من قلب الحرب... بوادر ثورة تعاونية في اليمن

أنجزت خلال سنوات الحرب مئات المشاريع التنموية ذات الطابع التعاوني، وبالاعتماد على الجهود الذاتية. فكيف ولماذا تذكر الأهالي الآن أنهم يحتاجون إلى الاعتماد على أنفسهم لإنجاز هذه المهام المؤجلة؟
2022-01-16

وسام محمد

كاتب من اليمن


شارك
رصف طريق من قبل الاهالي في وصاب العالي ريف محافظة ذمار

في اليمن، البلد الذي يشهد حرباً متواصلة منذ 7 أعوام، ويواجه أسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب وكالات الأمم المتحدة، بزغت على نحو غير متوقع، ما يمكن تسميته اليوم بـ "بوادر ثورة تعاونية"، فقد أنجزت خلال سنوات الحرب مئات المشاريع التنموية ذات الطابع التعاوني، وبالاعتماد على الجهود الذاتية.

عجزت الدولة عن إنجاز هذه المشاريع في زمن ما قبل الحرب، بينما باتت اليوم خارطة انتشارها تتسع، وتغطي مساحات واسعة من مناطق المرتفعات الجبلية وسط اليمن، تشمل محافظات إب وذمار (تحت سيطرة جماعة الحوثي) وتعز (تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً) ويافع (في محافظتي لحج وأبين الجنوبيتين).

تتمحور المبادرات التعاونية حول الخدمات الأساسية، كشق ورصف الطرق الوعرة، وبناء السدود، وبناء وترميم المدارس... ومع أن هذه المناطق الجبلية ظلت بحاجة لمثل هذه المشاريع طوال الوقت، وبخاصة ما يتعلق بشق ورصف الطرق، فإن السؤال الذي بات يبحث عن إجابة هو: لماذا تذكر الأهالي الآن أنهم يحتاجون إلى الاعتماد على أنفسهم لإنجاز هذه المهام المؤجلة؟

بؤر تعاونية

تعد مديرية بعدان التابعة لمحافظة إب من أوائل المناطق التي شهدت انطلاق المبادرات التعاونية، وذلك خلال العام الثاني من اشتعال الحرب في اليمن. تقع بعدان على ارتفاع قد يصل إلى أكثر من 2000 متر عن سطح البحر، ويقطنها نحو 116 ألف نسمة بحسب آخر تعداد سكاني في عام 2004. تتناثر القرى على سفوح ومنحدرات الجبال، ويعتمد أبناؤها على الزراعة، وأيضاً على تحويلات المغتربين الذين يقدر عددهم بالآلاف، ومعظمهم في الولايات المتحدة الأمريكية وفي السعودية.

تتمحور المبادرات التعاونية حول الخدمات الأساسية، كشق ورصف الطرق الوعرة، وبناء السدود، وبناء وترميم المدارس... وميزة هذه المبادرات أنها قابلة للعدوى والانتشار إذا ما توفرت بعض العوامل.

معظم الطرق التي تربط بين المدن الرئيسية والمحافظات أصبحت مغلقةً بسبب الحرب، وأصبح السفر والتنقل بين محافظة وأخرى شاقاً، ويمر عبر طرق فرعية ووعرة، وأصبح الوقت الذي يحتاجه المسافر للتنقل من مدينة إلى أخرى مضاعفاً وكلفته باهظة. 

في هذه المديرية، أنجز السكان بالاعتماد على جهودهم الذاتية، عشرات المشاريع المتعلقة برصف الطرق، من خلال 44 مبادرة أُطلقت، وقد تم إنجاز 32 مبادرة منها. (1)

ولعل السمة البارزة في هذه المبادرات التعاونية، هو أنها قابلة للعدوى والانتشار إذا ما توفرت بعض العوامل، فكثير من مديريات إب شهدت قيام الأهالي بتنفيذ مشاريع تعاونية، كما هو الحال في معظم مناطق ريف محافظة ذمار، خصوصاً في مناطق وِصاب السافل، التي شهدت مشاريع تنموية متنوعة وصل عددها إلى 343 مشروعاً بتكلفة خمسة مليارات و65 مليون ريال يمني، بلغت مساهمة الأهالي فيها 65 في المئة، بينما ساهم "الصندوق الاجتماعي للتنمية" (أنشئ بموجب القانون رقم 10 لعام1997، وهو يمول من المانحين) بنسبة 35 بالمئة من إجمالي التكاليف. أحد هذه المشاريع شق طريق بطول 47 كم وبعرض 7 أمتار، ويخدم نحو 500 ألف نسمة .(2)

