ربيع الجريمة في الربيع اليمني

يتصاعد باستمرار منذ العام 2011 مؤشر الجريمة السياسية والجنائية في اليمن، فقد وصلت العمليات الإرهابية مرحلة غير مسبوقة بل اتسعت رقعة الضحايا لتصل إلى المستشفيات (كما حدث في مستشفى الدفاع بصنعاء كانون الأول/ ديسمبر 2013) وطالبات المدارس (كما جرى لـ 16 تلميذة سقطن بتفجير انتحاري وهنّ على متن الحافلة في طريق عودتهن إلى المنازل في ديسمبر 2014 بمدينة رداع وسط اليمن). وسقط آلاف القتلى والجرحى في حروب
2015-01-18

توفيق الجند

كاتب صحافي من اليمن


شارك
| en
(من الانترنت)

يتصاعد باستمرار منذ العام 2011 مؤشر الجريمة السياسية والجنائية في اليمن، فقد وصلت العمليات الإرهابية مرحلة غير مسبوقة بل اتسعت رقعة الضحايا لتصل إلى المستشفيات (كما حدث في مستشفى الدفاع بصنعاء كانون الأول/ ديسمبر 2013) وطالبات المدارس (كما جرى لـ 16 تلميذة سقطن بتفجير انتحاري وهنّ على متن الحافلة في طريق عودتهن إلى المنازل في ديسمبر 2014 بمدينة رداع وسط اليمن). وسقط آلاف القتلى والجرحى في حروب عبثية بين جماعات مسلحة، وتعرض المئات للخطف والاختفاء القسري على يد أجهزة الأمن حيناً وعلى أيدي ميليشيات مسلحة أحياناً أخرى كما تعرض عشرات التجار لعمليات السطو المسلح والقتل في مدن يمنية عدة، وسقط عشرات الضباط والأكاديميين والسياسيين بعمليات اغتيال تسجل عادة ضد مجهول.. فأصبح الأمن هو الهاجس الأول للمواطن اليمني بدلاً من الحرية والتداول السلمي للسلطة ومكافحة الفساد التي خرج من أجلها الشباب منذ أربع سنوات. بل كثر الحديث عن انتهاك الحريات الشخصية والتفتيش خارج القانون وحتى الاعتقال.

بعض التأريخ

كانت أبرز جرائم العام الاول لهذه السنوات الاربع ما عُرف بمذبحة الكرامة التي سقط فيها أكثر من 52 قتيلاً من شباب التغيير يوم 18 آذار/مارس 2011. ولم تزل القضية رهن التحقيق رغم أن الأمن كان المسؤول الأول عن الحادث. وبالمقابل، حدث ما عُرف بجريمة مسجد الرئاسة حيث دوت الانفجارات المتعاقبة في المسجد الملحق بدار الرئاسة بينما كان الرئيس السابق صالح وأبرز أركان حكمه يؤدون صلاة الجمعة، ما نتج عنه سقوط العشرات بين قتيل وجريح بينما نجا الرئيس السابق بأعجوبة من الحادث.
العام 2012 بدوره شهد عمليات انتحارية عدة ضد رجال الجيش والأمن، خاصة في أبين وشبوة وحضرموت جنوباً، وتم اغتيال أحد أبرز قيادات الجيش اللواء سالم قطن، مع محاولة اغتيال الرئيس هادي نفسه. إلا أن تفجير السبعين في 21 أيار/مايو كان الجريمة الأكبر، فقد سقط فيه أكثر من 86 من جنود الأمن وجرح المئات بينما كانوا يجرون البروفة الأخيرة للاستعراض الخاص بذكرى الوحدة اليمنية.
أما العام 2013 فقد شهد عمليات بشعة ونوعية أبرزها مجزرة مستشفى الدفاع (العرضي) التي أدت إلى سقوط 56 قتيلاً معظمهم من الأطفال والنساء والأطباء والممرضين، وعدد من العسكريين.
أما العام 2014 فيتصدر مشهد البشاعة غير المسبوقة بذبح 14 جندياً بالسكين على يد القاعدة في حضرموت وقبلها اغتيال الدكتور شرف الدين والبرلماني عبد الكريم جدبان عضوي مؤتمر الحوار عن الحوثيين، ثم اغتيال الدكتور عبد الملك المتوكل أحد أكثر السياسيين اليمنيين اعتدالاً ومسؤولية. وكان هذا العام قد شهد حروباً متفرقة بين جماعة الحوثيين (أنصار الله) وخصومهم من الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة لاحقاً في كل من صعدة وعمران وصنعاء والجوف ومأرب وإب والبيضاء سقط فيها مئات القتلى وآلاف الجرحى. وتعرّض آلاف السلفيين للتهجير من منطقة دماج (صعدة) على يد الحوثيين في أول وأكبر عملية تهجير جماعي تشهدها البلاد.
ومع أنه لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة لعدد ضحايا الإرهاب في اليمن إلا أن وزارة الداخلية اليمنية كشفت عن سقوط 152 جندياً قتلى وإصابة 480 آخرين خلال العام الجاري فقط، وأنها ألقت القبض في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الفائت وحده على 131 متهماً بقضايا قتل عمدي. وفي ظل كل هذه الجرائم، لا يوجد في اليمن قانون للإرهاب حتى الآن، فيحاكم المجرمون وفقاً للقانون الجنائي بأحكام مخففة لا ترقى لمستوى جرائمهم.

