يكشف تضارب الأرقام الرسمية الصادرة عن "المركز الوطني للمعلومات" حول طول الشريط الساحلي لليمن عن طبيعة التعاطي الرسمي مع جغرافيا الماء للبلد المفتوح على بحرين ومحيط ومضيق وخليج و17 ميناء، بينها ستة موانئ دولية.
دراسة حديثة نشرت مطلع آب/ أغسطس 2021 للباحث هشام ناجي خلصت إلى أن 600 كلم هي "رقم فاقد" من إجمالي طول الساحل اليمني المتعرج الذي حدده الباحث بدقة، معتمدا تقنيات القياس الحديثة، قائلاً أنه 2252 كلم.
طول الساحل في الأرقام الرسمية كما عدد الجزر اليمنية، كلاهما لا يرسو على رقم دقيق، وخضعا لتقديرات المد والجزر السياسي في مسطرة دولة لا تبرح اهتماماتها حدود اليابسة، ولا يقترب رجالات حكوماتها المتعاقبة من الساحل إلا في مواسم الصيف السياحية، كلما قرس البرد في العاصمة صنعاء جلودهم الناعمة.
من الغرب سمك ومن الجنوب سمك
تقدر مساحة اليمن البحري الخالص ب 550 ألف كيلومتر مربع تقريبا، وهي مساحة تقارب حجم اليمن البري على اليابسة الذي تقدر مساحته ب 555000 كلم مربع.
وتتموضع مئة وعشرات الجزر اليمنية على فارق المساحة الضئيل بين اليمن البحري واليمن البري، كشوكة الميزان وكمعادل طوبوغرافي بين مساحة الماء إلى اليابسة، كون الجزيرة أرضاً برمائية.
وأيما بلد يتجسد جسمه الجغرافي في تضاريس كهذه فهي عبقرية الطبيعة، ويرتبط مصيره جذرياً بقدَره الجغرافي. أي أن عامل الجغرافيا مهم وأساسي في تشكيل الشخصية السياسية للدولة، وما إذا كانت برية أو بحرية أو كلاهما ("دولة برمائية").
ومتى ما توافر السمك على جهتين رئيسيتين من ضفاف البلد فلا خيارات بين الشخصيات الثلاث، إلا أن يكون دولة بحرية وفقا لقوانين المكان الحاسمة. واليمن بمساحته البحرية الهائلة يملك ثروة سمكية يفوق حجم عوائدها في الدخل القومي - فيما لو استثمرت البلد موارد البحر وثروته السمكية - كل هبات الحقول النفطية المكتشفة وغير المكتشفة.
اليمن.. فنتازيا الطبيعة
في الشكل الخارجي لشخصيتها على الخريطة، تبدو اليمن دولة مستطيلة، على هيئة كائن أسطوري يربض على بحرين وتنبسط قامته على عرين اليابسة.
يظهر الكائن الذي كلما أمعنت النظر فيه، كأسد جريح داخل لوحة فنتازية لفنان تشكيلي أسطوري أيضاً.
تقدّر مساحة اليمن البحري الخالص ب 550 ألف كيلومتر مربع تقريباً، وهي مساحة تقارب حجم اليمن البري على اليابسة التي تقدّر ب 555000 كلم مربع. وتتموضع مئة وعشرات الجزر اليمنية على فارق المساحة الضئيل بين اليمن البحري واليمن البري، كشوكة الميزان. إنها عبقرية الطبيعة! وعامل الجغرافيا مهم وأساسي في تشكيل الشخصية السياسية للدولة.
يملك اليمن بمساحته البحرية الهائلة، ثروة سمكية يفوق حجم عوائدها في الدخل القومي - فيما لو استثمرت البلد موارد البحر وثروته السمكية - كل هبات الحقول النفطية المكتشفة وغير المكتشفة. ولم تملك اليمن على مدى تاريخها أسطولاً بحرياً، وإلى الآن ما يزال المقر الرئيسي لوزارة الثروة السمكية في صنعاء (7382 قدماً عن سطح البحر)، العاصمة التاريخية لليمن.
من الجهة الشمالية مع الحدود السعودية، يظهر الأسد اليمني الجريح مقصوم الظهر حيث تنغرس خطوط الخريطة السعودية كطعنة نصل في جسده، داخل ما كان يشكل صهوته.
يمكننا الآن تجلية الصورة بالعثور على تفسير واقعي داخل اللوحة الفنتازية للأسد الجريح، الذي يبدو برأس كسيف في الركن الجنوبي الغربي لشبه جزيرة العرب، وكأنه يسنده على جذع باب المندب، ويشاهد القرن الأفريقى لأول مرة.