وفي مديريات يافع (8 مديريات موزعة بالتساوي على محافظتي لحج وأبين الجنوبيتين) أصبح هناك ما يطلق عليه "ثورة الطرقات"، حيث قام الأهالي بشق ورصف وإعادة تأهيل أزيد من 20 طريقاً داخلياً تربط مديريات يافع ببعضها البعض . (3)

وفي تعز شهدت مديرية جبل حبشي ذات الطبيعة الجبلية الوعرة، تأسيس 120 مبادرةً مجتمعية، شاركت في رصف 78 طريقاً بنحو 14.000 متر مربع في أكثر من 100 قرية . (4)

كما يجري حالياً شق طريق بديل يربط بين محافظتي تعز ولحج وعدن بالاعتماد على جهود الأهالي، مع تدخلات بسيطة لمنظمات غير حكومية.

مطلع العام الجاري 2022، أطلق الأهالي في مناطق الزريقة (جنوب غرب تعز) مبادرةً لشق طرق بديلة بهدف تسهيل تنقلهم بعد أن جرفت السيول الطرق التي كانوا يعتمدون عليها. لكن المشروع جذب الاهتمام على مستوى مناطق محافظة تعز الواقعة في نطاق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.

بدأ مهندسون وشخصيات اجتماعية يعملون على مشروع طريق بديل لطريق هيجة العبد الذي يعاني من ضغط هائل كونه المنفذ الوحيد الذي يربط بين تعز ولحج وعدن، ومنه تتدفق السلع الأساسية. وهو طريق شديد الوعورة ولم يكن مخصصاً للنقل الثقيل. وخلال السنوات الماضية بسبب الضغط الشديد عليه أُصيب بالخراب، وليس هناك إصلاحات دائمة، وإن وجدت فهي لا تحل المشكلة. وما يميز الطريق الجديد أنه يمر في مناطق بعيدة عن جبهات الحرب، وآمنة. لكنه يحتاج إلى إمكانيات كبيرة لكي يصبح جاهزاً وبديلاً عن الطريق المذكور.

نجحت هذه التجارب في جذب المناطق المحيطة بها، الجبلية الوعرة، الواقعة في وسط اليمن.

وبؤر المشاريع التنموية ذات الطابع التعاوني، هي في الغالب مناطقُ لم تصل إليها الحرب، إلى جانب أن كثيراً من أبناء تلك المناطق مغتربون، وكان لهم إسهامٌ كبير في إقامة وتنفيذ هذه المشاريع، كما في بعدان ويافع، وأيضاً يتميز سكانها بكونهم تجار وأصحاب مهن، كما في وصاب التابعة لمحافظة ذمار وكما في ريف محافظة تعز.

ويحرك هذه المشاريع أن معظم الطرق التي تربط بين المدن الرئيسية والمحافظات أصبحت مغلقةً بسبب الحرب، وأصبح السفر والتنقل بين محافظة وأخرى شاقاً، ويمر عبر طرق فرعية ووعرة، وأصبح الوقت الذي يحتاجه المسافر للتنقل من مدينة إلى أخرى مضاعفاً وكلفته باهظة. ويلاحظ أن معظم المناطق التي انطلقت منها تلك المشاريع كانت قد أصبحت ممرات بديلة للمسافرين من مناطق مختلفة، قريبة وبعيدة. بينما في الماضي لم يكن يمر أحد من طرقها سوى أبنائها.

ذاكرة التعاونيات

لليمن ذاكرة تاريخية حافلة عندما يتعلق الأمر بالعمل التعاوني. ففي أزمنة سحيقة بنى اليمنيون السدود والمدرجات الزراعية، للتغلب على مشكلة قلة المياه وأيضاً لمواجهة الطبيعة الجبلية القاسية التي تغطي معظم مناطق اليمن الزراعية. وفي أزمنة قريبة، مثلت المشاريع التعاونية رديفاً لتأسيس الدولة الوطنية، وعاملاً حاسماً في الانتصار على نظام الإمامة في الشمال والاستعمار البريطاني في الجنوب.

بؤر المشاريع التنموية ذات الطابع التعاوني، هي في الغالب مناطقُ لم تصل إليها الحرب، إلى جانب أن كثيراً من أبناء تلك المناطق مغتربون، وكان لهم إسهامٌ كبير في إقامة وتنفيذ هذه المشاريع، كما في بعدان ويافع، وأيضاً يتميز سكانها بكونهم تجار وأصحاب مهن، كما في وصاب التابعة لمحافظة ذمار وكما في ريف محافظة تعز.

