ظاهرة الولادات القيصرية المفرطة في مصر

52 في المئة من نسبة الولادات في مصر قيصريةً، وهي نسبةٌ تتخطى بخمسة أضعاف المعدل الطبيعي المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية، التي تتراوح من 10 في المئة إلى 15 في المئة من إجمالي عدد المواليد.
2021-10-14

صفاء عاشور

باحثة وصحافية من مصر


شارك
زينب السجيني - مصر

حين اقترب موعد ولادتي بطفلي الأول، أخبرتُ طبيبي برغبتي في الولادة بعملية قيصرية. كانت لدي أسبابي التي لم أبلغه بها، هو أيضاً لم يناقشني في الخيارات المتاحة أمامي، وما إذا كانت حالتي الصحية، وحالة الجنين تسمح بالولادة الطبيعية. اكتفى بهز رأسه علامةً على الموافقة، ثم أكمل الفحص الدوري.

لم أكن وحدي من فضّلتُ الولادة القيصرية دون الطبيعية في الطفل الأول. فوفقاً للمسح السكاني الصحي الأخير في مصر نجد أن 52 في المئة من نسبة الولادات كانت قيصريةً، وهي نسبةٌ تتخطى بخمسة أضعاف المعدل الطبيعي المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية، التي تتراوح من 10 في المئة إلى 15 في المئة من إجمالي عدد المواليد.

وحتى بداية القرن الحالي، كانت نسبة الولادات القيصرية في مصر ضمن المعدل العالمي، لكنها تضاعفت بحسب المسح الصحي السكاني عام 2005 لتصل إلى 20 في المئة، ثم إلى 28 في المئة في مسح عام 2008، ثم لتصل إلى النسبة الحالية. وهي تصنف الأولى عربياً، والرابعة عالمياً وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

الطفل الأول

يشير المسح الصحي في مصر أيضاً إلى أن نسبة الولادات القيصرية للطفل الأول تصل إلى 60 في المئة، وأن أغلب النساء اللاتي يلجأن للولادة القيصرية من المتعلمات الحاصلات على شهادة الثانوية العامة، أو ما هو أعلى، بنسبة 58 في المئة، فيما تصل نسبة النساء العاملات إلى 55 في المئة.

الكاتبة الصحافية مي الشامي صاحبة مبادرة "أوقفوا العمليات القيصرية غير الضرورية" كانت من ضمن نسبة الـ 40 في المئة من النساء المصريات اللاتي أنجبن طفلهنَّ الأول عن طريق ولادة طبيعية، مخالفةً رأي الطبيب الذي نصحها بالولادة القيصرية خوفاً على حياتها الجنسية، حيث يلجأ الأطباء أحياناً إلى إحداث شق في منطقة العجان لتسهيل عملية الولادة الطبيعية، وهو ما يعتقد بشكل خاطئ أنه يؤثر على العلاقة الجنسية فيما بعد.

لكن مي استشارت طبيباً آخر فأكد لها أن حالتها وحالة الجنين تسمح بالطبيعية. وبالفعل تحملت ساعات الطلق الشاقة، لتشفى من آثار العملية تماماً خلال بضعة أيام، على عكس الولادة القيصرية التي تترك آثارها على أجساد النساء لأشهر، ولا تنصح بها منظمة الصحة العالمية إلا في حالات الضرورة القصوى.

يقول المسح السكاني الصحي في مصر، أن النساء اللاتي تسكن الحضر هنَّ الأكثر إقبالاً على الولادة القيصرية بنسبة 60 في المئة، بالمقارنة مع سكان الريف، فيما تزداد نسبة الإقبال على الولادات القيصرية بين الطبقات المتوسطة والعليا، لتصل إلى ثلثي الولادات بين طبقة الأغنياء بنسبة 67 في المئة منهنَّ.

تهدف مي بمبادرة "أوقفوا العمليات القيصرية غير الضرورية" إلى نشر الوعي بين أكبر عدد ممكن من النساء، ولاقت المبادرة تفاعلاً من قبل النساء والأطباء أيضاً.

قيصرية الأغنياء

بالعودة إلى المسح السكاني الصحي في مصر، نجد أن النساء اللاتي تسكن الحضر هنَّ الأكثر إقبالاً على الولادة القيصرية بنسبة 60 في المئة، بالمقارنة مع سكان الريف، فيما تزداد نسبة الإقبال على الولادات القيصرية بين الطبقات المتوسطة والعليا، لتصل إلى ثلثي الولادات بين طبقة الأغنياء بنسبة 67 في المئة منهنَّ، مقابل نسبة 38 في المئة من الولادات القيصرية بين النساء من الطبقات الدنيا، وهي نسبة تظل أعلى من المعدلات الطبيعية.

لكن هل يعكس ارتفاع نسبة الإقبال على الولادة القيصرية بين الأغنياء، وانخفاضها نسبياً بين الفقراء التفاوت في التكلفة بين العمليات القيصرية والطبيعية؟ خاصةً أن المسح الصحي يشير إلى ارتفاع نسبة العمليات القيصرية في المستشفيات الحكومية مقارنةً بالخاصة، بنسبة 65 في المئة للأولى، و45 في المئة للأخيرة.

