قبل أيّام خطب إمام الجامع الكبير في نواكشوط الموريتانية، أحمدو ولد المرابط حبيب الرحمن، بالمصلّين في الجامع الكبير. بين هؤلاء كان الرئيس المويتاني، الّذي خصّه ولد المرابط بطلبٍ يكرّره على الملأ للمرّة الثّانية بعد أن تقدّم به من المكان نفسه في العام 2012. الطلب ببساطة هو إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "للقضاء على الفساد الذي يعمّ البلاد"، خاصة أنّ "الشعب الموريتاني كله مسلم فلا يوجد موريتاني بالأصالة إلا يدين بالإسلام"، حسبما قال الشيخ العام 2012.
ظهرت هذه الفكرة في العام 1977 في خطاب "جماعة المساجد" الّتي راحت توزّع مناشير في نواكشوط تدعو إلى إلغاء تدريس الفلسفة في المدارس، ومنع الاختلاط، ومنع إرسال الطلاب الصغار إلى الدّول "الملحدة". جماعة المساجد كانت إحدى المجموعات التي ساهمت في دفع الإسلاميين إلى المشهد السياسي الموريتاني أواخر سبعينيات القرن الماضي، لكنّ الفارق الجوهريّ بين دعوتها ودعوة ولد المرابط هو أنّ الأخير يتحدّث من داخل السلطة، فهو يُعَدّ مفتي موريتانيا، وإن كان قد عارض إنشاء مجلس للفتوى والمظالم قبل ثلاثة أعوام.
اسم الهيئة يحيل بالضرورة إلى السعودية حيث تمارس الشرطة الدينية مضايقات لا تنتهي، تطال النساء خصوصاً. اختيار الاسم لم يأت صدفة طبعاً خاصّة إذا علمنا أنّ اسم المفتي يرد في إحدى وثائق وزارة الخارجية السعوديّة المسرّبة مؤخّراً. في تلك الوثيقة (من العام 2010) يظهر امتعاض إمام المسجد الحرام الشيخ عبد الله بن حميد لما رآه في زيارته إلى موريتانيا من عدم امتنان لما قدّمته المملكة من أفضال لولد المرابط. فالسعودية تقدّم منحاً للرجل وأعوانه وأقاربه للحج وهو يقابلها بإطلاق اسم الجامع الكبير على المسجد الذي موّل بناءه الملك فيصل بن عبد العزيز بدلاً من أن يسمّيه باسمه مسجد الملك فيصل. للرجل إذاً علاقاته في السعودية وله منحها منها، ولعلّ دعواته إلى إنشاء الهيئة تقع في إطار استعادة الحظوة.
لقيت الدعوة استهجان عدد من الناشطين الحقوقيين، وكانت الناشطة مكفولة بنت إبراهيم أوّل من استنكر الدّعوة، معبّرةً عن خشيتها من أن يؤدي إصرار ولد المرابط وغيره من علماء الدين على إقحام الدين في الحياة العامة إلى تغيير عادات المجتمع الموريتاني، بحيث يصير الامتثال لرجال الدين هو الأساس، "وهذا مخيف". علماً أنّ هذا الرجل الذي يدعو إلى إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى العمل بالكتاب والسنة، كان قد اتّهم العام الماضي من قبل رئيس "حركة المبادرة الانعتاقية" المعنية بمسألة العبوديّة في موريتانيا بممارسة الاسترقاق وامتلاك عشرات العبيد!