ليست كل المناطق الوسطى منخرطةً في المشاريع التعاونية، بل هي تلك التي لم تصل إليها الحرب لأسباب جيوسياسية في الغالب، كونها بعيدةً عن الطرق الرئيسية ووعرة. أما تلك التي وصلت إليها الحرب فقد انخرط سكانها في القتال، كما في الضالع وبعض أجزاء تعز والبيضاء.

فدائماً ما كان ظهور العمل التعاوني وتوسعه يرتبط بظروف سياسية واجتماعية مؤاتية، فلا يمكن أن يجتمع العمل التعاوني مع السلطة المستبِدة، ولا يمكن أن يغيب عندما يكون هناك نهوض شعبي وسلطات شعبية. وقد حدث هذا في الماضي البعيد في حقبة مملكة سبأ، وحدث في منتصف القرن العشرين عندما تأسس النظام الجمهوري في الشمال والجنوب، وكان لكل نظام تجربته التعاونية الفريدة.

في الجنوب كانت التعاونيات جزءاً من النظام الرسمي، أما في الشمال فكان الوضع مختلفاً. فالتعاونيات كانت بمثابة رديف للدولة، ومجالاً للمشاركة الشعبية الواسعة والمعبرة عن تطلعاتها في البناء والتنمية. وقد وصلت ذروة التعاونيات في حقبة الرئيس إبراهيم الحمدي خلال عقد السبعينيات. حيث بنيت المئات من المشاريع التنموية بالجهود الذاتية للمواطنين، لكن أيضاً في ظل وجود سياسات داعمة وخطاب وطني محفز وسيادة شعبية.

بحسب الدكتور حمود العودي، فـ"إن مراحل وأشكال تعاون اليمنيين في العمل والإنتاج، وديمقراطيتهم في السلطة والحكم، لا تشكل حالات طارئة أو استثنائية في تاريخهم القديم والحديث، بل إن ذلك هو القاعدة الأساسية العامة التي اقترنت بوجودهم نفسه". فقد ارتبط العمل التعاوني "بأكثر مراحل تاريخهم وحياتهم استقراراً وازدهاراً وتوحّداً منذ فجر التاريخ وحتى الآن. أما غياب أو تراجع العمل التعاوني والحكم والسلطة الديمقراطية الرشيدة، فهو الاستثناء الذي ارتبط بكل مراحل وحلقات الضعف والتمزق والتخلف في تاريخهم القديم والوسيط والحديث أيضاً" .(5)

ويبدو هذا التفسير دقيقاً عندما يتعلق الأمر بالماضي. فقد توقف العمل التعاوني مع انهيار مشروع الوحدة اليمنية الذي ارتبط بالديمقراطية، وكان بمثابة حصالة الحركة الوطنية اليمنية الساعية إلى بناء دولة حديثة قائمة على المواطنة المتساوية والشراكة الشعبية في السلطة والثروة. لكن اندلاع حرب صيف 1994، التي بموجبها هيمن ثلاثي (القبيلة والدين والعسكر) على مقاليد السلطة في اليمن، كانت بمثابة إعلان عن انتهاء حلم الدولة الوطنية الممثلة لمصالح جميع اليمنيين، وأيضاً انتهاء عهد المشاركة الشعبية التي كانت بمثابة الرديف لقيام الدولة. وما زاد الطين بلّة هو اعتماد سياسات السوق المفتوحة. وقد أصبحت المجالس المحلية بديلاً للتعاونيات وصدرت قوانين استهدفت كل الإنجازات التي كانت قد تحققت على صعيد بناء وهيكلة التعاونيات، لتنتهي بالتوقف الشامل، ويبدأ عهد "الجمعيات الخيرية" التي أصبحت مجالاً للاستثمار في سياسات الإفقار، وقد أنتجت شكلاً من الحياة المزرية في الواقع.

ساد العمل الخيري كبديل للدولة التي ترعى مصالح مواطنيها. كما أصبح مجالاً للتسابق على شراء أصوات الناخبين والاستقطاب السياسي.

لكن عودة المبادرات التعاونية اليوم، في ظل الحرب وأوضاع إنسانية بائسة، يطرح علامة استفهام حول التفسيرات التي درج الكتاب والباحثون على تقديمها عند الحديث عن ظاهرة التعاونيات في اليمن. أسباب ازدهارها وأسباب تلاشيها. فتلك التفسيرات لم تعد تستوعب الحالة الجديدة.

