"أنا، مخرج فيلم (.....)، أعتبر نفسي مبدعاً إسرائيليّاً وأعتبر ما أقدّمه إبداعاً إسرائيليّاً". تفتتح هذه العبارة إقراراً سيكون على أيّ مخرجٍ سينمائيّ يحصل على دعم ماليّ من مؤسسّة "يهوشاع رابينوفيتش" الإسرائيليّة التّوقيع عليه من الآن فصاعداً. هذا الشّرط المستجدّ يأتي بعد الجدل الّذي أثارته المخرجة الفلسطينيّة سهى عرّاف، العام الفائت، عندما رفضت التّعريف عن فيلمها ("فيلا توما") في المهرجانات السّينمائيّة الدّوليّة الّتي شارك فيها (البندقية وتورونتو مثلاً) كفيلم إسرائيلي، وأصرّت على فلسطينيّته، على الرغم من أنّ تمويله جاء من ثلاث مؤسّسات إسرائيليّة هي صندوق دعم السّينما ووزارة الاقتصاد واليانصيب الإسرائيلي. اعتبرت عرّاف أنّ أيّ نتاجٍ ثقافيّ يحمل هويّة صاحبه لا هويّة المال الّذي أُنفق عليه. وهنا أسّ المشكلة وأساسها. الإسرائيليون يحاولون بكلّ الوسائل طمس الهويّة الفلسطينيّة في أراضي 48، وفي كلّ مكان من هذا العالم، وهم يفضّلون وصف "عرب إسرائيل" على أي وصف آخر، كـ "فلسطينيّي 48" الّذي يربط الحيفاويّين والعكيّين بالقدسيّين والغزيّين وباللّاجئين المبعثرين في بقاع الأرض.
في النّهاية، ذهبت المخرجة نحو تسجيل فيلمها في المهرجانات "بلا وطن" تجنّباً لتسمية "الإسرائيلي - الفلسطيني" البغيضة. موقفها هذا – وإن بدا فيه تراجعٌ ما - لم يرق لصانعي الدّعاية الصّهيونيّة الّذين يحاولون إظهار إسرائيل في مظهر الدّولة الديموقراطية التي تتيح لجميع "أبنائها" التّعبير عن وجهات نظرهم حتّى وإن تعارضت مع وجهة النّظر الرّسميّة، فشنّوا هجمةً شرسة عليها وصلت حدّ مطالبة وزيرة الشّباب والرّياضة ليمور ليفنات لها بإعادة الأموال الّتي أخذتها (580 ألف دولار). لكنْ بعيداً عن استعراض ردود الفعل الإسرائيليّة – غير المستغربة - لا بدّ من طرح هذا السّؤال: ما الّذي يجعل فنّانة فلسطينيّة تدافع بقوّة عن هويّتها وهويّة فيلمها، تأخذ له تمويلاً من مؤسّسات إسرائيليّة في الأصل؟ تجيب عرّاف على هذا التّساؤل بالقول إنّها في البداية حاولت الحصول على دعم لفيلمها من صناديق أفلام عربيّة وأوروبيّة، لكنّها لم تفلح. وهي تثير مشكلة مليون ونصف المليون من فلسطينيّي 48 يدفعون ضرائب لدولة إسرائيل، ومن حقّهم استعادة هذه الضّرائب متى حانت لهم الفرصة لفعل ذلك. ولكن الإشكالية كلها تقع هنا، وهي تخص مختلف أوضاع فلسطينيي 48 وليس صناعة السينما فحسب، وتتعلق بفكرة أنهم "مواطنون"، وواقع أن لديهم هوية أخرى، وهي مضادة وهم يتمسكون بها.
يصحّ هنا استحضار موقف حملة مقاطعة داعمي إسرائيل الّتي أصدرت العام 2006 بياناً وقّع عليه فنّانون فلسطينيّون وإسرائيليّون يدعو إلى مقاطعة المهرجانات السينمائيّة الإسرائيليّة والمؤسّسات الإسرائيليّة الّتي تدعمها الحكومة. أعضاء الحملة في أراضي 48، وإن كانوا يدعمون قرار سهى في عدم تمثيل إسرائيل دوليّاً، إلّا أنهم يرون أن المواجهة الثّقافيّة للمشاريع الصّهيونيّة لا يمكن أنْ تمرّ بحالٍ من الأحوال عبر الحصول على أموال إسرائيليّة.
ما الحلّ إذن للتخلّص من هذا الوضع؟ لعلّه يكون في التّوجّه نحو مبادرات التّمويل الجماعي أو في إنشاء صندوق فلسطيني لدعم السينما داخل أراضي 48 يساهم في تحرير صانعي الأفلام هناك من القبضة الإسرائيليّة حتّى لا نضطر في المستقبل إلى رؤية شعار وزارة يتولّاها مجرمٌ كنفتالي بينيت (وزير الاقتصاد الحاليّ) على ملصقات أفلام المخرجين الفلسطينيين. إن كان هذا يبدو حلماً فلا شيء يشبه الأحلام مثل السّينما.