مصريات يصرخن: حياة مهددة خلف جدران الزوجية

أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن هناك 5 ملايين و600 ألف امرأة يعانين من عنف الزوج سنوياً، وهناك 2 مليون و400 ألف امرأة تعرضن لإصابات بسبب العنف الذي يمارسه الزوج أو الخطيب، بينما عدد النساء المعنفات اللواتي تقدمن ببلاغات للشرطة لم يتعدَّ 75 ألف امرأة.
2021-11-11

إسلام ضيف

كاتب صحافي


شارك
حيدر جبار - العراق

لا تزال جرائم العنف ضد النساء والفتيات داخل الأسرة تتفاقم. وقد أعلنت رئيسة "المجلس القومي للمرأة" عن إطلاق عدة استطلاعات رأي لمعرفة تأثير جائحة كورونا على الأسرة المصرية، فأظهرت النتائج أن هناك زيادة 7 في المئة في معدلات العنف ضد الزوجات خلالها.

تتشكل المفاهيم التي تأخذنا نحو تفوق الذكور وسطوتهم منذ لحظة الميلاد، وعبر التنشئة الاجتماعية. فيساعد هذا الأمر على الإفلات من عواقب الجرائم المرتكبة في كثير من الأحيان. وقد أعطت الأعراف الذكورية السائدة حق الوصاية للذكر على المرأة واعتبار ذلك من علامات الرجولة. ومن لا يذكر كيف قدم نجيب محفوظ في "بين القصرين" شخصية الزوج المستبد، السيد أحمد عبد الجواد، وزوجته الست أمينة، فقال لها بصوته الجهوري: "أنا رجل.. الآمر الناهي.. لا أقبل على سلوكي أي ملاحظة.. وما عليك إلا الطاعة... فحذاري أن تدفعيني إلى تأديبك".

المنزل.. ساحة تعذيب حتى الموت

في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وصلت السيدة "نوسة محمد زكي" إلى مستشفى نبروه المركزي بمحافظة الدقهلية جثةً هامدة، وبها إصابات متفرقة في الجسد. لقيت ابنة الثلاثين عاماً مصرعها على يد زوجها بعد أن انهال عليها بالضرب على رأسها بعصًا خشبية وجنزير حتى أصيبت بنزيف داخلي. كشفت أسرة الضحية أن الزوج، خشيةً من افتضاح أمره، ترك الجثة لمدة يومين في المنزل، وقالت شقيقة الضحية إنه ارتكب جريمته، وأنهى حياة زوجته بعدما رفضت أن تضْمنه في قرض مالي، وأوضحت أنه كان دائم الاعتداء عليها.

بعد يومين فقط من تاريخ الواقعة، أضيفت أخرى إلى سجل الإجرام. هذه المرة من محافظة الأقصر في صعيد مصر، حيث أقدم زوج على قتل زوجته البالغة من العمر 20 عاماً بسكين مطبخ أثناء مشادة كلامية تطورت إلى مشاجرة. ومن صعيد مصر إلى رجل يحتجز زوجته بغرفة، ويمنع عنها الطعام بعد أن قام بحلق رأسها، وتعذيبها بصور مختلفة خلال عطلة عيد الأضحى الفائت. سيطرت حالة من الاستياء والغضب على رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع انتشار صورة للزوجة "شيماء"، تظهر حجم التعذيب، وأفاد تقرير الطب الشرعي بتطابق إصابات المجني عليها مع ما تعرضت له.

إنها سيرورة العنف القائم على النوع الاجتماعي، العنف الذي لم تسلم منه الفتيات داخل الأسرة. قطعةٌ حديدية كانت سلاح الأب لتهشيم رأس ابنته الطالبة في المرحلة الإعدادية، حتى سقطت جثةً في بحر من الدماء. ويقول الأب الجاني في التحقيقات إن السبب وراء ذلك هو "عدم طاعتها له".

أرقام صادمة

أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن أن هناك 5 ملايين و600 ألف امرأة يعانين من عنف الزوج سنوياً، وهناك 2 مليون و400 ألف امرأة تعرضن لإصابات بسبب العنف الذي يمارسه الزوج أو الخطيب، وأن عدد النساء المعنفات اللواتي يتقدمن ببلاغات للشرطة لم يتعدَّ 75 ألف امرأة.

وأشار التقرير الرسمي الأخير الصادر عن الجهاز إلى تصاعد نسب العنف الأسري في مصر، وأفاد بأن 34 في المئة من النساء المتزوجات يتعرضن لعنف بدني أو جنسي من قبل الأزواج، وأن أكثر من ربع النساء المصريات (27.4 في المئة) يتزوجن قبل بلوغهنَّ سن 18 عاماً.

أصدر "مرصد جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات في مصر"، التابع لمؤسسة "إدراك للتنمية والمساواة"، تقريره الربع سنوي لعام 2021. يعتمد التقرير على رصد الوقائع المبلّغ عنها رسمياً والمنشورة إعلامياً من خلال التغطيات الصحافية الحكومية والخاصة. ويؤكد المرصد على أن حجم الجرائم الفعلية على الأرض قد لا تعبر عنه هذه الأرقام بدقة، نظراً لكم الانتهاكات الهائل التي لا يتم الإبلاغ عنها.

