"هدية أم الدنيا للعالم" هو الشعار الذي يذيل اللافتات الدعائية للمشروع، من ضمن حملة واسعة النطاق عنوانها "مصر بتفرح"، وصولاً إلى سيل من الأغاني "الوطنية" اجتهد أصحابها في شحن الشعور الجمعي بالفخر، وقد تقرر اعتبار يوم تدشين المشروع الجديد منذ اسبوع عيداً وطنياً (وإجازة).. بينما تهاجم جماعة الإخوان المسلمين المشروع وتسفّهه (لا يتعدى "طشت أمي"، أي إناء واسع للغسيل اليدوي بحسب وجدي غنيم، وهو رجل دين هارب خارج البلاد) في ممارسة كيدية واضحة، بعدما ردّدت كثيراً أن المشروع يعود أصلاً للرئيس المعزول محمد مرسي!
الوظائف
يفترض أن مشروع ازدواج المجرى الملاحي يستهدف خفض مدة العبور في القناة من 18 ساعة حالياً إلى 11 ساعة، ما يعني رفع تنافسية القناة بين طرق التجارة العالمية، وبالتالي رفع عائداتها، وهي ذات أهمية خاصة للاقتصاد المصري كمورد أساسي للعملة الصعبة في ظل شحّ هذه الدخول في دولة تعاني من خلل بالغ في ميزانها التجاري (عجز الميزانية يبلغ 240 مليار جنيه). العائدات إذاً مرتبطة بحجم نمو التجارة العالمية، ومن ثم بتعافي الاقتصادي العالمي.
ومن هذا المنطلق، لا يبدو الأمر مبشراً بالخير، اذ لم تتجاوز تقديرات منظمة التجارة العالمية – في نيسان الماضي لنمو التجارة العالمية في العام الحالي 3.3 في المئة، وصولاً الى 4 في المئة للعام المقبل. والحكومة المصرية نفسها لا تتوقع أكثر من 100 مليون دولار إضافية في السنة الأولى بعد تنفيذ المشروع، لتصل أرباح القناة الى 5.5 مليار دولار. كما تقدر الحكومة انخفاض عدد السفن العابرة من الممر الملاحي للقناة إلى 16.961 ألف سفينة خلال العام المالي الحالي، مقارنة بنحو 17.9 ألف سفينة عبرت في العام الماضي، بانخفاض 939 سفينة.
وبما أن توقعات نمو التجارة العالمية تبدو على هذا القدر من التواضع، فذلك يثير التساؤل حول جدوى التسرع في "إنجاز" المشروع في سنة واحدة بدلاً من ثلاث سنوات كما كان مقدراً له. وتبعاً للدعاية الحكومية، احتاج إتمام المشروع إلى استخدام 70 في المئة من جرَّافات (كراكات) العالم. فهل لو أنجز المشروع وفق المهل الاصلية لكان اقل تكلفة، خاصة ان الحكومة احتاجت الى جمع 64 مليار جنيه من الاكتتاب الشعبي في شهادات استثمار علاوة على قرضين من بنكين محليين. لكن عبارة "عُلم ويُنفّذ يا فندم" التي قالها رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة رداً على تعليمات السيسي له قبل سنة من الآن في حفل تدشين المشروع بتنفيذه خلال سنة بدلاً من ثلاث سنوات، وكان مذاعاً على الهواء مباشرة، كانت ضرورية للنظام المستند الى دعم الجيش لبعث الزخم الشعبي حول مفاهيم تقليدية في مصر، من قبيل "الحسم" و "الكفاءة" اللتين يفترض أن تتصف بهما المؤسسة العسكرية.
الموقع من الاقتصاد الكلي
لا يرتبط مشروع قناة السويس الجديد فقط بمحاولة بعث الشعور الجمعي بالانتصار والإنجاز بإتمام مشروع "قومي" و "عملاق" - بحسب الأوصاف الحكومية ــ في وقت قياسي. بل يفترض بمشروع ازدواج المجرى الملاحي أن يدر المزيد من الأرباح على الاقتصاد المصري، وهو أمر قد لا يكون ثمة ما يعيبه لو لم يكن يعبر عن توجّه كامل لتهميش الإيرادات الضريبية المرتبطة بالإنتاج لمصلحة الريع إجمالاً.
