ما إن أصبح تنظيم "داعش" العدو الأول للأردن حتى باتت السياسة الأردنية الخارجية أكثر توجّها لقاعدة "عدو عدوي صديقي" في محاولة منها لتثبيت الاستقرار وصد الخطر الذي يتربص بها على بُعد مسافة قصيرة وعلى طول حدودها الشمالية مع سورية والشرقية مع العراق.
ارتفاع كلفة الحرب والأمن والحماية والإجراءات الوقائية من هذا الإرهاب الذي يتطاير شرره بسهولة، دفعت الأردن الذي يعاني الكثير من المصاعب الاقتصادية إلى تلمس وسائل لمحاربته واتقاء شرّه، من دون استبعاد الاشتباك المباشر معه. فكانت الدبلوماسية: التعاون مع دول العالم في الحرب على داعش.. تلك المعركة التي أصبحت بالنسبة للأردن أمراً لا يمكن العودة عنه بعد إحراق الطيار معاذ الكساسبة، أصبحت أكثر إلحاحاً بالنسبة للدول الأوروبية بعد الضربات الموجعة التي اكتوت بها فرنسا وبعد أن ملأت قوارب اللاجئين شواطئ القارة العجوز. الأردن أبقى جميع الأبواب مفتوحة بغض النظر عن التوترات السياسية، شارك في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن مع العلم أن الرياض تطمح إلى موقف أكثر التزاماً من ذلك من قبل الأردن الذي لطالما تلقى دعماً اقتصادياً بالمليارات منها.
ولكن ذلك لم يمنع الأردن من التقارب مع إيران على مستوى السياسة، فبعد ست سنوات أرسلت عمان سفيراً لها إلى طهران أواخر عام 2014، وزارها وزير الخارجية الأردني بدايات 2015 بعد 8 سنوات من آخر زيارة لها، واستمرت عملية إعادة تطبيع العلاقات مع إيران بزيارة وزير الأوقاف لمدينة قم الايرانية.
ومن المعروف أن الأردن اعتاد تقديم مواقف أكثر التصاقاً بالتوجهات الأمريكية دون تفريق بين الجمهوريين أو الديمقراطيين، وهو يستمر في ذلك، لكنه لم يتوانَ عن التوجه نحو القوة الروسية غريمة أمريكا التقليدية حينما بدأت بالتدخل العسكري المباشر في سورية. فزارها العاهل الأردني مرتين خلال عام 2015، كما زارت رئيسة المجلس الاتحادي الروسي الأردن، وطغت على تلك الزيارات جميعها مناقشات لتوفيق "الجهود في مكافحة الإرهاب"، ولا ينكر الطرفان التقارب الاستراتيجي التنسيقي للعمليات العسكرية فوق الأجواء السورية. المفارقة في التنسيق الأردني ــ الروسي تكمن في أن الأردن باشر قبل شهور من التدخل الروسي العسكري بتدريب قوات من المعارضة وأبناء العشائر السوريين بمساعدة أمريكية. التدريبات وجّهت لمن يوصفون بـ"المعارضة المعتدلة".
وفي سبيل حشد الدعم الدولي للمصلحة الأردنية، سواء بزيادة نسبة المنح المقدمة للاجئين أو بمكافحة الإرهاب، قام الملك بزيارة أكثر من 20 بلداً خلال عام 2015، حاملاً على عاتقه رسم السياسة الخارجية دون عودة لمجلس النواب ومن دون حضور وزير الخارجية في الكثير من الزيارات.. حيث تناول أيضاً الوضع المتفجر في فلسطين.. الأردن يحاول تهدئة جميع الخطوط الحدودية غرباً وشمالاً وشرقاً، والتي يتلمّس الخطر منها بشكلٍ دائم.
الخطة إذاً هي فتح الآفاق مع دول استحال في السابق التفكير بالتوافق معها، مع المحافظة على الركائز التقليدية والثابتة في التبعية لمراكز القوى الغربية الأمريكية والخليجية بحكم المال. لكن تضارب المصالح بين هذه الدول قد يؤثر على دولة هشّة اقتصادياً كالأردن في حال انحرفت عن المحور الذي اعتادت الدوران فيه، الأمر الذي يفرض عليها التحرك بحذر إلى حين انتهاء التوترات الضاغطة في الإقليم.