الانتخابات العراقية: قرابين على مذبح الرئيس

قد يعود المرشحون للانتخابات البرلمانية العراقية الذين تسربوا من صناديق الاقتراع الى المشهد البرلماني من خلال المقاعد التي ستشغر بفعل مشاركة نواب في الكابينة الحكومية المقبلة. أغلب هؤلاء لم يحصل إلا على بضعة مئات من الاصوات. المشهد ذاته كان في انتخابات عام 2010، حيث لم يتجاوز العتبة الانتخابية من أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 325 نائباً سوى 17 نائباً فقط، أما
2014-06-22

علي الجفّال

كاتب صحافي من العراق


شارك
من الانترنت


قد يعود المرشحون للانتخابات البرلمانية العراقية الذين تسربوا من صناديق الاقتراع الى المشهد البرلماني من خلال المقاعد التي ستشغر بفعل مشاركة نواب في الكابينة الحكومية المقبلة. أغلب هؤلاء لم يحصل إلا على بضعة مئات من الاصوات. المشهد ذاته كان في انتخابات عام 2010، حيث لم يتجاوز العتبة الانتخابية من أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 325 نائباً سوى 17 نائباً فقط، أما الباقون فقد صعدوا على أكتاف الفائض من أصوات رؤساء الكتل. كانت اللعبة المنفلتة من اللحظة العراقية الحرجة آنذاك تستوجب طمر قانون الاحزاب، واقتحام البرلمان بسلاح القائمة المغلقة التي واجهت انتقادات حادة استوجبت تلطيفها بنظام القائمة المختلطة "المغلقة المفتوحة" التي جرت تحت آلياتها انتخابات مجالس المحافظات قبل عامين، والتي لم تكن هي الأخرى بمنأى عن الانتقاد، ما فرض اللجوء الى نظام "سانت ليغو" المعدل (متوالية حسابية تطبق بهدف جعل عملية توزيع المقاعد أكثر عدلاً) في نسخة 2014 من الانتخابات البرلمانية العراقية.