فمثلاً، ينص البيان المالي لموازنة العام المالي الحالي على إجراءات عدة تعتمد عليها الإدارة الاقتصادية لزيادة الإيرادات العامة، على رأسها زيادة الإيرادات من المناجم من 2.5 مليار جنيه كانت مقدرة في موازنة العام الماضي (لم يُحصَّل منها فعلياً إلا 182 مليون جنيه) الى ما يزيد عن عشرة مليارات جنيه. كما ينص على رفع حصيلة بيع أراضي الدولة من 368 مليون جنيه كانت مقدرة في موازنة العام الماضي (جرى تحصيل 231 مليون جنيه منها) الى ما يزيد عن 12.8 مليار جنيه.
وهو توجّه يتزامن مع التراجع عن ضريبة الأرباح الرأسمالية بتأجيلها لمدة سنتين، وتخفيض الحد الأقصى للضريبة على الدخل من 25 في المئة الى 22.5 في المئة مع إلغاء الضريبة الاستثنائية بواقع 5 في المئة على الدخل، لمدة ثلاث سنوات، والفشل التام في تطبيق الضريبة العقارية.. وهي حزمة من التشريعات الضريبية صدرت مع بدء العام المالي الماضي وجرى التحوّل عنها بعد معارك خاسرة مع المستثمرين. وتقدر الموازنة الجديدة الإيرادات الضريبية كنسبة الى الناتج المحلي بواقع 14.9 في المئة قياساً الى 15 في المئة كانت مقدرة في موازنة العام الماضي زيادة الاعتماد على الإيرادات الريعية، ربما يعيد الى الواجهة التحليل الذي قدّمه الاقتصادي البارز الراحل سامر سليمان (في كتابه "النظام القوي والدولة الضعيفة")، حيث ربط بين الإيرادات الضريبية والديموقراطية من ناحية، وبين الريع والدولة الرعوية من ناحية أخرى. وهو يرى أن الإيرادات الضريبية تثير دوماً مطالب المجتمع بمحاسبة الإدارة الاقتصادية حول كيفية إنفاقها، بعكس الإيرادات الريعية التي تدعم بشدة قوة الدولة في مواجهة المجتمع، كما هو الحال في ممالك الخليج النفطية على سبيل المثال.
معطيات
عمل في المشروع 400 شركة خاصة و25 ألف عامل على امتداد عام كامل وبلا توقف، تحت إشراف جهاز الهندسة في الجيش المصري. واستخرج 260 مليون طن من الرمال، وتمت توسعة القناة الأصلية (193 كيلومتراً) على طول 37 كيلومتراً، وجرى شق قناة جديدة موازية على طول 35 كيلومتراً، بما يسمح بعبور السفن ذهاباً وإياباً في الوقت نفسه على امتداد 72 كيلومتراً. وأما المسافة من ميناء مومباي في الهند مثلاً وحتى ميناء روتردام في هولندا، فتبلغ عبر قناة السويس التي تصل البحر الأحمر بالبحر المتوسط، 736 11 كيلومتراً، بينما هي 896 19 كيلومتراً عن طريق رأس الرجاء الصالح الذي كان مستخدماً قبل شق القناة العام 1869 والذي استغرق 10 سنوات. وبينما تعبر القناة الأصلية 49 سفينة باليوم، يفترض أن تسمح التوسعة وشق القناة الموازية بعبور 97 سفينة باليوم، كما يأمل أن ترتفع الايرادات من رسوم المرور في القناة من 5.3 مليار دولار في السنة حالياً الى 13.2 ملياراً في 2023. ويخطط لبناء موانئ جديدة وحفر ستة أنفاق لسكك الحديد والسيارات، وآبار مياه من أجل استصلاح 50 ألف فدان من الأراضي... ويأمل أن توفر كل هذه المشاريع ما يُقال إنه حوالي المليون ونصف المليون فرصة عمل جديدة. والفكرة/ المشروع قديمة، جرت الإشارة إليه مراراً، إبان حكم مبارك ثم مرسي.
وقد حدثت توسيعات وتحويلات أو تفريعات في السابق على القناة: ثلاث في 1955 ومثلها في 1980.
وكان الرئيس عبد الناصر قد أمم قناة السويس في 26 تموز /يوليو 1956، الذي أجيب عليه برد فعل استعماري هو "العدوان الثلاثي" (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل).