حملة "الجدران تتذكر وجوههم" كشفت تآمر.. الشركاء

في منتصف العام 2012، دشن الفنان مراد سبيع أول حملة للغرافيتي في اليمن، وكانت الحرب لم تضع أوزارها من شوارع العاصمة صنعاء، المقسمة إلى أكثر من بؤرة عسكرية. ولذا استهدفت الحملة تلوين الجدران في نقاط التماس بين "الإخوة الأعداء"، مثل شوارع "كنتاكي" و "الحصبة" و "الستين" و "جولة الرويشان"، وهي وسط العاصمة. وظهرت الصور الأولى صادمة، حيث نزل
2015-01-21

ريان الشيباني

كاتب وفنان تشكيلي من اليمن


شارك
| en
من حملة "الجدران تتذكر وجوههم"

في منتصف العام 2012، دشن الفنان مراد سبيع أول حملة للغرافيتي في اليمن، وكانت الحرب لم تضع أوزارها من شوارع العاصمة صنعاء، المقسمة إلى أكثر من بؤرة عسكرية. ولذا استهدفت الحملة تلوين الجدران في نقاط التماس بين "الإخوة الأعداء"، مثل شوارع "كنتاكي" و "الحصبة" و "الستين" و "جولة الرويشان"، وهي وسط العاصمة. وظهرت الصور الأولى صادمة، حيث نزل الجنود والمسلحون للرسم مع الشباب، بل وتباطأت حركة المرور السيَّارة لأن العائلات توقفت لمشاهدة الألوان الزاهية، وأطل الأطفال من نوافذ السيارات، في حالة احتفال وبهجة قلت مشاهدتها خلال العام الذي سبق.
ولا زلت أتذكر تعليقات أصدقاء من سوريا، وهم يذكرون تلك الرسوم ويعتدَّون بها كدليل على حالة التعايش والسلام التي ابتدأها متطوعون خارج الدائرة الرسمية، بعد أيام قليلة من الحروب الطاحنة التي لونت تلك الجدران بصور مروعة من الدماء والدمار.. ومع ذلك، كشفت الحملات المتتابعة لفن الغرافيتي، والتي ابتدأت بحملة للرسم الحر، ولم تنته عند الحملات الحقوقية المنظمة، عن تباينات وفجوات داخل منظومة الثورة.
فبعد وقت قصير من حملة "الجدران تتذكر وجوههم"، التي تلت حملة "لوِّن جدار شارعك"، وكانت الثورة لم تزل مخيِّمة في الشوارع، جرى طمس منظم لوجوه المخفيين قسرياً الذين استحضرتهم الحملة الغرافيتية. ففي شارعي "الستين الغربي" والشوارع المحيطة بالجامعة الجديدة والقديمة، والتي كانت تقع ضمن شوارع "ساحة التغيير" التي انتفضت ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، تعرضت بعض صور المخفيين للطمس.
برزت بجلاء أمور عدة، منها مدى تورط قادة انضموا للثورة في عملية الإخفاء القسري أثناء وجودهم كجزء من آلة النظام السابق القمعية، خاصة أن بعض القادة المنضمين كانوا موضع اتهام سابق من قبل الثوار أنفسهم، باعتبارهم اليد الدموية للنظام، إلى جانب أن قادة في بعض أحزاب المعارضة تورطوا أيضاً في مسألة الإخفاء والتعذيب القسريين في البلاد بحكم قربهم من النظام السابق، وعملهم في أجهزة الاستخبارات سيئة الصيت.
في "شارع الستين"، موّل الجنرال المنضم للثورة، علي محسن الأحمر، والمتهم بكونه يد نظام صالح الدموية، حملة مشابهة لحملة المخفيين قسرياً. فالجنرال بدا منزعجاً من حملة "الجدران تتذكر وجوههم" الثورية، والتي رحبت بها المكونات السياسية والثورية في البلاد، فعملت حملة الغرافيتي التي موّلها على الرسم فوق لوحات الجزء الأكبر من حملة المخفيين، هذا إلى جانب تعرض بعض وجوه المخفيين في شوارع الجامعة الجديدة والقديمة لطمس أعين أصحابها، بشكل مقصود وبانتقاء وعناية. وخيّل إلي وأنا أرى الصور المطموسة، بأن أحدهم تسرب ليلاً إلى هذه الصور وأراد إعماء نظر أصحابها، خاصة أنها تمركزت على مداخل ومخارج هؤلاء القادة السياسيين.. الذين شعروا ربما بأن ضحاياهم يحدقون في وجوههم..فقلقوا واقتلعوا العيون! وقد طمست ناصية بعض الوجوه اعتقاداً من الفاعل أنه يطمس العينين، ما يحملني على الاعتقاد بأن الفعل وقع ليلاً، تحت جنح الظلام.
يجب الإشارة هنا إلى أن بعض المخفيين قسرياً غيّبوا خلال الـ33 عاماً من حكم صالح، ولا يزال الفاعلون، فاعلين أساسيين في المشهد السياسي اليمني حتى الوقت الحالي. الصور التي رسمت على الجدران المقابلة لمنزل الرئيس السابق صالح تعرضت لطمس كامل، وبشكل جريء، وبما يشكل دليلا على وقوف ذلك النظام وراء الأمر، وبدون أي وجل.
تأثير حملة "الجدران تتذكر وجوههم" تثبت أن حملة الغرافيتي، التي قوبلت بداية باستهانة من الجميع، عادت ففرضت شكلاً آخر من الحقائق، حتى لدى الثوار أنفسهم، وكشفت جزءاً من الآلة القمعية التي تذرعت بالانضمام للثورة للإبقاء على مصالحها، فيما كانت الآلة الإعلامية للثورة تمجد هؤلاء القمعيين وترفع من قدرهم.

من ملف  "سنة رابعة ثورة"

مقالات من اليمن

للكاتب نفسه