في العام 2002، وقعت مواجهات خلفت قتلى وجرحى بين أهالي مدينة معان وقوات الأمن الأردنية بما فيها الجيش نفسه، استخدمت فيها الطائرات السمتية والمداهمات والمطاردة"من بيت إلى بيت" ضد مطلوبين للعدالة الأردنية. وفي العام 2003، وضعت منظمة "مجموعة الأزمات الدولية" تقريرا بعنوان "معان.. أزمة مفتوحة" وقدمته للملك عبد الله الثاني، ثم أخرجته إلى العلن في مؤتمر صحفي، اكدت فيه المنظمة أن معان، التي تبعد عن العاصمة الأردنية نحو 210 كلم جنوبا ويسكنها نحو 120 ألف نسمة، لا تزال "أزمة مفتوحة " في الخاصرة الجنوبية للأردن. ولكن السلطات الأردنية تعامل هذا الملف بعدم اكتراث.وقد تكرر مشهد المواجهات مرات كثيرة في معان خلال السنوات العشرين الماضية، في ظل ما يشبه التراث الصراعي بين أهاليها والدولة المركزية. ففي مواجهات أزمة رفع أسعار الخبز سنة 1996، تعرضت المدينة لحملة عسكرية ضارية. ثم تكررت هذه الحملات في الأعوام 1998، و2002، و2012، وصولا الى العام 2014. وكانت أحداث نيسان/ابريل 1989 قادت الملك الراحل حسين للتخلي عن مرحلة الأحكام العرفية. ومن المفارقات في تاريخ "الحملات التأديبية" لمعان، أن تاريخ 17 نيسان/ابريل ذاك الذي اندلعت فيه تلك المواجهات، يتكرر في اليوم نفسه من العام 2014، إذ عادت معان لتتعرض لحملة أمنية واسعة.ويلاحظ أن مطالب أهالي معان الاحتجاجية تتعلق بالجوانب الخدماتية والتنموية، ومعالجة نسب الفقر والبطالة العالية بين أبناء المحافظة.
وقد كشفت إحصاءات رسمية صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة في الأردن أن معان سجلت أعلى نسبة بطالة في المملكة للعام الماضي 2013 وبلغت 19,8 في المئة، بينما تقول الأرقام والإحصاءات غير الرسمية أن نسبة البطالة في المحافظة أعلى من ذلك بكثير. ولا تؤخذ بالاعتبار هذه المعطيات الحياتية والاقتصادية في تعامل الدولة مع معان، كما أن محاولة الحكومة "شيطنة المدينة" بخلطها معادلة الأمني والسياسي والسلفي لم تموه حقيقة أنه لا توجد أية خطط تنموية للمدينة التي يغلب عليها الطابع العشائري المنغلق، وهو ما يدفع بأهاليها للعمل حتى على حماية المطلوبين أمنيا للدولة، ويدفع بالحكومات الى اللجوء للقوة العسكرية المحضة من أجل بسط سطوتها وهيبتها هناك.ومعان الجنوبية مدينة قديمة يتكئ أهلها على إرث تاريخي يمر بعهد الرحلات التجارية بين قريش ودمشق قبل الإسلام. ويقع فيها "جبل التحكيم" الذي شهد حادثة التحكيم بين علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان.
إلا أن أهالي معان لا يحفلون كثيرا بتلك التفاصيل بقدر إبرازهم الدائم لواقعة أن مدينتهم وأجدادهم هم أول من استقبل مؤسس الدولة الأردنية الحديثة الملك عبد الله الأول جد الملك الحالي.وتضم المدينة تيارا يشكل بالمحصلة خزانا للأفكار السلفية الجهادية، حيث يحضر فيها المئات من أنصار بن لادن والزرقاوي، واخيرا جبهة النصرة التي تقاتل في سوريا، وهي الأكثر حضورا بين سلفيي المدينة. وليست هناك أرقام دقيقة عن عدد من التحقوا بجبهة النصرة من أهالي المدينة حصراً إلا أن تخمينات تتحدث عن نحو 200 مقاتل من معان وحدها يقاتلون في سوريا من أصل 3000 مقاتل أردني التحقوا بجيش النصرة، قتل منهم أكثر من 220 مقاتلا، وعاد بعضهم لأسباب شتى من بينها تعرضهم لإصابات خطيرة لا تسمح لهم بمواصلة القتال. وغالبية المقاتلين الأردنيين لا يزالون في درعا.وفي الأحداث الأخيرة، لم يتردد وزير الداخلية الأردني في الإعلان بأن"جيش النصرة يحارب قوات الدرك في معان"، ولعل تصريحه هذا جاء بعد أن رفعت أعلام ورايات جيش جبهة النصرة في معان، فضلا عن نشر صور لمقاتلين على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يتوعدون الأردن بالمفخخات لنصرة المدينة أثناء تلك المواجهات، ويطالبون أهلها بالصبر والثبات، ويصفون المدينة بأنها "فلوجة الأردن " قياسا على الفلوجة في العراق.
ثم عاد وزير الداخلية فتراجع تماما عن أقواله تلك أمام البرلمان الأردني معلنا بأن الدولة "تطارد خارجين على القانون، ولا شأن لنا بالأفكار السياسية والاعتقادات التي يعتنقها البعض، سواء أكانوا سلفيين او جهاديين أو غيرهم، وخلال العامين الماضيين القينا القبض على 158 خارجا على القانون، ولم يتبق غير 20 مطلوبا".
تؤكد المؤشرات المتوفرة أن معان ستبقى ملفا مفتوحا وموجعا في خاصرة الأردن الجنوبية، ولن تنتهي المواجهات مع الدولة المركزية في العاصمة ما دامت المدينة خارج الخطط التنموية للحكومات المتعاقبة، وما دامت الحكومات نفسها تسمح بالظهور العلني المسلح فيها تحت عناوين وأفكار شتى.
كما تحتاج معان لحسم الشكوك حول دور البعض في العمل المتواصل على تأزيم علاقتها بالسلطة المركزية، وتحديدا الجارة الجنوبية، السعودية، التي تُتهم بأنها تمتلك نفوذا وروابط في المدينة، وبأنها في الفترة الحالية تمدها بالسلاح بهدف إيصاله إلى سوريا.