تنافس على الرئاسات

لم تتغيّر الإرادة الشعبيّة خلال السنوات الأربع الماضية كثيراً. كما لم يشهد المزاج الانتخابي العام تغييرات جوهرية. 211 عضواً في البرلمان السابق حيدتهم صناديق الاقتراع مجدداً في الانتخابات البرلمانية التي جرت نهاية نيسان/أبريل الماضي، هم بأغلبهم من الوجوه التي رفض الشارع تفويضها في الانتخابات الماضية. معظم هؤلاء من الكتل الكبيرة مثل "دولة القانون" بزعامة رئيس مجلس الوزراء الطامع في ولاية ثالثة نوري المالكي، والتي خاضت الانتخابات خارج سرب التحالف الوطني (الشيعي)، متعكزة على نجاحها المنظور في انتخابات مجالس المحافظات الماضية، متوسمة الحصول على ما يكفي من المقاعد البرلمانية التي تؤهلها لتشكيل حكومة أغلبية برلمانية. لكن بيدر الاصوات لا يطابق بالضرورة حقل الامنيات. ورغم حصول "ائتلاف دولة القانون" على 93 مقعداً، وهي أعلى نسبة من المقاعد جعلتها تتصدر القائمة، مبتعدة عن أقرب منافسيها بما يفوق ضعف المقاعد، وعلى الرغم من حصول زعيم القائمة نوري المالكي على أعلى نسبة من الاصوات، تزيد على 720 الف صوت، لكن المفارقة كانت في حصول بعض الكتل المؤتلفة مع المالكي وحزبه - حزب الدعوة - على مقاعد أكثر مما حصل عليه الحزب، مما فتح باب التنافس على منصب رئيس الوزراء داخل الائتلاف، حيث تطالب الكتل المنضوية تحت خيمته بالاختيار من بين أعضائها وليس بالضرورة من بين أعضاء حزب الدعوة. فقد حصل "تنظيم بدر" الذي يتزعمه وزير النقل هادي العامري الخارج من مظلة المجلس الاعلى الاسلامي على 22 مقعدا، كما حصلت كتلة "مستقلون" التي يتزعمها حسين الشهرستاني نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة، المتهم بالفشل في ملفي النفط والكهرباء، على 33 مقعداً، في حين لم يحصل حزب رئيس الوزاء الا على 13 مقعداً من مجموع مقاعد الائتلاف الـ"93". أما كتلة "متحدون" المنشقة عن القائمة العراقية لاسباب تتعلق بالصراع على الزعامة بين رئيسها، أسامة النجيفي رئيس مجلس النواب، وأياد علاوي رئيس "القائمة العراقية" التي حصدت أكبر عدد من مقاعد البرلمان في انتخابات عام 2010، فتشهد على طموح الاول برئاسة الجمهورية، ضمن صفقة لإعادة توزيع رئاسات الوزراء والجمهورية والنواب بين المكونات الثلاث الرئيسية في العراق، وهي الشيعة والسنة والكرد، بحيث تبقى رئاسة الوزراء من حصة الشيعة فيما يتبادل السنة والكرد منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان. الا أن النجيفي لم يكن أفضل حالاً من المالكي في مسألة توزيع المقاعد ضمن قائمته، فهو لم يحصل إلا على 5 مقاعد من مجموع مقاعد القائمة البالغة 23 مقعداً، فيما حصد "الحزب الإسلامي" بزعامة أياد السامرائي على 11 مقعداً و"حركة الحل" بزعامة جمال الكربولي على 8 مقاعد، الأمر الذي اشعل خلافات على زعامة القائمة، ومن ثم على الترشح لمنصب رئيس الجمهورية بين أسامة النجيفي وجمال الكربولي الذي بدأ بالفعل بمغازلة المالكي من خلال انضوائه تحت خيمة "اتحاد القوى الوطنية" المتشكل من مجموعة من الشخصيات والكتل السنية، بزعامة صالح المطلك رئيس "القائمة العربية" وسليم الجبوري القيادي في "تحالف ديالى هويتنا" التي اعتمدت المناطقية برنامجاً انتخابياً، وحصدت 5 مقاعد في المحافظة، ليعلن "الاتحاد" الجديد، وفي أول خرق للخط الأحمر على الولاية الثالثة، موافقته على أي مرشح لرئاسة الوزراء يقدمه التحالف الوطني الشيعي، وهي إشارة واضحة على موافقة الاتحاد الضمنية بالتمديد للمالكي في ولايته الثالثة، ما يعني تضاؤل آمال النجيفي بالقفز على كرسي رئاسة الجمهورية ما لم تتم صفقة إقليمية يلعب فيها حلفاؤه الاتراك، ومن خلفهم القطريين، دوراً ضاغطاً لاتمامها، بعد فشل إعادة تأهيل طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الهارب إلى أنقرة والمدان بقضايا تتعلق بالإرهاب. ولعل أسماء مثل خالد العطية وحسن السنيد وجمال البطيخ وحسن العلوي وعلي الشلاه والعشرات غيرهم، هي مثال حي للعلاقة القلقة بين الشارع والصورة المفترضة لممثليه في البرلمان. هؤلاء الذين أطاحت بهم صناديق الاقتراع لم يشفع لهم التحشيد الطائفي الذي بدا في أوج السجال الانتخابي وكأنه أصبح سعاراً، ولم يشفع لهم التخندق خلف أيقونات انتخابية كالمالكي الذي غرف معظم أصواته من نهر العسكر، ضمن التصويت الخاص، كما لم يشفع لهم الظهور الإعلامي المكثف في فترة ما قبل الانتخابات. لكن أغلب هؤلاء مطمئن الى أن ثمة شبابيك برلمانية مشرعة أمامه للتسلل الى قبة البرلمان بعد أن لفظته أبوابه الموشحة بما يفترض انها إرادة الشعب. 