للإجابة على ذلك، تواصلتُ مع 10 مستشفيات في محيط القاهرة والجيزة لمعرفة الفارق بين أسعار الولادات. خمس من تلك المستشفيات يتبعن القطاع الحكومي، والنصف الآخر مستشفيات خاصة.

أسعار الولادة القيصرية في المستشفيات الحكومية كانت تتساوى مع مثيلتها الطبيعية في الأقسام المجانية، إذ تراوحت ما بين 450 جنيهاً إلى 900 جنيه، إضافةً إلى التبرع بكيس دم من قبل أحد أقارب السيدة لكنها بالطبع دائماً مكتظة، لذلك نصحني عامل الاستقبال بإحدى تلك المستشفيات بتجربة الأقسام الخاصة بالمستشفى، أو غير المدعمة، والتي تتراوح تكلفتها ما بين 2500 جنيه للطبيعية و4500 جنيه للقيصرية.

لم يستغرق الأمر أكثر من 45 دقيقةً لولادتي بطفلي الأول، وكان طبيبي لديه عمليتان قبل موعد عمليتي، وثلاث بعدها، وجميعها قيصرية، لم تستغرق سوى 6 ساعات فقط، وذلك عكس الولادات الطبيعية التي تحتاج إلى ساعات من الانتظار، يكون الطبيب خلالها على أهبة الاستعداد.

تتفاوت الأسعار في المستشفيات الخاصة تفاوتاً كبيراً، فتبدأ بستة آلاف جنيه للولادة الطبيعية، وتصل إلى 15 ألف جنيه للولادة القيصرية. ودائماً ما تكون تكلفة الولادة القيصرية ضعف تلك الطبيعية، وأحياناً لا تشمل التكلفة المعلنة أجر طبيب النساء، وطبيب التخدير، وحضانات الأطفال، ومسكنات ما بعد الولادة، التي باتت تعرف بـ "الولادة بدون ألم".

غياب المحاسبة

بالعودة إلى يوم ولادتي لطفلي الأول - لم يستغرق الأمر أكثر من 45 دقيقةً - وكان طبيبي لديه عمليتان قبل موعد عمليتي، وثلاث بعدها، وجميعها قيصرية، لم تستغرق سوى 6 ساعات فقط، وذلك عكس الولادات الطبيعية التي تحتاج إلى ساعات من الانتظار، يكون الطبيب خلالها على أهبة الاستعداد.

"تقييم لجوء الطبيب للولادة القيصرية دون الطبيعية يخضع لضمير الطبيب في الأساس، ولا يمكن وضع ضوابط له"، هكذا تؤكد الدكتورة شاديه ثابت، طبيبة النساء والنائبة في البرلمان، مستبعدةً إصدار ضوابط في هذا الشأن، رغم ظاهرة انتشار الولادة القيصرية المقلقة في مصر.

ثابت من ضمن الأطباء الذين ينشرون الدعوة للولادة الطبيعية، وهي ترى أن الولادة القيصرية ربما يصاحبها مشكلات صحية للأم والجنين، من ضمنها وضع الطفل في حضانة لحين استكمال رئتيه، وما يتبع ذلك من ظاهرة نقص الحضانات في مصر. فعند الولادة الطبيعية يطلق الرحم دفقات من الكورتيزون ما يساهم في استعداد الجهاز التنفسي للمولود لاستقبال الحياة، وهو ما لا يحدث خلال الولادة القيصرية.

"الوعي هو وحده القادر على تغيير اتجاهات النساء في مصر نحو الولادة الطبيعية، وبخاصة بالنسبة للطفل الأول"، هكذا ترى ثابت، مضيفةً أن المرأة التي تلد طفلها الأول بولادة قيصرية يصعب عليها بعدها الولادة الطبيعية خوفاً من حدوث تلف بالرحم، ما يعني أن عليها الخضوع لولادات قيصرية متكررة.

وفي حين أن الكثير من المعلومات المتداولة حول حتمية اللجوء للولادة القيصرية ليس لها أيُّ أساس من الصحة، فعمر السيدة الحامل على سبيل المثال لا يلعب دوراً ما دامت قادرةً من الناحية الصحية على الولادة الطبيعية. تؤيد ثابت الأمر، وتؤكد إجراءها لعمليات ولادة طبيعية للعديد من النساء ممن هنَّ في منتصف ونهاية الأربعينات من أعمارهنَّ.

قرار الطبيب

طبيب النساء هو المصدر الأول الذي تستقي منه النساء الحوامل المعلومات حول نوع الولادة المناسبة لهنَّ. عبارةٌ أردتُ التأكد منها عبر استبيان إلكتروني لـ 50 امرأة، جميعهنَّ أمهات ينتمين إلى الطبقة الوسطى، وحاملات لشهادات جامعية.

شمل الاستبيان ثلاثة أسئلة، طرح السؤال الأول: تفضيل عملية الولادة القيصرية على مثيلتها الطبيعية لسهولتها؟ فكانت نسبة المعارضات لهذا الطرح تصل إلى 42 في المئة، بينما نسبة المؤيدات 27 في المئة، وظلت 30 في المئة من المجيبات على الحياد.

