موريتانيا: المعارضة تدير ظهرها للانتخابات الرئاسية
أعلنت الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة المنضوية تحت لواء "منتدى المعارضة الموريتانية"، عن مقاطعتها للانتخابات الرئاسية التي تعتزم السلطات الموريتانية تنظيمها في 21 حزيران/يونيو2014. وضعت هذه المقاطعة حداً للحوار مع السلطة من خلال بيان أصدره المنتدى في الرابع من أيار/مايو: "النظام يصر على السير في طريق أجندته الأحادية ويرفض أن يقدم أي ضمانات لتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، ويقف أمام أي توافق وطني يؤسس لديموقراطية حقيقية".انتقد المنتدى قيام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بتقديم ملف ترشحه للمجلس الدستوري في ظل الاحتقان الحاصل وانتفاء الإجماع الوطني حول الانتخابات. فقد اعتبر أن ترشُح عبد العزيز، يقطع الطريق أمام أي توافق، مؤكداً تمسكه بمبدأ الحوار الجدي والمسؤول من أجل إيجاد حل ملائم وسلمي للأزمة التي تعيشها البلاد.حزب "التحالف الشعبي التقدمي" الذي شارك في الحوار سنة 2011 بين السلطة وبعض التشكيلات السياسية، وكان أيضاً من ضمن المشاركين في الانتخابات التشريعية والنيابية التي أجريت في 23 تشرين الأول/أوكتوبر الفائت، والتي قاطعتها منسقية المعارضة الديموقراطية (أهم مكونات منتدى المعارضة)، يرى أن الانتخابات الحالية تفتقد للإجماع الوطني. وكان حزب التحالف قد أبدى امتعاضه من الطريقة التي سيرت بها "اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات" الانتخابات التشريعية والبلدية وقد طالب سابقاً بهيكلتها. كما رحبت بعض الحركات الشبابية، كحركة 25 شباط/فبراير المناهضة للحكم العسكري، بقرار المقاطعة.
جدوى أم اضطرار؟
لكن قرار المعارضة بمقاطعة الانتخابات لم يغير حتى الآن في الأمر شيئاً. فالمجلس الدستوري أعلن القائمة النهائية للمتنافسين في الانتخابات الرئاسية التي خلت من أي مرشح عن أحزاب المعارضة، أو أي من شخصياتها التاريخية.مقاطعة المعارضة بشكل كامل للانتخابات الرئاسية القادمة، فتحت النقاش حول جدواها ومستقبل الأزمة السياسية في موريتانيا، وهذا الأمر سيزيد من الاحتقان السياسي. لكن المعارضة تجد نفسها مرغمة على المقاطعة، لأن السلطة لم تقدم أي ضمانات من أجل انتخابات نزيهة، والدليل أن من بين المقاطعين من شارك في الانتخابات التشريعية ودفعته تجربته إلى المقاطعة. فالمعاناة من مستوى تدخل الجيش في سير تلك الانتخابات، والتزوير، وعدم حياد الإدارة، واستخدام موارد الدولة لدعم مرشحي السلطة وفشل اللجنة المستقلة للانتخابات... لم تترك لهم أي خيار آخر. يرى أصحاب هذا الطرح أن حالة الاحتقان وعدم وجود أي نقاط تلاق وفشل كل عمليات الحوار بين السلطة والمعارضة قد تعيد الانقلابات إلى المشهد الموريتاني.
... أم مناورة؟
أم أن قرار المعارضة بمقاطعة الانتخابات لا يعدو كونه مناورة سياسية من أجل التأجيل وتكرار السيناريو الذي حدث بعد انقلاب محمد ولد عبد العزيز على الرئيس الموريتاني سيدي ولد الشيخ عبد الله عام 2008؟ حينها قامت المعارضة بمقاطعة الانتخابات التي دعا لها الجنرال المنقلب. ونجحت مقاطعة الانتخابات بإفراغها من أي قيمة ولم يستطع الجنرال تسويقها للرأي العام الدولي. دفعه ذلك الى الدخول مع المعارضة في حوار برعاية دولية في العاصمة السنغالية داكار، تم بموجبه تأجيل الانتخابات التي عادت ونظمت في تموز/يوليو 2009، في ظل حكومة تصريف أعمال توافقية. وقد انتخب الجنرال محمد ولد عبد العزيز، فشككت المعارضة في نزاهتها وقالت إن الجنرال تنكر لكل نقاط اتفاق دكار، والتي كان من أهمها حوار دائم بين السلطة والمعارضة من أجل خلق جو ديموقراطي حقيقي ومراجعة اللوائح الانتخابية.ولكن الظروف الدولية تغيرت، خاصة بعد الانتكاسات التي حدثت في بعض الدول العربية. كما أن فرنسا، أهم الفاعلين في موريتانيا، تدعم ولد عبد العزيز وتعتبره حليفا لها في حربها على الإرهاب. وحتى إذا حدث ما يشبه حوار 2009، فلن تستفيد منه المعارضة وستتكرر التجربة نفسها السابقة، لأن السلطة لن تفي بالتزاماتها سوى بمواصلة الضغط في الشارع والاستمرار في سياسة التأزيم، فيجبر العسكر على التنازل والتوقف عن حشر أنفهم في كل تفاصيل المشهد السياسي، والانصياع لوجود دولة مدنية ديموقراطية مؤسساتية، لا سيما أن موريتانيا تعيش منذ شباط/فبراير 2011 حالة من الحراك الشعبي والسياسي والحقوقي والفئوي لا بد من السعي لاستثمارها في فرض تغيير نوعي على العملية الانتخابية.
أحمد ولد جدو
نقيب المحامين الموريتانيين يستجيب للمعارضة.. وينسحب!
وسط حرب نفسية ودعايات متضاربة مثيرة، قرر نقيب المحامين الموريتانيين احمد سالم ولد بوحبيني الإنسحاب من السباق الرئاسي.
لعل هذا الانسحاب للمرشح الذي بدا الوحيد الجدير فعلا بمنافسة الرئيس الحالي المنتهية ولايته، يندرج ضمن مساعي المعارضة لتأجيل الانتخابات حتى تتمكن من تنظيم حملة ضد ولد عبد العزيز، وهو لواء سابق في الجيش استولى على السلطة بالدبابات قبل أن ينظم انتخابات ويفوز فيها. وعاد اليوم ليرشح نفسه مجدداً. نقيب المحامين برر موقفه بانعدام الشفافية وغياب المصداقية. ولكن الحملات الدعائية لم يحن وقتها بعد ليمْكن اتهام السلطة بالانحياز للرئيس المرشح. والمرجح وجود ضغوط مورست على النقيب من طرف بعض أطياف المعارضة التي تقاطع هذه الانتخابات، ما أكده الحضور القوي لزعمائها مع النقيب خلال المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه انسحابه. وهو من جهته قال أن قراره يأتي بعد اتصالات أجراها مع "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" الذي يضم جميع الأحزاب المعارضة، وأن رئيس المنتدى طلب منه الانضمام لخيار المقاطعة.وقد واصل الطرفان إقحام جهات خارجية. زعمت صحف المعارضة أن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في غرب إفريقيا، دعا الأطراف السياسية في موريتانيا إلى الدخول في حوار شامل من أجل التوصل إلى انتخابات رئاسية توافقية، وأن موريتانيا تحتاج الآن إلى حوار شامل، مؤكدا على "ضرورة التوجه لمثل هذا الحوار لصيانة المكاسب الديمقراطية".
إلى ذلك نقلت بعض المعارضة عدم مشاركة الاتحاد الأوروبي في مراقبة الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها بحجة أن الاتحاد يشترط لإرسال أي بعثة مراقبة أن تكون الانتخابات توافقية، وهو ما يعتبره الأوروبيون شرطا مفقودا حتى الآن في الانتخابات الرئاسية القادمة. غير أن الممثل الخاص للام المتحدة في الغرب الإفريقي نفى ذلك جملة وتفصيلا، مؤكدا أن لا علاقة له بالوضع الداخلي في البلاد.وقد قللت الحكومة الموريتانية من أهمية قرار انسحاب النقيب السابق للمحامين، وأنه "لا يغير أي شيء، فهناك قامات سياسية كبرى تشارك في هذا الاستحقاق"، في إشارة إلى أربعة مرشحين من أبرزهم بيجل ولد حميد رئيس حزب الوئام وبيرام ولد اعبيدي الناشط الحقوقي. وحمل كتاب موالون للسلطة على النقيب ووصفوه بالمتناقض.
واعتبر أنصار الرئيس أن النقيب، بعد أن كان من قادة المنتدى ومنظريه وأبرز رجاله ، خالف قراراته وترشح بمفرده وبقرار نابع من قناعته كما قال.. ثم عاد بعد أيام قلائل ليعلن سحب ترشحه في "مشهد درامي عجيب". بينما يعتبر أنصار الرجل الحقوقي أن قرار الانسحاب هو القشة التي قصمت ظهر الاستحقاق الرئاسي. ويراهن هؤلاء أن هناك اتفاق في نواكشوط على أن قرار نقيب المحامين بالانسحاب، وبغض النظر عن الأسباب والظروف التي اكتنفته، يمثل ضربة قوية للنظام الموريتاني في جهوده الساعية إلى تنظيم انتخابات تنافسية. وللمفارقة، فانسحاب نقيب المحامين الذي كان أبرز المنافسين للرئيس /المرشح، قد يمهد لولاية جديدة لهذا الأخير، بغض النظر عن التبعات اللاحقة.