بعد تقدّم رئيس اتّحاد كرة القدم الفلسطينيّ، جبريل الرّجوب، بطلب تجميد عضويّة إسرائيل في الاتحاد الدولي لكرة القدم، ثارت ثائرة السّاسة الإسرائيليين. رئيس وزرائهم قال إنّ هذا الطّلب "تسييس صارخ للرّياضة"، وإنّ طرد إسرائيل من الاتحاد سيؤدّي إلى انهياره. لم تسر الأمور في هذا المنحى. سحب الرّجوب الطلب في آخر لحظة مشعلا هذه المرة غضب الفلسطينيين ، الّذين أوهمهم أنّ إسرائيل، أخيراً، على وشك خسارة مقعدها في إحدى المؤسّسات الدوليّة، استناداً الى تأكيد ممثلي 160 من أصل 209 دول أنهم سيصوّتون لمصلحة الطّلب الذي تقدّم به (126 صوتاً كانت تكفي). قد لا نفهم سبب الإقدام ولا التراجع - فهم السّلوك الفلسطيني في المؤسّسات الدّوليّة صعب عموما - لكن ماذا عن "التسييس الصّارخ" للرّياضة؟
تبيّن دراسة أعدها كلّ من نوريت ريشيف وجيريمي بالتيل نشرت عام 1989 في مجلّة (سوسيولوجيا الرّياضة) الأميركية أنّ مؤسسات رياضيّة عديدة كانت مرتبطة منذ ما قبل 1948 بالتيّارات الصهيونيّة المتنوّعة، وأنّ النّقاش حول تشكيل مؤسّسة رياضية "يهوديّة" بدأ في المؤتمر الصهيوني الثاني عام 1897، حيث جاء على لسان ماكس نورداو: "يجب علينا استعادة شبابنا، يجب علينا الحصول على صدور متينة، وأطرافٍ قويّة، ومظهرٍ ملؤه الشّجاعة، لتنمو الأندية الرّياضيّة وتزدهر". هكذا تشكّلت أوّل مؤسّسة رياضية يهوديّة ("مكابي") عام 1902، كردّة فعل على منع اليهود من المشاركة الرياضية في أوروبا وأميركا - اليوم يُمنع فلسطينيو 1948 من الانتساب إلى الفرق الرياضية الإسرائيلية. انتقلت "مكابي" إلى فلسطين عام 1911، وشارك أعضاؤها عام 1913 في مقاطعة الألعاب الرياضية المقامة في مستوطنة ريهوفوت احتجاجاً على عمل مزارعين عرب في المستوطنة. لمواجهة هذه الممارسات، أنشأ اتحاد العمال ("هيستادروت") التابع لحزب العمل الصهيوني، الّذي كان متوجّهاً الى استغلال اليد العاملة العربيّة، منظمة هابوئيل ("العامل") الّتي أراد أفرادها إضفاء صبغة اشتراكية على "الوطنية" اليهوديّة. من جهتها كانت منظمة "بيتار" الشبابية الّتي أنشئت عام 1923 مرتبطة بحزب "هيروت" (نواة حزب ليكود اليوم) الّذي بقي وفياً لأفكار جابوتنسكي، وكان من بين مؤسسيه مناحيم بيغين. وبيتار تلك تحولت الى عصبة ميليشياوية تستخدم في معارك الشوارع أثناء التجمعات التي لا تروق لإسرائيل، كما يحدث تكرارا في فرنسا مثلا لدرجة وجود دعاوى قضائية ضدها لا علاقة لها بالرياضة. وهي اتجهت منذ إنشائها الى تغليب الرياضات القتالية ومنها الملاكمة، وتعدّ هذه واحدة من نقاط خلافها مع "هابوئيل" التي اعتبرت هذه الرياضة غير إنسانية. من جهتهم، شكّل الصهاينة المتشددون دينيا منظّمة "إليتزور" الّتي عملت على منع قيام أيّ من المنافسات الرّياضيّة التي يشارك فيها منتسبوها يوم السّبت، أي في يوم عطلة اليهود الدينية.
الرّياضة مرتبطة بالسياسة إذاً، ربما أكثر من ارتباط أي نشاط آخر بها، هنا وهناك وفي كل مكان. آلاف الدراسات تناولت المعنى السياسي للرياضة، وكيف أنها وسيلة لتحفيز المشاعر الوطنية مثلا، أو للترميز لتنافسات وصراعات تجري في مجال السياسة. ولا تخلو فرقة رياضية من انتماءات وطابع اجتماعي/سياسي... وفي حالة الرّجوب، لا يمكن اعتبار فتح الأميركيين ملفات الفساد في الفيفا تزامناً مع اقتراب موعد التصويت مجرّد صدفة. كما لا يمكن تجاهل تصويت الرّجوب للأمير الأردني علي بن الحسن في انتخابات رئاسة الفيفا..