لا سيما مصر التي تريد جني الأرباح (6)، عبر مشروع الإعمار مقابل النفط، وفتح صفحة توظيف عمالة جديدة ضمن خطتها الاستثمارية بزج نحو 1.5 مليون شغيل مصري في السوق العراقية، بعد أن دفعت بغداد قرابة مليار دولار كتعويض للعمالة المصرية في الثمانينيات من القرن العشرين.

تسعى دول الخليج إلى تجاوز الاقتصاد الريعي تمهيداً لمرحلة ما بعد النفط، كما يظهر في الرؤى المطروحة من قبيل "2030" السعودية و"2035" الكويتية. ويتناغم ذلك مع فكرة الربط الاقتصادي الصينية، "حزام واحد.. طريق واحد". خطوات اجتذاب الصينيين إلى الخليج تتسارع، وكذلك التنافس على حيازة مظلة بكين، كـ"مشروع الكويت الجديدة - الحرير والجُزر"، ضمن المياه العراقية – الكويتية الإقليمية المشتركة.

وبيّنما هددت "إسرائيل" في الثمانينيات العراق بتدمير خط العقبة النفطي باعتباره تهديداً لأمنها، وضعته اليوم في قلب خطتها الاستثمارية الواسعة النطاق والمسماة بـ"مشروع السلام الاقتصادي" والذي يستهدف "دول معاهدات السلام" والنطاقات الإقليمية الممتدة لها، كالعراق وسوريا لاحقاً.

الكُلفة المُفرطة

وقّع العراق والأردن في أبريل/ نيسان 2013، اتفاقاً يقضي بمد أنبوب بطول 1500 كلم لنقل النفط العراقي إلى الأردن، بكلفة تتراوح بين 9 و28 مليار دولار، وسعة تدفق بمليون برميل يومياً، يذهب منها 150 ألف برميل/ يومياً إلى مصفى الزرقاء، حيث تأمل عمّان التي تستورد 98 في المئة من حاجاتها البترولية، تأمينها عبر خط العقبة، فضلاً عن مئة مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يومياً.

صُمم مشروع خط العقبة على مرحلتين، الأولى داخل العراق، والثانية على الأراضي الأردنية. في المرحلة العراقية، يمتد الأنبوب من حقول البصرة البترولية حتى وحدة التجميع والضخ في النجف (PS3A) ومنها إلى العمق الأردني. ويُفترض أن تنجَز المرحلة بنظام (EPCF) (7)، ما يعني اضطرار بغداد إلى مزيد من الاقتراض الخارجي والداخلي غير المدروس والمحفوف بمخاطر ارتفاع قيمة الفائدة وانخفاض درجة الثقة الائتمانية نتيجة الاقتراض المفرط والذي يمثل 45 في المئة، ما يعادل 79 مليار دولار من حجم الناتج المحلي الكلي البالغ 178 مليار دولار، المسجل رسمياً، بظل صعوبات التسديد نتيجة تغير السوق، واحتمالية كساد الطاقة الأحفورية في السنوات المقبلة بمقابل ازدهار سوق الطاقة النظيفة، فضلاً عن تحديات حراسة الأنبوب أمنياً.

مقالات ذات صلة

وعلى عكس صيغة الإنشاء العراقية، تفترض المرحلة الثانية الأردنية، من نقطة الحدود العراقية حتى المصب النهائي في ميناء العقبة، أن تتم بنظام (B.O.T)، حيث ستمنح عمّان حق امتياز واحتكار إنشاء وتشغيل الخط إلى شركة أو تحالف يتولى تمويل المشروع دون إرهاق الموازنة العامة للدولة بأي نفقات، مقابل تشغيله واستثماره لمدة محددة، ومن ثم تستعيد الدولة الأردنية الملكية المطلقة على الخط بدون مقابل أو بمقابل متفق عليه.

رغبت بغداد بتحويل مسار التصدير النفطي إبّان اشتداد الحرب العراقية – الإيرانية، عبر اقتراح مشروع "خط العقبة" على الأردن في آذار/ مارس 1984. بدا الأمريكيون حينها داعمين للخطة، فيما رأى الأردن نفطاً وأرباحاً سيتدفقان لينقذاه. لكن ما أنهى الحلم الأردني، وزاد من التحفظ العراقي الذي دُمر مفاعله النووي قبل ثلاثة أعوام فقط، تحذيرٌ "إسرائيلي" بشن ضربة محتملة على إنشاءات الخط.

وقّع العراق والأردن في أبريل/ نيسان 2013، اتفاقاً يقضي بمد أنبوب بطول 1500 كلم لنقل النفط العراقي إلى الأردن، بكلفة تتراوح بين 9 و28 مليار دولار، وسعة تدفق بمليون برميل يومياً، يذهب منها 150 ألف برميل/ يومياً إلى مصفى الزرقاء، حيث تأمل عمّان التي تستورد 98 في المئة من حاجاتها البترولية، تأمينها عبر خط العقبة، فضلاً عن مئة مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يومياً. 

