العلاج بالضرب!

"كنّا نقضي ساعات اليوم كلّها محتَجَزين في حجرة. المرحاض كان داخل الحجرة أيضاً. كان عددنا 45". هذه الجملة ليست آتية من مذكّرات معتقَل سابق، بل هي شهادة شابٍّ من أرض الصومال كان مصاباً بمرض عقليّ فأرغمه أهله على دخول أحد "المصحّات". يفترض أنّ هذه المصحّات هي البديل عن الشيوخ والرقي وعن التشرد أو العيش مع عائلاتٍ لا تملك من المعرفة ما يمكّنها من التعامل مع أبنائها الذين تدهورت
2015-12-17

شارك

"كنّا نقضي ساعات اليوم كلّها محتَجَزين في حجرة. المرحاض كان داخل الحجرة أيضاً. كان عددنا 45". هذه الجملة ليست آتية من مذكّرات معتقَل سابق، بل هي شهادة شابٍّ من أرض الصومال كان مصاباً بمرض عقليّ فأرغمه أهله على دخول أحد "المصحّات". يفترض أنّ هذه المصحّات هي البديل عن الشيوخ والرقي وعن التشرد أو العيش مع عائلاتٍ لا تملك من المعرفة ما يمكّنها من التعامل مع أبنائها الذين تدهورت صحتهم العقلية، وتفاقم حالهم الظروف الاجتماعية القاسية والحروب الأهليّة المتلاحقة التي يظهر أن المقاتلين فيها هم الأكثر عرضة للمرض العقلي. لكنّ بديل المصحة ليس أفضل أبداً.
يشير تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر مؤخراً حول معاملة المرضى عقلياً في صوماليلاند إلى أنّ هناك طبيبين نفسيين فقط في الإقليم (أو الدولة غير المعترف بها دولياً) الذي يبلغ عدد سكانه 3.5 مليون نسمة. هذا قد يفسّر المعاملة السيئة في أغلب "المصحّات" الحكومية والخاصة التي يدخلها معظم المرضى من دون إرادتهم، ويُضربون فيها ويُهانون عند رفضهم تناول الأدوية التي تعطى لهم دون أن يقدّم لهم تشخيص لحالتهم، هذا علاوة على كونهم يمضون وقتهم داخل الحجرات مقيّدين بسلاسل حديدية!
شهدت تسعينيات القرن الماضي انهيار القطاع الصحي في صوماليلاند نتيجة مقتل أو فرار كثيرٍ من العاملين فيه ودمار المستشفيات والمراكز الصحية، وهذا ما جعل الاعتماد الأكبر في هذا القطاع على المساعدات من منظمات دولية، خاصة أنّ حكومة صوماليلاند لا تخصّص أكثر من 4 في المئة من ميزانياتها السنوية للصحّة. الاتفاق بين هذه الحكومة ومنظمة الصحة العالمية على الالتفات إلى أمر الصحة النفسية سيكون صعب التنفيذ وإن كان ملحّاً جداً، إذ إنّ الصور المقبلة من داخل المصحات الحالية مؤلمة. هذه صور أشخاصٍ تلتف السلاسل حول أرجلهم وهم مستلقون على فرش مقرفة في حجرات تأكلها الرطوبة. عنوان تقرير منظمة الصحة العالمية هو "مقيّدون كأنهم سجناء". وبعيداً عن كون السجناء لا يجب أن يُعاملوا أصلاً هكذا، فيجب أنّ نفرّق بالقول إنّ من يصل إلى مرحلة يحتاج فيها إلى مصحٍّ عقلي هو إنسانٌ بلغ أقصى درجات الهشاشة، وهو لهذا بحاجة إلى أقصى درجات الرعاية والاحتضان، وليس العكس.


وسوم: العدد 173

للكاتب نفسه

الفلسطينيون في لبنان وحقّ العمل

ربيع مصطفى 2019-07-21

علاوة على التوظيف السياسوي الطائفي على المستوى الداخلي، يأتي المس بحق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان متزامناً مع محاولات جاريد كوشنر تفعيل "صفقة القرن"، وهي التي تصطدم بعقبات من أهمها...