في الرّابع عشر من آذار/مارس الجاري، انحرف قطار ركّاب متّجهٌ من أسوان إلى القاهرة عن مساره في منطقة الحوامديّة مسبّباً وفاة أربعة أشخاص وإصابة آخرين. قد يبدو موت أربعة أشخاصٍ "فقط" أمراً عاديّاً بالنّسبة لمتتبّعي شؤون النقل بالقطارات في مصر، لكنّ ما حدث في محطّة الحوامديّة، نجم، وفق مصدرٍ أمنيّ، عن اقتحام ملثّمين لغرفة التحكم في المحطّة وتهديدهم الشخص المسؤول عن توجيه القطار فيها، زما حدث، يخرج لمرة عن تقاليد حوادث سكك الحديد الكثيرة والمأساوية. في تشرين الثّاني/ نوفمبر عام 2013 أدّى اصطدام قطار بسيّارتين عند تقاطع في دهشور إلى مقتل 24 شخصاً. قبل ذلك بأحد عشر شهراً أودى انحراف قطار حربيّ عن سكّته في منطقة البدرشين (القريبة من الحوامديّة) بأرواح تسعة عشر مجنّداً، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2012 اصطدم قطار متّجه من أسيوط إلى المنيا بحافلة مدرسيّة في قرية المندرة، ما أدّى إلى وفاة 44 تلميذاً وثلاثة من ركّاب القطار، لم تستطع أن تنجدهم فرق الإسعاف الّتي حضرت إلى المكان دون تجهيزاتٍ كافية.
لكن تبقى حادثة "قطر الصعيد" الّتي وقعت عام 2002 الافظع. ذلك العام اندلع حريقٌ في العربة الأخيرة من القطار 832 المتّجه من القاهرة إلى أسوان، وامتدّ إلى سبع مقطوراتٍ أخرى. فقد السائق السّيطرة، فتقدّم القطار المحترق تسعة كيلومترات. الحصيلة النّهائيّة كانت 361 قتيلاً. السّبب؟ احتراق موقد في بوفيه إحدى العربات في القطار، حسبما صرّح حينها رئيس مجلس الوزراء عاطف عبيد الّذي أقال وزير النقل والمواصلات ابراهيم الدّميري. رافقت الإقالة إحالة 11 من مسؤولي السّكة الحديد إلى المحاكمة بتهمة الإهمال، لكنّهم بُرِّئوا جميعاً من التّهمة وخرجوا "كالشّعرة من العجين". الطّامة الكبرى هي أنّ ابراهيم الدّميري، بشحمه ولحمه، عاد وزيراً للنقل عندما شكّل حازم الببلاوي حكومته الانتقاليّة في تمّوز/ يوليو 2013!
لا نتطرق الى حوادث السير بالحافلات، وكل يومين تسقط واحدة في ترعة او حفرة، وتحدث اصطدامات قاتلة بينها بسبب تهالك شبكة الطرق، ولا نتطرق الى كارثة النقل النهري وغرق العبارات.. نكتفي بما سلبته حوادث القطارات من أرواح ( 1547 في العشرين عاماً الماضية). شبكة سكك حديد كانت عند إنشائها عام 1851 الأولى في العالم العربي والثّانية في العالم. طول هذه الشّبكة يبلغ اليوم 9400 كيلومتر وهي تتشكّل من 43 خطّاً رئيسيّا وفرعيا، وتصل إلى معظم المناطق المصريّة. لكنّ التحسينات الّتي خضعت لها منذ تأسيسها كانت في معظمها شكليّة شملت مؤخّراً تحديث محطّة مصر وإغراقها.. بالمحلات التجارية! لم يجرِ التعامل مع تهالك الشّبكة ولا مع مخاطر المزلقانات (التقاطعات) الّتي تقع غالباً في مناطق تعبرها الحافلات والسّيارات. يذكر أنّ الشّبكة أغلقت بالكامل في تشرين الأوّل/أكتوبر 2013 بسبب المخاطر الأمنيّة وهي تعمل الآن بنسبة 90 في المئة في الوجه البحري و80 في المئة في الوجه القبلي. يضاف إلى قدم الشبكة والقطارات وعدم مراعاة امان السير أن العاملين في هذا القطاع يعملون بأجورٍ منخفضة وينقص العديد منهم التأهيل. أليست شبكة القطارات، وهي اكثر وسائل النقل شعبية، أولوية قبل مشاريع لا أحد يعلم من تخدم، من قبيل تلك التي تناولها مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الأخير؟؟
