"فلسطين زي الجنة، فش فيها شغل"!

تختصر تلك العبارة الساخرة التي كتبت على جدار إحدى المدن الضفاوية، وانتشرت منذ سنتين على فيسبوك، معضلة ارتفاع معدلات البطالة في فلسطين، وانعدام فرص العمل للمتخرجين. في الطرف الآخر من هذه الصورة، تكرر المؤسسات الدولية غير الحكومية، وكذلك الأهلية، والسلطة الفلسطينية، أنّه يجب التركيز على الشباب في التعليم والعمل اللائق. وهذا "وفاء" لخطاب تنموي عالمي. في العام 2009، طورت وزارتا
2015-08-05

ياسمين صالح

باحثة من فلسطين


شارك

تختصر تلك العبارة الساخرة التي كتبت على جدار إحدى المدن الضفاوية، وانتشرت منذ سنتين على فيسبوك، معضلة ارتفاع معدلات البطالة في فلسطين، وانعدام فرص العمل للمتخرجين. في الطرف الآخر من هذه الصورة، تكرر المؤسسات الدولية غير الحكومية، وكذلك الأهلية، والسلطة الفلسطينية، أنّه يجب التركيز على الشباب في التعليم والعمل اللائق. وهذا "وفاء" لخطاب تنموي عالمي.
في العام 2009، طورت وزارتا العمل والتعليم العالي في السلطة الفلسطينية برنامجاً للتعليم المهني من خلال مراجعة إستراتيجية التعليم والتدريب المهني التي كانت اعتمدت قبل ذلك بعقد كامل. وفي الاستراتيجية الجديدة، تمَّ التركيز على هدف "القضاء على الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعلى ضرورة العمل على تطوير كل من نظام التعليم والتدريب المهني والتقني، وتطوير المؤسسات والمدربين، وتطوير الموارد البشرية بشكل دائم". إلا أن هناك مشاكل بنيوية في التعليم المهني الفلسطيني المقرر الذي يأتي بديلاً للتعليم الرسمي. فهناك مراكز تعليم تقدم دورات تدريبية تزيد مدتها عن ستة أشهر، ودورات تدريبية لا تتجاوز مدتها 400 ساعة تدريبية. وهناك بعض مراكز التدريب المهني التابعة لوزارتي العمل والتربية والتعليم العالي تقدم دورات تدريبية لمدة سنتين، وعددها 18 كلية في الضفة الغربية. فتفاوت مدد التعليم وقصرها أحياناً يقللان من كفاءة المتخرجين الداخلين إلى سوق العمل، علاوة على ما يتخرج من الطلاب بناء على مناهج التعليم التقني: محدودية في الكفاءة المهاراتية بالمواضيع المطروحة.
المشكلة الثانية هي قلة عدد متخرجي التعليم المهني والتقني مقارنة بمتخرجي التعليم العالي، بينما الأول مؤهلون لإيجاد عمل أكثر من متخرجي التعليم العالي الرسمي (كونهم يتلقون التدريب العملي بنسبة 70 في المئة من دراستهم. ففي العام 2014، كان عدد المتخرجين من كل مؤسسات التعليم والتدريب المهني والتقني في الضفة الغربية 6790 متخرجاً من الذكور و6602 متخرجة. فما زال التعليم المهني في نظر الغالبية من الشباب وأهاليهم لا يرقى الى مستوى التعليم الرسمي للحصول على الشهادة الأكاديمية وتحسين المستوى الاجتماعي والسمعة بشكل عام. كما أن التعليم المهني يعتبر ملجأ أخيراً لمن فشل في امتحانات التوجيهي العامة، ولمن لا أمل له / لها بالدخول إلى جامعة رسمية. إضافة الى ذلك، فالتخصصات والتدريبات التي تقدم تستهدف الذكور بالأساس. فمن بين 11 مؤسسة تابعة لوزارة التربية والتعليم العالي، يوجد لديها 22 تخصصا كليا، تتوزع بالأساس على التخصص الصناعي، فهناك تخصصان للفندقي، تخصصان للزراعي، واثنان اقتصاد منزلي. هناك 6 مؤسسات تابعة لها تحوي تخصصات للإناث تندرج في قطاع الخدمات بالأساس. بينما بلغت أعداد المؤسسات التابعة لوزارة العمل 8، ولديها 19 تخصصا كليا منها 9 مؤسسات تحوي تخصصات للإناث.