السؤال الثاني: كان حول السبب الرئيسي وراء إجراء العملية القيصرية؟ أجابت 30 في المئة من النساء أن قرار الولادة القيصرية جاء بناءً على رأي الطبيب المعالج، ونسبة 34 في المئة منهنَّ جاء بناءً على الحالة الصحية، فيما وصلت نسبة الولادة الطبيعية بين الخمسين سيدة إلى 23 في المئة.

أما من أين تستقي النساء معلوماتهن عن الولادة بشكل عام ؟ فحل في المرتبة الأولى الطبيب المعالج بنسبة 57 في المئة، تلاها الأقارب والصديقات بنسبة 27 في المئة، وتساوت نسبة الحصول على معلومات حول الولادة من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع العلمية المتخصصة بنسبة 3 في المئة، ولم تلجأ أيٌّ منهنَّ إلى الموقع الرسمي لوزارة الصحة، أو الرائدة الريفية، والقابلة، أو الدُولا.

عنف تجاه النساء

"الدُولا" [1] مهنة جديدة في مصر، وظيفتها تقديم النصائح والمساعدة للنساء خلال الحمل ورعاية الأطفال، وتلعب دوراً في الإرشاد نحو أهمية الولادة الطبيعية للمرأة والطفل.

"تختلف طبيعة عمل الدُولا عن القابلة، فلا تشارك في عملية الولادة، كما أنها تختلف عن مهنة الرائدة الريفية، فهي غير تابعة لهيئة حكومية"، هكذا تؤكد هبة حامد، واحدةٌ من أقدم الدُولات في مصر.

هبة تطمح إلى زيادة الوعي لدى النساء الحوامل، ووقف ما وصفته بالممارسات العنيفة ضدهنَّ، بدءاً من تسريع عملية الولادة الطبيعية عن طريق حقنة الطلق الصناعي أو شق العجان، وربطهنَّ في الفراش أثناء الطلق، أو توليدهنَّ بالطريقة القيصرية ضد رغبة السيدة ودون دواعٍ صحية. وهناك من الأطباء من رحب بدور هبة في دعم السيدة الحامل أثناء وبعد الولادة.

الدور الذي تلعبه الدُولات – على الرغم من قلة عددهنَّ في مصر- من الممكن أن يعوض الدور المفقود لدعم النساء خلال مراحل الحمل والولادة بمعلومات موثقة، لكن يظل أجر مصاحبتهنَّ للمرأة الحامل، وتكلفة الدورات التدريبية مرتفعاً نسبياً على ميزانية النساء من الطبقة الوسطى والفقيرة، ومتاحاً للنساء من الطبقة الغنية.

بروتوكول الجائحة

مع بداية جائحة كورونا، أصدرت منظمة الصحة العالمية توصيات بعدم التسرع بإجراء الولادة القيصرية للنساء الحوامل المصابات بكورونا، فالولادة الطبيعية في هذه الحالة ما زالت متاحةً.

لكن ورقةً بحثية حديثة صادرة عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" أكدت أن الولادات للسيدات المصابات بكورونا في مصر خالفت تلك التوصيات، حيث رصدت المبادرة ما نشر من أخبار بالجرائد المصرية حول ولادة 30 سيدةً في مستشفيات العزل الخاصة بمرضى كورونا، 22 من الحالات المذكورة ولدت بعمليات قيصرية، بينما لم تذكر تفاصيل حول طريقة ولادة الحالات الثماني الباقية.

لذا طالبت المبادرة وزارة الصحة المصرية بإعلان بروتوكول للتوليد في حالة الإصابة بكورونا. لكن يصعب التأكد من مدى استجابة الوزارة لتقرير المبادرة، فالموقع الإلكتروني لا يعمل، وخدمة الواتسأب التابعة للوزارة لا تجيب، كما لم أجد معلومات تفيد النساء في التعريف بمخاطر القيصرية غير الضرورية في الوحدة الصحية التابعة لمنطقة سكني، وذلك على الرغم من العديد من البرامج التي تعتمدها الوزارة حول النساء فيما يخص الصحة الإنجابية والرضاعة الطبيعية ورعاية الأم والطفل في فترة ما بعد الولادة. 

______________

[1]  من الإغريقية Doula، هي امرأة ترافق النساء الحوامل وتوفر لهنَّ النصائح والخدمات، ولكنها ليست مهنة طبية بأي حال، بل تتطلب الخبرة الشخصية والاستعداد للرعاية. وقد ظهرت في المدن الكبرى من الولايات المتحدة الامريكية ليكون دور الدولا تعويضاً عن وجود الامهات او القريبات كما في الحالات التقليدية. والمهنة ليست منظمة رسمياً في العديد من البلدان التي توجد فيها، مع أن بعض دور الولادة في أنحاء مختلفة من العالم تنصح الحوامل بها لتوفير الحاجة للرعاية والاهتمام.


وسوم: العدد 469

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه