ما وراء «الحفر على الناشف»

  «الحفر على الناشف (الجاف)» هي العبارة الأوسع انتشاراً في التعليقات الساخرة للشباب المعارض لمشروع تطوير قناة السويس، الذي يرتبط به جانب كبير من دعاية نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. والتعبير يشير الى نمط حفر القناة الجديدة وفقاً للوصف الهندسي الوارد في احتفال إطلاق المشروع مطلع الشهر الماضي، بحضور السيسي. لكن السخرية منه تتضمن إيحاءات جنسية واضحة يتمّ استحضارها عادة
2014-10-01

بيسان كساب

كاتبة صحافية من مصر، متخصصة بالاقتصاد


شارك
قناة السويس - من الانترنت

 

«الحفر على الناشف (الجاف)» هي العبارة الأوسع انتشاراً في التعليقات الساخرة للشباب المعارض لمشروع تطوير قناة السويس، الذي يرتبط به جانب كبير من دعاية نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. والتعبير يشير الى نمط حفر القناة الجديدة وفقاً للوصف الهندسي الوارد في احتفال إطلاق المشروع مطلع الشهر الماضي، بحضور السيسي. لكن السخرية منه تتضمن إيحاءات جنسية واضحة يتمّ استحضارها عادة للحطّ من هيبة الرؤساء في مصر.ومع ذلك فتناولٌ ساخرٌ من هذا القبيل لا يكفي وحده لتوضيح سياق مناهضة المشروع، لسبب بسيط هو أنّ الحفر الجاف لا يُعيب المشروع، كما لا يتم بالضرورة كوسيلة «للنصب الحكومي» على غرار مشروع جهاز علاج فيروس سي والإيدز، الذي ادّعى الجيش ابتكاره.
مشروع قناة السويس لا يُعيبه من حيث المبدأ كونه «على الناشف»، تماماً كما لا يُعيبه ـ من حيث المبدأ ـ أنه مموّل من حصيلة شهادات استثمار. ومن المستبعد وقوع ما يجري تداوله على نطاق واسع من احتمال تعثّر الدولة في الوفاء بالتزاماتها نحو حملة الشهادات، سواء على صعيد تسديد العوائد كل ثلاثة شهور أو على صعيد أصل الشهادات حين يحلّ أجلها بعد خمس سنوات.وما يجب أن يناقش حقاً ليس إن كان حفر قناة جديدة ضروري أم لا. فمن حيث المبدأ، من البديهي أن تعمل الدولة على رفع تنافسيّة قناة السويس مع بقيّة طرق التجارة الدولية عبر تخفيض المدة التي يستغرقها مرور السفن. ما يجب ان يناقش هو مدى واقعيّة التوقعات الورديّة حيال تأثير المشروع الجديد على عائدات القناة من ناحية، ومدى رشادة الاستناد في إطلاق تلك الوعود إلى مشروع تتعلق عوائده ـ أولا وأخيراً ـ بحركة التجارة الدولية.
قناة السويس هي المورد الرئيسي للنقد الأجنبي في مصر، ويرتبط نشاطها بحركة التجارة الدولية، أي بعوامل خارجية تتعلق بالاقتصاد العالمي، وهو ما يتضح من انخفاض أعداد السفن التي مرّت بالقناة في السنوات القليلة اللاحقة على الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي تركت أثرها بوضوح على نشاط القناة.
قناة السويس والأزمة العالميةبلغ عدد السفن التي مرت في القناة العام 2008 إحدى ذراه منذ شقها في منتصف القرن التاسع عشر، فوصل الى 21.415 سفينة، قبل أن يشهد انخفاضا عنيفا في العام اللاحق ليصل إلى 17.228 سفينة بتراجع نسبته 19.6 في المئة.
ومن بعدها شهد عدد السفن ارتفاعاً بواقع 4.4 في المئة في العام 2010، حين بلغ 17.993، لكنه عاد وانخفض على نحو متواصل حتى العام 2013، فعدد السفن التي مرّت في القناة قياساً بالعام السابق عليه انخفض بما نسبته 3.6 في المئة (16596سفينة). وتُمثل سفن الحاويات النسبة الأكبر من مجموع أعداد السفن التي تمرّ في القناة سنويّاً، وهي شهدت انخفاضا بنسبة 5 في المئة في العام 2013 قياسا بالعام السابق.واللافت أن الحكومة نفسها لا تُبدي تفاؤلاً بشأن نموّ إيرادات القناة - قبل تنفيذ المشروع - على الرغم من خطتها الطموحة للنمو في هذا العام، ما يعني استمرار اعتقادها بتأثير تداعيات الأزمة على القناة.
يتّضح هذا بدوره من خطة التنمية الاقتصادية للعام المالي الحالي 2014/2015، التي تضمنت توقعات طموحة حيال النمو في الناتج المحلي الإجمالي.
اذ تتوقع الخطة ان يصل النمو الى 3.2 في المئة قياساً بنحو 2 في المئة كانت متوقعة في العام المالي الماضي. كما تتضمن توقعات متفائلة حيال نمو عدد من القطاعات الاقتصادية المتعثرة، من قبيل السياحة، التي تطمح الخطة بنموها بنسبة 4 في المئة قياساً إلى انكماش بنسبة 4.2 في المئة في العام المالي الماضي، وقطاع الإستخراجات الذي ينتظر أن يحقق نمواً بنسبة 1.3 في المئة قياساً إلى انكماش بنسبة 0.6 في المئة قبل ذلك بعام.
ومع ذلك، فالتوقعات بشأن قناة السويس متواضعة للغاية. فوفقاً للخطة، لن يتجاوز النمو القطاعي فيها 1.2 في المئة نسبةً إلى 0.8 في المئة في العام الماضي. بل إن القناة تتذيّل القطاعات الاقتصادية كلها من حيث الوزن النسبي للمساهمة المستهدَفة في النمو الاقتصادي الإجمالي، إذ لا تتخطى مساهمتها 0.7 في المئة.