الموقف من الحرب

لعل أول تفسير يمكن تقديمه عن عودة المشاريع التعاونية في اليمن بالاعتماد على الجهود الذاتية، هو أن غياب الدولة بالمعنى الذي خبره الناس في العقود الثلاثة الأخيرة، (دولة الجباية والفساد) جعل اليمنيين يستعيدون صلاتهم بالدولة التي لطالما حلموا بها في الماضي، وكانوا قد عملوا بكل طاقتهم على تجسيدها في الواقع قبل أن يتم سلبهم إياها. طوال السنوات الماضية كان الناس يعانون من الطرق الوعرة، ومن عدم وجود مياه شرب نظيفة، ومن عدم وجود خدمات صحية. لكنهم لم يبادروا لسد تلك الحاجات، لأن الدولة كانت هي من أصبحت معنيةً بتوفير تلك الخدمات.

مع اندلاع ثورة شباط/ فبراير 2011، استعاد الناس جزءاً من السيادة الشعبية التي كانت قد سُلبت منهم. استعادوا روح المبادرة. لكن السلطة التي تمخضت عن الثورة كانت إصلاحيةً ومتصالحة مع السياسات النيوليبرالية وخاضعةً لها، وغير مقدّرة للإمكانات التي ينطوي عليها المجتمع. لهذا لم يحدث أي تبدل في واقع الحال.

اشتعال الحرب مطلع العام 2015، ترافق مع انهيار كامل لمؤسسات الدولة. وهنا وجد الناس أنفسهم معنيين بإيجاد حلول للمعاناة التي يواجهونها جراء غياب الخدمات. لم يعد هناك سلطةٌ ومؤسسات دولة يمكن تحميلها المسؤولية.

لكن هذا فقط جزءٌ من التفسير. فبالنظر إلى خارطة انتشار المبادرات والمشاريع التعاونية نجد كثيراً من السمات المشتركة. فهذه الخارطة تشمل المرتفعات الجبلية الواقعة وسط اليمن، وهي مناطق كانت في الماضي تمثل قاعدة الحركة الوطنية التي قامت بثورتي 26 أيلول/ سبتمبر 1962 (ضد المملكة المتوكلية في الشمال) و14 تشرين الأول/ أكتوبر 1963 (ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب)، وسعتا إلى بناء دولة حديثة. وعلى الرغم من ضعف التيارات السياسية التي قادت هذه المناطق في الماضي، إلا أن مواقف الناس فيها لا تزال مخلصةً للنظام الجمهوري، ومناوئةً لحركة الحوثي التي تعود جذورها لنظام الإمامة القائم على الحكم بالحق الإلهي.

بالطبع ليست كل المناطق الوسطى منخرطةً في المشاريع التعاونية، بل هي تلك التي لم تصل إليها الحرب لأسباب جيوسياسية في الغالب، كونها بعيدةً عن الطرق الرئيسية ووعرة. أما تلك التي وصلت إليها الحرب فقد انخرط سكانها في القتال، كما في الضالع وبعض أجزاء تعز والبيضاء.

عدم وصول الحرب إلى بعض مناطق المرتفعات الوسطى جعلهم مطالبين أمام أنفسهم ببناء موقف مناهض للواقع المحيط بهم. وليس هناك موقفٌ أفضل من إعادة بعث تاريخ التعاونيات الذي مثّل في مراحل ماضية عنفواناً ثورياً، وتحدياً حقيقياً لواقع التخلف والجهل الذي تركه نظام الإمامة في الشمال، والاحتلال البريطاني في الجنوب. وهذا إلى جانب عوامل أخرى مساعدة، من بينها البطالة التي تسببت بها الحرب. فقد كان لا بد من أن ينشغل الناس بمشاريع تعود منفعتها عليهم أنفسهم بدلاً من الذهاب لخوض معارك الآخرين. لهذا يبدو أن أقل نسبة تجنيد يمكن أن يحظى بها الحوثيون مثلاً هي في تلك المناطق.

لليمن ذاكرة تاريخية حافلة عندما يتعلق الأمر بالعمل التعاوني. ففي أزمنة سحيقة بنى اليمنيون السدود والمدرجات الزراعية، للتغلب على مشكلة قلة المياه وأيضاً لمواجهة الطبيعة الجبلية القاسية التي تغطي معظم مناطق اليمن الزراعية. وفي أزمنة قريبة، مثلت المشاريع التعاونية رديفاً لتأسيس الدولة الوطنية، وعاملاً حاسماً في الانتصار على نظام الإمامة في الشمال والاستعمار البريطاني في الجنوب.