فوز بطعم الخسارة

ثمة فوز هنا بطعم الخسارة، وثمة خسارات هنا حددتها الثقافة الديمقراطية المتحررة من أسر إدعاء التمثيل الطائفي، والمتحررة من الضغط الحسي للمرجعيات الدينية أيضاً، ثقافة متنامية، وإن كان تناميها بطيئاً. أزمة الأنبار (كتب هذا النص قبل وقوع أحداث الموصل الأخيرة) ألقت بظلالها في صناديق الاقتراع. والأزمة الصامتة بين المرجعية الدينية وبعض الأحزاب الاسلامية الشيعية.. أيضاً. أزمة الأنبار كشفت أقنعة المدعين بتمثيل المكون السني قبيل الانتخابات. من هنا لم تحصد قائمة النجيفي الذي طرح نفسه ممثلاً للعرب السنة إلا أربعة مقاعد في محافظة الأنبار ومثلها في بغداد وثلاثة مقاعد في صلاح الدين، ولم تسعفه سوى محافظة نينوى، مسقط رأسه ومعقل المتطرفين من الحركات السنية، حيث حصلت على اثني عشر مقعداً. وقد تكون مفارقة، أن يحصل مقاول مغمور لم يخض غمار السياسة من قبل على ثاني أعلى نسبة من أصوات صلاح الدين، مخلفاً عتاة القوائم ومدعي التمثيل الطائفي في ذيل القائمة، وبعضهم كان حتى الأمس القريب يطالب بأعلى المناصب من أجل إنصاف طائفته ("المهمشة"). ومن هنا أيضاً كان لموقف المرجعية الشيعية في النجف تأثيرها المباشر في صناديق الاقتراع، بعد أن نأت بنفسها، ولأول مرة بهذا الشكل من الوضوح، عن دعم أي مرشح أو أي قائمة، بل وحرمت إعادة انتخاب بعض النواب (بسبب فسادهم المفضوح) كما جاء على لسان الشيخ بشير النجفي أحد مراجع الشيعة الاربعة الكبار.طبخات الكتل السياسة العراقية، العلنية منها والسرية، تتمحور حول رئيس الوزراء المقبل، بتعبير أدق، حول الولاية الثالثة لنوري المالكي قفزاً على قرار صوّت عليه البرلمان العراقي الحالي بحصر رئاسة الوزراء بولايتين اثنتين، ما عد في حينه مخالفة صارخة لمواد الدستور الذي لم يحدد عدد ولايات رئيس الوزراء، أو الاتفاق على مرشح بديل تتفق عليه الكتل الشيعية المنضوية تحت خيمة التحالف الوطني الشيعي، وهو أمر يصعب الوصول إليه، خصوصاً وأن كتلتي المواطن والأحرار المعنيتين وفقاً لتسلسل الكتل الشيعية وتوافقاتها البرلمانية بطرح البديل، لم تتمكنا حتى الآن من طرح شخصية كارزمية يمكن ان تحظى باجماع الكتل من جانب، وبقبول ايراني – أمريكي – تركي، من جانب آخر. وإذ تبدو حظوظ احمد الجلبي مرشح "كتلة المواطن" في تصاعد، إلا أن المرجح هو حصر التنافس بين نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء الحالي، ومرشح شيعي من خارج خارطة التحالفات قد يكون السيد علي عبد الامير علاوي أول وزير للمالية في ما بعد العام 2003، والذي يحظى بدعم واشنطن وسياسيين عراقيين من مختلف الكتل والأحزاب الشيعية. لكن ترشيحه يصطدم بمخاوف ايرانية، كونه يمثل الاتجاه الشيعي العلماني.
ثمة تمديد للوقت خارج أشواط اللعبة المقررة. قد يأكل التسويف في قضية تشكيل الحكومة أشهراً ما لم يتم الضغط الدولي والحكومي للخروج من مستنقع الفشل الذي شل الحياة في العراق، وللسيطرة على منسوب بارود التفجيرات المتصاعد في أجواء المدن مع تصاعد حدة الخلافات بين الأحزاب والكتل.

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...