ثمة زاوية في مدى الرؤية البحرية لأسد اليابسة، ربما تستبصر الخلل التاريخي في شخصية الدولة اليمنية التي تعيش وتندثر على اليابسة.. ومن البحر المهمول تنسل جحافل الغزاة والمحتلين ولصوص الجغرافيا ومطامع الأعداء والغرباء.
أما في الجنوب الشرقي من الاسد فثمة سلطنة عمان، حيث يظهر جسده المستطيل مقطوع الذيل بتاتاً.
ليست جزيرة ارخبيل سقطرى سوى ذلك الجزء المصروم من جسد الأسد المغدور، عائماً في خضم أمواج المطامع الإقليمية والعالمية وحسد الجيران. ومتى ما وثب ملك الغابة العربية من عرينه، سيعي الأغبياء درساً تاريخياً من إلياذة اليمن العتيد عن "قصاص الطبيعة" و"ثأر الجغرافيا" وقصة للأطفال عن "رقصة الثعالب الماكرة وغضبة الضيغم الحليم".
لعنة الهروب إلى الجبل
عرفت اليمن شكل الدولة النظامية مبكراً من مهد الأرض وحضارات ما قبل التاريخ والميلاد.
واختبرت الدولة اليمنية التاريخية، من عهد مملكة سبأ الشوروية (800 ق.م الى 275 م.)، إلى الجمهورية اليمنية كل أنماط الحكم السياسي تقريباً، لكن لا وجود لدولة بحرية واحدة في التاريخ اليمني القديم والحديث.
لا تخلو وضعية الأسد اليمني، برأسه الرابض باتجاه باب المندب، من ظلال تراجيدية لفنتازيا الصورة وشخصية اليمن الطبيعية. إنه باب الحِداد، باب المندب وندب الموتى. فأسماء الأماكن تعلل ولا تنشأ عن فراغ. وقد عزا مؤرخون التسمية إلى مأتمية الهزائم التي تجرعتها الحملات العسكرية الحبشية في مضيق البحر الأحمر.
كل الدول كانت برية، وأقامت عواصمها المركزية في المرتفعات والهضاب والصحارى والوديان، بعيداً عن البحر.
وحين اقتربت بعض العواصم من البحر ظلت أقرب إلى مصب الوادي منه إلى الساحل، وأسندت ظهرها إلى الجبل ليعصمها من الماء وغزوات البحر ورائحة الميناء.
لم تملك اليمن على مدى تاريخها أسطولاً بحرياً، وإلى الآن ما يزال المقر الرئيسي لوزارة الثروة السمكية في صنعاء (7382 قدما عن مستوى سطح البحر ) كما تعد صنعاء عاصمة تاريخية لليمن، وللبحر رب يحميه.
باب الحِداد
لا تخلو وضعية الأسد اليمني، برأسه الرابض باتجاه باب المندب، من ظلال تراجيدية لفنتازية الصورة وشخصية اليمن الطبيعية.
إنه باب الحِداد، باب المندب وندب الموتى، كما يؤصل المؤرخ اليمني الموسوعي أبو محمد الحسن الهمداني (893/ 945) كرونولوجيا الاسم والجذر اللغوي للتسمية ، فأسماء الأماكن تعلل ولا تنشأ عن فراغ.
تزوير وتكفير الآثار اليمنية!
04-11-2021
ورد ذكره لأول مرة في نقش حميري باسم "حصن المندب"، وعزا مؤرخون التسمية إلى مأتمية الهزائم التي تجرعتها الحملات العسكرية الحبشية في مضيق البحر الأحمر.. كنت لا تسمع في أكسوم وكل بلاد الحبشة إلا نواح الباكين على الأحبة الراحلين، ففي كل بيت سردقة عزاء تندب موتاها، والأرض السمراء مأتم جنائزي عظيم.
وباب المندب إما لك أو عليك.. من يملك مفتاحه حكم العالم، ومن لا يملك حكمه العالم. وهكذا بدا لي في اللوحة أن الأسد يستوقن هذه الحقيقة بجدية، عازما النية على أن يقبض في مخالبه مفتاح الباب الثمين.
مفتاح باب اليمن الدولي الخارج على رحابة الحياة وآفاق العالم، أو على الموت العميم والمآتم اليومية في البرية المحلية إن ضاع المفتاح من يد مالك الباب، في بلد حرره البحرعلى مجاله الخارجي، لكنه أبى إلا أن يظل داخلياً حبيس اليابسة وأسير الجبل.
دولة محلية داخلية فحسب!
والآن؟! ليس على ملك الغابة العربية إلا أن يسبح في الماء، لا أن يركض على متاهات الرمال وبين دروب الجبال..
هذا قدره الجغرافي وجوداً ومصيراً، وتلك حتمية جغرافية لعبقرية المكان في اليمن البحري، لا البري.
يمن الماء المالح، الذي يملك مفتاح الدنيا وجزر الكنز السحري والحبل السري للكرة الأرضية.