رصدت 66 حالة قتل لنساء وفتيات نتيجة لعنف منزلي خلال الربع الثالث من العام الحالي في الفترة من تموز/ يوليو إلى أيلول/ سبتمبر. كما أوضح التقرير أن معدلات القتل هذه تتصدر جرائم العنف الأسري.

رسم بياني لمعدلات جرائم العنف الأسري المرصودة

أفاد التقرير بأن 72 في المئة من مرتكبي الجرائم خلال هذه الفترة ضد النساء والفتيات هم من الرجال. وبشأن صلة قرابة الجاني بالمجني عليها، نجد أن الزوج يتصدر المرتبة الأولى بنسبة 18.4 في المئة.

رسم بياني يوضح معدلات صلة قرابة الجاني بالمجني عليها

قوانين تهدر العدالة

لا يوجد نص قانوني في مصر يعاقب على جرائم العنف الأسري ضد النساء. قدمت مشاريع قوانين هنا وهناك ولكنها ظلت "حبراً على ورق". في المقابل تُستخدم قوانين العقوبات المصرية للإفلات من العقاب. فالمادة 60 من قانون العقوبات المصري تقول: "لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة".

تحصن هذه المادة الزوج من العقوبة في قضايا الاعتداء على الزوجات، وتسهم في تمتع الجناة بالإفلات من العقاب، وطمس الحقيقة لصالح مرتكب الجريمة بحجة النية الحسنة أثناء ارتكاب الفعل. "إرهاب نفسي يزيد من حدة العنف الذي تعرضت له" بحسب وصف المركز المصري لحقوق المرأة في بيان له يتحدث عن إجراء يتبعه الزوج بتحرير محضر مضاد في حال لجوء الزوجة إلى قسم الشرطة لتحرير محضر. وبالتالي تقضي الزوجة المعنفة ليلتها داخل مقرات الاحتجاز في قسم الشرطة لحين العرض على النيابة في اليوم التالي. الأمر الذي يؤدي إلى تراجع عدد كبير من النساء عن فكرة تحرير المحاضر التي تثبت التعرض للعنف. واعتبر البيان أن هذا الإجراء المتّبع داخل أقسام الشرطة يساعد على تفشي العنف المنزلي.

تحت ستار "الدفاع عن الشرف"، وفي ظل قوانين التمييز ضد المرأة، تُرتكب ما يُطلق عليها "جرائم الشرف" وسط حالة من التعاطف القانوني والمجتمعي مع المجرم. ويتم إعمال المادة 17 من قانون العقوبات في هذه الحالة، والتي تتيح للقاضي الرأفة بالجاني وتخفيف العقوبة. تنص المادة 237 من قانون العقوبات على :"من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234 و236". أي يقتصر العذر فقط على الزوج الذي يفاجئ زوجته ويقتلها، ولا يحق للزوجة الاستفادة من عذر تخفيف العقاب إذا تبدلت المواقع.

الدولة.. حصن الذكورية

حلّ أحد الدعاة ضيفاً على برنامج تلفزيوني، تلقى من خلاله اتصالاً هاتفياً من إحدى السيدات التي تعرضت للعنف والتعذيب بأبشع الطرق على يد زوجها، وطلبت المتصلة رأيه في الانفصال عن زوجها. كان رد الداعية الذي اعتاد على إثارة الجدل بأن "النساء يبالغن في الشكوى"، وبرر ضرب زوجها لها. انطلقت بعدها حملة غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمنعه من الظهور الإعلامي. خرج علينا رئيس الدولة بعد الواقعة بأيام، وأجرى مداخلة هاتفية بالبرنامج الذي يستضيف الداعية ليعبر عن سعادته به وبتناوله للقضايا المختلفة. كما اعتبره الرئيس من العلماء الأجلاء وأن له أسانيده ووجاهته الفكرية التي لن يفهمها الجميع بشكل متساوٍ! ولم يكن الأمر بغريب عن الرئيس الذي اعترف من قبل عندما كان مدير المخابرات العسكرية والاستطلاع بإجراء فحوص العذرية على متظاهرات ميدان التحرير من قبل عسكريين، وبرر حينها ذلك بأن الإجراء كان لحماية الجيش من الاتهام بالاغتصاب.

تتعامل الدولة المصرية، مدعومةً من الخطاب الديني المحافظ الذي ترعاه، مع المرأة في ميدان العمل باعتبارها غير نشطة اقتصادياً، ومجرد عمالة ثانوية رخيصة. فعن طريق تقزيم قيمتها في العمل، تستطيع الآلة الرأسمالية أن تحقق أرباحاً هائلة كما هو الحال في قطاعات الصناعة. بينما يبقى الخطاب الرسمي الذي تتبناه الدولة في حديثها عن "مكانة نساء مصر" مجرد ثرثرة.. 

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...