الحوثيون

وبعد استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء (أيلول /سبتمبر الماضي) وقبله، قاموا بتفجير واقتحام منازل خصومهم ومقارهم الحزبية والإعلامية، في حاشد وهمدان وأرحب وإب ورداع، بدعوى أنهم إرهابيون وأن مسلحي الحوثيين (اللجان الشعبية) يمارسون دور الأمن في الحفاظ على المجتمع وسكينته من هؤلاء الذين يتم وصفهم بـ "الدواعش". خاض الحوثيون معارك ضارية ضد القاعدة في رداع وسط البلاد، لكنهم في الوقت ذاته قاموا بانتهاك حريات الآخرين وحقوقهم والقتل بالشبهة أحياناً، (كما حدث للدكتور الهتاري الذي قتل لمجرد أن له لحية طويلة أثارت شكوك عناصر اللجان الشعبية) والاعتقال والتحقيق خارج القانون أحياناً أخرى، كما قاموا بنهب الأسلحة الثقيلة من المعسكرات بما فيها عشرات الدبابات والمدرعات، ما جعل هذه التصرفات جريمة تسلب الحوثيين الميزة النسبية التي كانوا قد منحوها لهم بعد قيامهم بتنحية بعض أعتى رموز الفساد والنفوذ في تاريخ اليمن، لأنهم أصبحوا يمارسون دوراً أبشع من دور هؤلاء الذين تخلصوا منهم.

حب واحكي واكره واحكي!

في جانب آخر، تطور الخطاب الموازي لعمليات القتل المنظم بتورط عدد من الإعلاميين والناشطين اليمنيين بتبرير القتل عندما يصيب خصمهم السياسي/الفكري، وتجريمه فقط عندما يصيب حلفاءهم، فأنصار جماعة الحوثيين المسلحة (أنصار الله) مثلاً يبررون عمليات القتل والاعتقالات ومداهمات منازل ومقار خصومهم من حزب الإصلاح الإسلامي (إخوان مسلمون) ويصفونهم بـ "الدواعش"، بينما خصومهم من جماعة الإصلاح يبررون القتل المضاد والعمليات الانتحارية والاغتيالات التي يتعرض لها الحوثيون. بل إن العمليات الإرهابية البشعة تتحول إلى مادة للاستغلال السياسي الدعائي ضد الآخر. فمجزرة مستشفى الدفاع (العرضي) تحولت إلى موضوع لتوجيه أصابع الاتهام بين أتباع مستشار الرئيس هادي للشؤون العسكرية (حينها) وبين أنصار الرئيس السابق عندما أشارت التحقيقات الأولية التي تسربت لصحف محلية إلى تورط قائد عسكري كبير في العملية.

والقتل.. العادي

في إطار متصل، ارتفعت معدلات القتل بدوافع جنائية لاتساع دائرة انتشار السلاح، مع تصاعد عمليات الفرز الاجتماعي/الديني بين اليمنيين في أخطر ما يتعرض له هذا المجتمع حالياً. وارتفعت أيضا معدلات اختفاء الفتيات والأطفال وعمليات الاغتيال التي لم يتم القبض على أي متهم رئيسي يقف وراءها باستثناء ما تجود به مواقع القاعدة على شبكة الانترنت من اعترافات تتبنى فيها عمليات انتحارية بين حين وآخر. وفي واحدة من أبشع جرائم الإرهاب التي عرفتها اليمن وتم فيها ذبح 14 عنصراً من أفراد الجيش بالسكين من قبل أنصار الشريعة (القاعدة) في حضرموت (آب/أغسطس الماضي) تم القبض على أحد المشاركين في العملية بالصدفة. وبعد اعترافه وإيداعه السجن تم العثور عليه صبيحة اليوم التالي جثة هامدة داخل زنزانته. لكن أحداً لم يقل مَن قتله وكيف.
في أوقات ضعف الدول، تتعملق الجماعات المسلحة وتتصارع على رقعة جغرافية أرضيتها الأطفال والنساء والأبرياء، ويصبح القتل عملاً بطولياً وجهاداً لإرضاء الخالق بإبادة خلقه، فلا تقتصر قائمة الضحايا على طرف من دون آخر بل على كل مواطن هو مشروع ضحية آجلة من دون أي تهمة وخارج كل سبب. وربما لا ينتهي ذلك قريباً، لأن الدولة بأجهزتها ومؤسساتها الهشة مجرد اسم كبير في .. قائمة الضحايا.

 

مقالات من اليمن

تحوُّلات العاصمة في اليمن

يُعدّ الإعلان الرئاسي عن نقل العاصمة الى "عدن"، في معناه القانوني، إجراءً رمزيّاً، لأن نقل العاصمة يقتضي إجراء تعديلات في الدستور اليمني، الذي لا يزال ينص على أن مدينة "صنعاء"...

للكاتب نفسه

اليمن: ارتداد الدولة والمجتمع

مؤشرات ومظاهر انهيار الدول التي تحدث عنها ابن خلدون قبل قرون طويلة، يمكن تتبعها بوضوح تام في اليمن، من التعصب والنكوص إلى القبيلة، وصعود الغثاء وهبوط ما يمكن الاعتماد عليه.