لجأ النظام السوري إلى استخدام سلاح التجويع والحصار على المناطق الخارجة عن سيطرته. هذه السياسة في مناطق الغوطة الشرقيّة والمنطقة الجنوبيّة من العاصمة دمشق، إضافة إلى أحياء حمص القديمة وحلب... أدت إلى انعدام مختلف أساسيات الحياة في تلك المناطق، وخصوصاً في ظل انقطاع التيار الكهربائي ونفاذ المواد الغذائية والطبيّة. وبالمقابل حاول الأهالي في تلك المناطق، وبشتى الطرق، التغلب على الحصار وكسره من خلال الإمكانيات التي يمكن الوصول إليها. هذه بعض الامثلة.
زراعة في مخيم اليرموك
انعدمت المواد الغذائية في مناطق مخيم اليرموك المحاصرة ما أدى إلى وفيات بين الأطفال وكبار السن. وساهم في ارتفاع عدد الوفيات (ما يقرب من 200) التعداد السكاني الكبير للمخيم، حيث يزيد عدد من بقي فيه من قاطنيه الأصليين والنازحين من المناطق المجاورة عن خمسين ألف نسمة. كما ساهم في ارتفاع الوفيات التشدد في منع وصول الغذاء اليه. ومع حلول فصل الصيف واستمرار الحصار، بدأ عدد من المنظمات العاملة في المخيم باستصلاح الأراضي في المناطق الفارغة لتأمين شيء من التعويض الغذائي الذاتي. خالد هو أحد الناشطين في مخيم اليرموك أكد على أنّ المنظمات الإغاثية عملت على زراعة الأراضي الفارغة والحدائق العامة بمختلف أنواع الخضروات الصيفية، بينما قام الأهالي بزراعة مخزونهم الغذائي على أسطح المباني السكنيّة، كما أشار إلى تنوّع المواد المزروعة، فتشمل مختلف أنواع الأعشاب إضافة إلى الخيار والبندورة والكوسا وغيرها. و أشار إلى أنّ اختيار المزروعات يخضع لشروطٍ معينةٍ منها أن يكون إنتاج المحصول سريعا ووفيراً.
ورش لصناعة المستلزمات الطبية
ومع وجود بعض الاستثناءات بحيث يسمح النظام بدخول المواد الغذائيّة لمناطق خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، إلا أنّه يمنع بشكل تام دخول المواد الطبية، التي يمكن أن تؤدي بحاملها إلى الإعدام الميداني كما حصل مع عدد من الناشطين في مختلف مناطق سوريا. لذلك لجأ الأطباء والمهنيون إلى إيجاد وسائل تمكنهم من تعويض بعض النقص في المجال الطبي من الأدوية والأجهزة. لجأ الأطباء والمهنيين في منطقة جوبر وما حولها إلى إنشاء ورشات عمل مجهزة بأدوات بسيطة لتامين شيء من الاحتياجات الطبية، حيث بالإمكان تحويل باحة منزل صغيرة إلى ورشة لصنع الماء المقطر والسيروم الملحي، وتحويل ورشة حدادة أو نجارة إلى معمل لتصنيع البراغي الطبية، أو تجهيز سيارات "البيك أب" بالأجهزة والمعدات اللازمة لنقل الجرحى. وساعد ذلك، على بساطته، في إنقاذ حياة بعض المصابين من المدنيين.
مركز "وتد" للتدريب
أنشا عدد من الناشطين ذوي الخبرة مراكز تدريبية في مختلف مناطق سوريا لتعويض النقص و تدريب وإعداد فرق مؤهلة بالمجال الطبي والدفاع المدني. مركز "وتد" في المنطقة الجنوبية من العاصمة دمشق يعتبر واحداً من أوائل المراكز التدريبية، أسسته مجموعة من الناشطين بهدف تقديم خدماتٍ تدريبية في العديد من المجالات. همام، مدير التدريب في المركز أوضح الأسباب التي دعت لإنشائه بقوله " ينجم عن العمليات العسكرية دمار في البنى التحتية وضحايا في صفوف المدنيين. وفي ظل غياب كوادر طبية ودفاع مدني مؤهل وفرق إعلاميّة قادرة على توثيق ما يحصل، برزت فكرة إنشاء المركز، كما أن ظهور المجالس المحلية وعدم امتلاك الناشطين فيها لخبرات العمل المؤسساتي كان سبب آخر للقيام بالمشروع". ويهدف المركز إلى تشكيل فرق دفاعٍ مدني قادرة على التصرف في اللحظات الصعبة.
فريق الدفاع المدني في حلب
فريق الدفاع المدني في محافظة حلب يعتبر واحداً من أفضل الفرق العاملة في هذا المجال، فعلى الرغم من الفترة القصيرة التي نشأ فيها واستهداف كوادره ومقاره بشكل دائم، إلا أنّه استمر في ممارسة عمله واستطاع إنقاذ حياة العشرات من المدنيين. يوضح "خالد حجو"، قائده، بأنّ المجموعة ولدت في الشهر الثالث من العام الماضي بعد قصف تعرضت له المدينة. حينها كانت المحافظة تفتقر إلى الفرق المدربة للعمل في ظروف الكوارث، ولذلك تطوّع عدد من الشبان المدنيين لعملية إنقاذ الجرحى بمعدات أولية بسيطة. رد فعل المدنيين تجاه المتطوعين كان إيجابياً، ما دفع لتشكيل أول مركز. ويتجاوز عدد المتطوعين في فريق الدفاع المدني الآن أكثر من 250 شخصاً مدربين على عمليات إخلاء المدنيين وانتشال المصابين من تحت الركام وإطفاء الحرائق، وهم موزعون على مختلف مناطق محافظة حلب... وبالطبع، يعاني الفريق من نقص حاد في المستلزمات الأساسية للقيام بأعماله، كوسائل الحفر ومولدات الطاقة ومعدات الإسعاف. تلك التجارب، وغيرها مثلها العديد، تجيب على ضرورات، ولكنها تثبت أن إرادة الحياة تنتصر دوماً.