ثلثا التخصّصات في مراكز التعليم التقني مخصصة للذكور. بينما تتركز التخصصات التي تقدم للإناث في مجالات محدودة ومؤنثة مثل الخدمات الشخصية (تجميل/ خياطة / الحرف اليدوية) والتصوير/ التصميم الجرافيكي/ صيانة الحاسوب. ونسب البطالة بين الإناث تتركز في تخصصات "الخدمات الشخصية" حيث بلغت نسبتها عام 2013 في الضفة الغربية 52.5 في المئة بين الإناث من اللّواتي تتخرجن من معاهد التعليم التقني فقط. من ناحية أخرى، تركز التخصصات التي تقدمها مؤسسات التعليم المهني للذكور على الحاجات اليومية للمجتمع (الحدادة واللّحام/ الخراطة/ الكهرباء والتمديدات الكهربائية/ ميكانيك سيارات/ التبريد والتكييف/ الالكترونيات الصناعية ...). كما أن نسبة المتخرجين الذكور من المراكز الخاصة المرخصة من قبل وزارتي التربية والتعليم العالي ووزارة العمل أعلى من متخرجي المعهد التابع لوكالة الغوث وكليات المجتمع والمؤسسات الأهلية الأخرى.
العمل اللائق وآليات الصمود
على الرغم من إتباع المنظومة الفلسطينية ( بشقيها الحكومي والأهلي)، وتلك الدولية، لاستراتيجيات تنموية تشغيلية تستهدف الشباب الفلسطيني، إلا أن ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب مع ارتفاع معدلات التعليم بين النساء يدل على وجود فجوات في استقطاب الفئات الاجتماعية المطروحة. ولهل هناك ضرورة لـ "تسويق" نفسها بطريقة أخرى. فبدلا من استهداف الشباب بحثهم على الترويج لأنفسهم في البحث عن عمل - لا يناسب مهاراتهم ولا اهتماماتهم ـ ربما ينبغي على المؤسسات كلها التخطيط للاستكشاف المسبق والدائم لأعمال ملائمة للشباب تستجيب لمتطلبات سوق العمل وتعزز في الوقت نفسه آليات الصمود والمقاومة. وهناك مثال متمثل بمبادرة شراكة بين شابين فلسطينيين في الضفة المحتلة انشآ "مختبرا لزراعة الفطر العضوي" في مدينة أريحا. أحد الشابين تخرج من جامعة أردنية واشتغل لمدة من الزمن في إحدى المؤسسات الدولية، التي كانت تعطيه مرتبا عاليا بالمقارنة مع المتوفر في سوق العمل الفلسطيني. إلا أنّه ملَّ من "كتابة التقارير" الشائع في ذلك النوع من العمل. فراح يدرس مادة الفيزياء وتبع دورات تعليم تقني ومهني في الهند حول مبادئ الزراعة العضوية، واطلع على مبادئ باولو فريري عن ثقافة المقهورين. ثم بدأ بمشروع زراعة الفطر الفلسطيني بأيدٍ عاملة فلسطينية قوامها 15 فتاة من مخيمات اللجوء في أريحا، كن تعملن في المستوطنات الإسرائيلية. تمزج هذه المبادرة بين التعليم الرسمي والتعليم التقني - المهني، بالإضافة إلى طموحها في منافسة المنتج الاسرائيلي في السوق الفلسطينية وإيجاد بديل له. كما أنّ استعادة العاملات الفلسطينيات من المستوطنات الإسرائيلية هو كما يقال: "ضرب عصفورين بحجر واحد"، من خلال تنفيذ ما قالت السلطة إنّها ستقوم به، أي إيجاد عمل بديل للعاملين في المستوطنات (حيث بلغ عدد العاملين في المستوطنات في الضفة ٢٤٢٠٠ عامل حسب إحصاءات 2014، وعدد العاملين من الضفة في إسرائيل 87100.)
 

للكاتب نفسه

مشاركة سياسية أم مسرح للانقسام؟

من خلال المشاركة السياسية في مجالس طلبة بعض جامعات الضفة الغربية، مثل جامعة النجاح الوطنية في نابلس، يمكن الاستدلال على واقع الانقسام السياسي الفلسطيني وعلى الأزمات المالية المزمنة للسلطة الفلسطينية....

أناشيد حركة حماس

تطوّرت حماس من حركة على صلة بالإخوان المسلمين، منغلقة على نفسها، الى حركة وطنية فلسطينية مقاوِمة ذات شعبية متزايدة في كلٍ من الضفة الغربية وقطاع غزة. من الأسباب الأساسية لتنامي...