مع اندلاع ثورة شباط/ فبراير 2011، استعاد الناس جزءاً من السيادة الشعبية التي كانت قد سُلبت منهم. استعادوا روح المبادرة. لكن السلطة التي تمخضت عن الثورة كانت متصالحة مع السياسات النيوليبرالية وخاضعةً لها، ومهملة للإمكانات التي ينطوي عليها المجتمع. لهذا لم يحدث أي تبدل في واقع الحال. ثم اشتعلت الحرب مطلع العام 2015، مترافقة مع انهيار كامل لمؤسسات الدولة. 

وهناك أيضاً انسحاب تيارات الإسلام السياسي من المجتمع، والتي كانت تهيمن على العمل المجتمعي من خلال مشاريع الجمعيات الخيرية، وهو ما مثّل فرصةً مؤاتية لاجتراح تجربة جديدة قائمة على التعاون (وليس فعل الإحسان) من أجل إقامة مشاريع تنموية مستدامة (وليس آنية وأُعطيات). فتيارات الإسلام السياسي اضطرت أن تغادر مناطق سيطرة الحوثي، النقيض الطائفي أو اضطرت للكمون. وقد كانت في الماضي تلعب دوراً تخريبياً متعاضداً مع توجهات السلطة والسياسات المعتمدة.

مستقبل التعاونيات

سيظل مستقبل المبادرات التعاونية في اليمن، وقد بزغت من جديد من وسط خراب الحرب، مرهوناً بالقدرة على خلق آليات تنظيمية متطورة، وبتخليق مشروع سياسي يشبه ذاك الذي قاد ثورتين، وكافح من أجل بناء دولة المواطنين. العلاقة بين الشرطين جدليةٌ: كلما أُعيد بناء التنظيم الاجتماعي على أسس تعاونية وتقدمية، كلما كان من الممكن انبثاق المشروع الوطني، أو الحامل السياسي المعبر عن التطلعات الشعبية.

بالطبع في الوقت الحالي، يبدو أن المبادرات التعاونية تنطلق من الصفر. وفي محيط معادٍ ومتربص. فالتنظيمات الشعبية كانت قد تلاشت مع تلاشي تجربة التعاونيات، وتراجع الحركة الوطنية وانسحابها من المجتمع. وعلى الرغم من أن الآليات التنظيمية المتوفرة حالياً هي آليات المنظمات غير الحكومية ذات التدخلات الشكلية، والتي هي رديفةٌ للسياسات النيوليبرالية، ولا تعمل إلا إذا توفرت التمويلات الأجنبية، إلى جانب آليات العمل الخيري محدود الأفق، إلا أن ظهور المبادرات التعاونية يشير إلى أنها استطاعت أن توظف وسائل التواصل الاجتماعي على نحو جيد، على مستوى جمع الناس، وحشد الموارد والدعم وأيضاً التسويق الإعلامي. ثم على مستوى الإدارة الشفافة لهذه المشاريع.

كما أن المبادرات التعاونية أصبحت تُزاوج بين آليات العمل التعاوني التي عرفت في الماضي، وآليات العمل الخيري وقد نفخت فيه روح المصلحة العامة. الأمر الذي يعني أننا أمام حركة تعاونية قادرة على تطوير عملها، وقادرة على الاستفادة من كل الإمكانيات والطاقات المتاحة. والأهم أنها قادرة على "خلق روح".

 وجود هذه الروح واستمرارها كفيلٌ باستيلاد يمن مختلف عن هذا الذي نعرفه اليوم، على اتصال بأحلام الماضي وقادر على أن يجسدها في الواقع وبإبداع عُرف به اليمنيون على مرّ تاريخهم. 

______________

1  - بشير المهلل ورومان استادنسك، قرى ديناميكية: عودة المبادرات المحلية إلى الجبال اليمنية، منصة جدلية، كانون الاول /ديسمبر 2020
2 - ماجد السياغي، أبناء وصاب السافل نموذج لتعميم ثقافة المبادرات المجتمعية، صحيفة الثورة، 15 كانون الأول /ديسمبر 2020. 
3 - ياسر اليافعي، مشاريع تنموية تنفذ في مديريات يافع، البيان، 11 تشرين الأول/ اكتوبر 2018، 
4 - فؤاد أحمد سيف، التكاتف المجتمعي، وهزيمة الطرق الوعرة، المشاهد، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.
5  - أ. د. حمود العودي، تجربة العمل التعاوني في اليمن بين مصداقية الناس ومكر السياسة، منصة خيوط، 14 حزيران/ يونيو 2020.

مقالات من اليمن

للكاتب نفسه