أسعار البترول

«بينما تبدو أهمية قناة السويس في التوظيف محدودة، إلاّ أن الرسوم على العبور هي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية، وعائداتها لها تأثير واضح على الموازنة العامة». هذا ما تقوله دراسة صادرة عن غرفة التجارة الأميركية ومنظمة العمل الدولية في العام 2010 حول تأثير الأزمة العالمية على التجارة والتوظيف والاستثمار في مصر. وتضيف الدراسة أن «قناة السويس أظهرت أداءً جيداً في السنوات التي سبقت الأزمة، لأن أسعار الوقود المرتفعة (كإحدى المظاهر التقليدية لرواج الاقتصاد العالمي) جعلت الرحلات الأطول حول أفريقيا أعلى تكلفة بالنسبة للسفن التي تشق طريقها بين أوروبا وآسيا. إلاّ أنه في مرحلة الأزمة، وكنتيجة لتراجع أداء التجارة الدولية، تراجع دخل القناة من 5.155 مليارات دولار أميركي (في العام المالي2007/2008) إلى 4.721 مليارات دولار في العام 2008/2009».ويبدو ما لفتت إليه الدراسة فيما يتعلق بتأثير أسعار البترول على تنافسية قناة السويس بالغ الأهمية في هذا التوقيت بالتحديد الذي يشهد تراجعاً في أسعار الوقود.

الاقتصاد عارياً

خلاصة القول أن حفر القناة الجديدة ليس أمراً خلافيا بحدّ ذاته، لكنه لا يعدو أن يكون محاولةً لدرّ المزيد من العائدات من مصدر ريعي أصلاً (لا يختلف كثيرا عن السياحة التي قد لا يثير الاهتمام بتنمية عائداتها خلافاً يُذكر، لكنها تبقى مع ذلك تدرّ عائدات ريعية تعتمد على تراث مصر من الآثار وعلى السواحل الممتدة على البحرين المتوسط والأحمر علاوة على نهر النيل).
ثمّة مشترك آخر بين قناة السويس والسياحة كمصدرين للنقد الأجنبي، هو مدى الهشاشة الواضحة في مواجهة متغيرات الاقتصاد العالمي. وهذا يتضح من البيانات سالفة الذكر بشأن أعداد السفن، وهي بيانات صادرة عن الهيئة العامة لقناة السويس. ويعبّر عن هذا صندوق النقد الدولي بما يعرف بـspillover (ترجمتها الحرفية «تأثير سكب السوائل»)، والمقصود به في الأساس هو «تداعيات الأزمة الاقتصادية خارج الحدود القومية للدولة التي تشهد بزوغ تلك الأزمة». ويشمل هذا التأثير قطاعات أساسية، يزيد الانغماس في تنميتها دون غيرها من «تعريض» الاقتصاد المصري لمتغيّرات الاقتصاد العالمي، من قبيل قطاع الصادرات والاستثمار الأجنبي. وهذا الأخير شهدت تدفقاته تراجعاً بنسبة 50 في المئة كنتيجة مباشرة للأزمة الاقتصادية العالمية.
وزير التخطيط في الحكومة الحالية اشرف العربي، قال رداً على سؤال في اجتماعات الربيع المشتركة بين صندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن في العام الماضي، إن مصر تواجه مخاطر تأُثير الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو على صعيد الاستثمار الاجنبي والصادرات. وهو ما ذهب إليه أيضاً رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية في إدارة البحوث في الصندوق، توماس هيلبينج، رداً على سؤال حينها: «الأوضاع في مصر على صعيد القطاع الخارجي صعبة على خلفية التباطؤ الاقتصادي الأوروبي».
هو أمر أشبه بأن يقف الاقتصاد عارياً في مواجهة متغيرات عالمية لا سبيل له الى التأثير فيها.
 

 

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

تراجع الجنيه المصري

بيسان كساب 2015-11-26

"التسييس" هي التهمة التي تلاحق كل من يبدي قلقاً حيال تراجع سعر العملة الوطنية. يرى المدافِعون عن تراجع الجنيه أن خصومهم "شعبويون"، يسعون للمتاجرة بمصالح قطاعات واسعة من الأقل دخلاً...

قانون الخدمة المدنية في مصر

بيسان كساب 2015-10-01

"إحنا بتوع (ننتمي الى) 30 يونيو يا باشا"، قالها موظف خمسيني نصف ريفي موجهاً حديثه لـ "الباشا" - وهو اللقب الشعبي لضباط الشرطة - الذي وقف مع زملائه في حر...

مشروع قناة السويس الجديد

بيسان كساب 2015-08-13

 "هدية أم الدنيا للعالم" هو الشعار الذي يذيل اللافتات الدعائية للمشروع، من ضمن حملة واسعة النطاق عنوانها "مصر بتفرح"، وصولاً إلى سيل من الأغاني "الوطنية" اجتهد أصحابها في شحن الشعور...