سجنٌ اسمه إسرائيل

بعد أن أطلقت السلطات الإسرائيلية سراح موردخاي فعنونو عام 2004، قرّر الرجل الذي قضى 18 عاماً في السجن عقاباً على تسريبه صوراً من داخل مفاعل ديمونة النووي في صحراء النقب، أن يتحدّى قرار منعه من التحدث إلى أيّ أجنبي بإجراء مقابلة مع إذاعة أسترالية. يومها سأله المذيع: "ماذا ستفعل إذا خفّفت الإجراءات المفروضة عليك؟": "سأغادر إسرائيل فوراً إذا سمحوا لي. أريد أن أرى العالم. أمّا إذا لم
2015-09-20

شارك
إحدى الصور التي التقطها موردخاي فعنونو داخل مفاعل ديمونة

بعد أن أطلقت السلطات الإسرائيلية سراح موردخاي فعنونو عام 2004، قرّر الرجل الذي قضى 18 عاماً في السجن عقاباً على تسريبه صوراً من داخل مفاعل ديمونة النووي في صحراء النقب، أن يتحدّى قرار منعه من التحدث إلى أيّ أجنبي بإجراء مقابلة مع إذاعة أسترالية. يومها سأله المذيع: "ماذا ستفعل إذا خفّفت الإجراءات المفروضة عليك؟": "سأغادر إسرائيل فوراً إذا سمحوا لي. أريد أن أرى العالم. أمّا إذا لم يسمحوا بذلك وأتاحوا لي أن أتحدّث، فسأتحدّث كثيراً للإعلام وللناس هنا وحول العالم". لم يسمح له أن يفعل أيّاً من الشيئين، بل امتدت المحظورات لتشمل منعه من دخول أيّ قنصليّة أو سفارة ومنعه من الاقتراب من الحدود ومن دخول الضفة الغربية دون تصريح.  لكنّ الستيني الذي ولد في مراكش وغادرها في التاسعة عشر من عمره، لم يلتزم بالتوقف عن الكلام، فراح يحكي عما رأى في ديمونة، وعن مخاطر السلاح النووي الإسرائيلي وعن بؤس أن يحوز من ارتكبت بحقّهم محرقة، سلاحَ دمارٍ شامل يمكنّهم من ارتكاب إبادات جماعية. هذه الأحاديث كان يسمعها زواره في كاتدرائية القديس جاورجيوس في الناصرة، التي قرر الاحتماء بها بعد خروجه من السجن، وهو كان قد اعتنق المسيحية قبل تسريب المعلومات حسبما يؤكّد. وكلما ظهر فعنونو في  مقابلات "غير قانونية" على تلفزيونات أجنبية كان رد السلطات الإسرائيلية هو وضعه تحت الإقامة الجبرية. آخر مرة كانت قبل أيام عندما أجرى مقابلة مع القناة الإسرائيلية الثانية تحدث فيه عن حق العالم في أن يعرف ماهية النشاط النووي الإسرائيلي، وعن رغبته في مغادرة إسرائيل مع زوجته عالمة اللاهوت النرويجية، والتخلي نهائيّاً عن الجنسيّة الإسرائيلية مقابل أن يتعهّد بعدم التطرق إلى ما رأى في المكان السريّ للغاية الذي مات أثناء تأسيسه عمّال وعلماء، وطُرد من العمل فيه أناس أصيبوا بسرطانات قيل لأحدهم إنّ جيناته المغربية هي السبب، وليس التعرض لمواد مشعّة. أصول فعنونو المغربية أيضا هي واحدة من أسباب تعنّت السلطات الإسرائيلية - الشاباك خصوصاً- ورفضها إقفال قضيّته حسبما قال في مقابلته الأخيرة. وتروّج  السلطات الاسرائيلية عن فعنونو، الذي تقرّر هذه المرّة منعه من الاتصال بالإنترنت أيضاً، أنّه جاسوس، أو أنه (تارةً أخرى) موظّف طرد من عمله فأراد الانتقام. لكن، لا يوجد جاسوس آخر عاملته اسرائيل بهذا المقدار من البطش. وبالطبع، فليس ذلك ايضا مصير الموظفين الفاشلين... 
ما قاله الرجل في مقابلته الأولى وما كرره في مقابلته الأخيرة عن المضيّ بعيداً، يظهر إنّ إسرائيل، التي صُوّرت لليهود كجنة موعودة طال انتظارها، صارت مع الوقت سجناً يحاول البعض الفكاك منه. هناك امثلة أخرى، أقل حساسية مما مسه فعنونو، كحال بعض الناجين من المحرقة (ممن يفترض ان اسرائيل قامت باسمهم، ولو أن الوقائع التاريخية وتتابعها الزمني يدحض ذلك)، امضوا حياتهم في بؤس مريع (حتى وهم طاعنون في السن) لأنهم لم يكونوا "نافعين" للمشروع، أو لأنهم كانوا مناهضين له... 

 

للكاتب نفسه

الفلسطينيون في لبنان وحقّ العمل

ربيع مصطفى 2019-07-21

علاوة على التوظيف السياسوي الطائفي على المستوى الداخلي، يأتي المس بحق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان متزامناً مع محاولات جاريد كوشنر تفعيل "صفقة القرن"، وهي التي تصطدم بعقبات من أهمها...