حدث كل شيء بسرعة في السودان... يوم الاثنين في 25 تشرين الأول / أكتوبر 2021، وبعد ساعات من اعتقال عدد من الوزراء والمسؤولين المدنيين، من بينهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أعلن رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان حلّ مجلس السيادة العسكري - المدني ومجلس الوزراء، معلناً حالة الطوارئ في البلاد.
وكان يفترض، بحسب الاتفاق الذي ينظم المرحلة الانتقالية، أن تبدأ في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، قيادة المكوّن المدني للسلطة المشتركة بعدما قادها العسكريون مذاك برئاسة الجنرال البرهان. بعد إعلانه حال الطوارئ، سارع البرهان لتقديم وعد بإجراء انتخابات في تمّوز/ يوليو عام 2023، ليتم على إثرها، حسب قوله، "تسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة".
هذا الكلام لم يلقَ قبولاً في الشارع، فقد سارع السودانيون، نساء ورجالاً، إلى التعبير الفوري عن اعتراضهم على انقلاب الجيش على السلطة المدنية. بدا للناس أنّ أحلامهم بوطن أفضل يتمّ تهديدها والمقامرة بها من قبل العسكر... أحلامهم التي قالوها بصوت مرتفعٍ وواضح في ثورة 2019 الشعبية، والتي امتدّت بلا كلل أو ملل لستة شهور- وحتى بعد الإطاحة بالرئيس عمر بشير- بالذات لأنها حرصت على التفاوض لانتقال السلطة إلى مدنيين عوضاً عن حصرها بالمجلس العسكري الانتقالي. في ذلك الحين، قام العسكر بفضّ اعتصام السودانيين أمام القيادة العامة، غادرين بالآلاف من المواطنين الذين قُتل منهم العشرات، في فظاعات شملت اغتصابات وإلقاء جثث في النهر، في ما أسماه البرهان حينها "عملية تنظيف للشارع"!
والآن، بعد نحو سنتين، عاد السودانيون للاحتجاج في شوارع الخرطوم وأم درمان على استيلاء الجيش على كل شيء، وكأنه يريد إعادتهم إلى نقطة الصفر! تواردت أخبار وفيديوهات عن تعرّض المدنيين إلى إطلاق نار مباشر واعتداء بالأسلحة الثقيلة على المتظاهرين والمعتصمين أمام المقر العسكري، وقتل 7 أشخاص على الأقل واصابة أكثر من 80 شخصاً، فيما دعت العديد من قوى الثورة إلى العصيان المدني الشامل وإغلاق الشوارع.
على مدى الأيام القليلة الماضية، قطع بث الانترنت بقصد منع التواصل بين المعترضين والتعمية عن الأخبار والصور والفيديوهات التي تكشف شيئاً من العنف والبلبلة المخيفة التي تغزو الشوارع، ويدفع الناس ثمنها باللحم الحي، كي لا تضيع تضحياتهم وآمالهم ومستقبل أبنائهم.
أما الاحتمالات، فمفتوحة.