وعبر فحص نظامي الإنشاء، يلاحظ تقاطع مصالح البلدين وتباين رؤيتهما الاقتصادية والاستثمارية، فالأردن سيجني فوائد أكبر مما سيجنيها العراق الذي سينفق مالاً عمومياً هائلاً في مراحل الإنشاء فيما لن يضمن ملكية مطلقة على الخط. وخلال مرحلة التشغيل فإن هدراً يصل إلى 4.6 مليار دولار سيتكبده العراق سنوياً نتيجة فرق التسويق والعمولة الأردنية وكلفة التشغيل والنقل لـ 850 ألف برميل/ يومياً فقط. وبمعنًى موازٍ، فإن بغداد ستدفع كلفة الاستقرار لمنطقة "مشروع السلام الاقتصادي" ضمن مساعي طمأنة الأردن للعب دور أكثر فعالية فيما يخص قضايا متداخلة الأطراف بعيداً عن المُنح المالية المشروطة لحلفاء المنطقة الذين تشهد علاقة الأردن بهم تذبذباً.

وحين يتحول العراق من استخدام موانئه الوطنية ذات الصفر تكلفة، إلى استئجار خدمات العقبة المينائية، وتحمل فاتورة التشغيل والنقل والتأمين فضلاً عن ضرورة بناء مواقع تخزين عملاقة، يعني أنه يهدر مواردَ هائلة يمكن تخصيصها لتطوير منصاته البحرية، مما يمكّنه من تصدير الكمية المنقولة نفسها إلى العقبة أو أكبر منها بتكاليف أقل.

______________

1. تعرضت منصة البصرة البحرية لتصدير النفط المتمثلة بمينائي البكر و"خور العمْيه"، إلى هجوم نادر مزدوج عبر زوارق ملغمة خفيفة قدمت من عمق مياه الخليج العربي في 24/04/2004. وأدى الهجوم إلى زيادة القلق بشأن إمدادات النفط المستقبلية، وضاعف من تكاليف التأمين على الناقلات المتجهة إلى البصرة، مما تسبب بارتفاع أسعار النفط، فيما تراجعت الصادرات العراقية بسبب الهجمة بمقدار مليون برميل، فكاد يقضي على زيادات الإنتاج المقررة من طرف أوبك وقتذاك.
2. يستخدم السعوديون خط (East-West Pipeline) الذي بناه العراق انطلاقاً من حقوله الجنوبية حتى ميناء ينبع على البحر الأحمر في الثمانينيات الفائتة، بعد تخليه عن فكرة بناء خط البصرة – العقبة، بينما تنكر الرياض ملكية بغداد له على نحو مطلق بعد أن صادرته، على الرغم من دفع الدولة العراقية كلفة تشييد الأنبوب ومنشآته والخزانات العملاقة المقامة على أرض الميناء السعودي بناءً على وصولات سداد مبالغ الإنشاء، التي عرضتها وزارة النفط العراقية على السعوديين خلال مفاوضات عسيرة لاسترداد الخط ومنشآته انتهت بالفشل في العام 2017.
3. وفقاً لرؤية معهد واشنطن وجيمس جيفري السفير الأميركي الأسبق في بغداد ومستشار شؤون العراق في وزارة الخارجية.
4. وقع كل من إيران والعراق، في 13 أبريل/ نيسان 2016، اتفاقية بناء خط أنابيب نقل الغاز الطبيعي الإيراني عبر الأراضي العراقية إلى أوروبا عن طريق السواحل السورية، بتكلفة تصل إلى 2.3 مليار دولار يتم استحصالها من تصدير الغاز إلى العراق وإقليم كردستان وتركيا.
5. شددت "مجموعة عمل مستقبل العراق" التي يرأسها السفير الأميركي السابق في العراق رايان كروكر، في رؤيتها لاستقرار العراق لمرحلة "ما بعد داعش"، التي نُشرت في أيار/ مايو 2017، أنه "من شأن إعادة طرق التجارة الرئيسة بين العراق والأردن إلى العمل، المساعدة على تعزيز الاقتصاد الأردني، وبالتالي استقرار هذا الحليف، المعرض للخطر، والذي يهم الولايات المتحدة (…) ويؤثر انعدام الأمن في العراق على التدفقات التجارية، حيث توقفت التجارة العابرة للحدود، والتي تعتبر حاسمةً بالنسبة لاقتصاد البلدان المجاورة مثل الأردن، وهو ما يعرقل مشاريع الاستثمار والتنمية التي يمكن أن تسهم في تعزيز الثروة والعمالة والاستقرار في المنطقة على نحو واسع".
6. تستفيد مصر الآن من صفقة "الإعمار مقابل النفط"، حيث تحصل بموجب اتفاق أبرم أواخر العام 2021، على 12 مليون برميل سنوياً من خام البصرة الخفيف بسعر مخفّض بأقل من متوسط السوق بنحو ثلاث دولارات، إضافةً إلى إعفاء سلع مصرية من التعرفة الجمركية. ولحيازة منافع أكبر من صفقة "الإعمار مقابل النفط"، أسست القاهرة وحدةً مختصة لمتابعة مشاريع الإنشاءات المصرية في العراق في اتحاد الغرف التجارية المصرية.
7. أي عقود "الهندسة والمشتريات والبناء والتمويل"، حيث يتكفل "مستثمر – مقاول" بتدبر التمويل بضمان قروض مغطاة التسديد من الحكومة بعد تسلم المشروع والبدء بتشغيله، على أساس متطلبات القدرة الحكومية على تحمل الديون (Bankability).

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

تغيّر المُناخ وأزمة المياه في العراق: مؤشرات الهشاشة وحِدَّة الأثر البيئي

صفاء خلف 2022-10-02

يقع العراق كأكثر منطقة تعاني ضعفاً وهشاشة بيئية في المرتبة 129 من أصل 181 دولة، متموضعاً في قلب التأثيرات العنيفة للتطرف المناخي والنُدّرة المُطلقة للمياه، التي ستؤدي في العقدين المقبلين...