يستمر اليوم وضع 13 في المئة من سكان الأردن خارج الحسابات الرسمية والمجتمعية، وتتزايد العقبات في وجههم، معطّلة عليهم حياتهم ومقْعّدة ممارستهم لأي نشاط عادي بسبب كونهم أصحاب إعاقة.
المجتمع يرفض
أن تكون شخصاً معاقاً في الأردن لا يعني فقط أن تلازمك النظرات الغريبة المتفحّصة لإعاقتك منذ الصغر وحتى الوفاة، لكنه في حالاتٍ كثيرة يعني أن تخجل منك العائلة وتخفيك عن أعين الناس أو تربطك بقيود وسلاسل في غرفة جانبية للمنزل أو تحت الدرج كما في الحالات التي تم اكتشافها وهزّت البلاد مؤخراً، ويعني أن يقوم والدك بإلقائك من السطح وإحراق جثتك كونك ولدت وأنت تعاني من متلازمة داون.
أن تكون معاقاً في الأردن يعني أن هيئتك ستكون مكمّلة لمشهد إشارات المرور أو الأسواق التي يكثر فيها المتسولون، وهي المهنة التي تصبح الملاذ الوحيد للكثير من ذوي الإعاقة الذين يجدون أنفسهم منبوذين من جميع فئات المجتمع، وقد سُدّت فرص الحياة أمامهم من البداية.
مبعَدون عن مقاعد الدراسة والسياسة
.. يعني أن تواجه صعوبة بالدراسة بسبب عدم جاهزية المرافق العامة لخدمة ذوي الإعاقة الحركية، فلا الطرق مهيأة لأن يسيروا عليها ولا المدارس لأن يتنقّل فيها شخصٌ يمضي حياته على كرسي متحرّك، على الرغم من أن حوالي 20 في المئة من العدد الإجمالي للأشخاص المعوقين هم تحت سن الـ15، أي أن مكانهم الطبيعي هو المدارس. وهذا وضع يتنافى مع الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تنص على أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الضرورية لكفالة تمتع الأطفال ذوي الإعاقة تمتعا كاملا بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وذلك على قدم المساواة مع غيرهم من الأطفال". قرابة 18 ألف شخص من المعوقين أميّون لا يجيدون القراءة والكتابة، ووفقاً لأرقام رسمية فإن 3 في المئة فقط من الأطفال ذوي الإعاقة يتلقون التعليم.
أن تكون معاقاً يعني أن تفكّر ألف مرّة قبل الإدلاء بصوتك في الانتخابات الوطنية، فمراكز الاقتراع لا تراعي ذوي الإعاقة أيضاً، وقد تضطر إلى الصعود طابقين بدون وجود مصعد للمشاركة في الانتخابات، الأمر الذي يتعارض أيضاً مع المادة 29 من الاتفاقية وتنص على "كفالة أن تكون إجراءات التصويت ومرافقه ومواده مناسبة وميسرة وسهلة الفهم والاستعمال".
وتطالب بعض الأحزاب السياسية بوضع "كوتا" للأشخاص ذوي الإعاقة في البرلمان الأردني حتى يكون ممثلاً للشعب، حيث إنه لم يصدف يوماً أن تم انتخاب شخص معاق ليكون نائباً سوى النائب أحمد آل خطاب الذي كان يعاني من مشاكل بالنظر وأصبح وزيراً للزراعة بحكم التقسيمات المناطقية والمحاصصة الجغرافية في توزيع الوزارات. كما عيّنت الحكومة الدكتور مهند العزة، وهو ضرير، في تشكيلة مجلس الأعيان السادس والعشرين الذي يعتبر الغرفة التشريعية الثانية بعد مجلس النواب، وهي سابقة، إلا أن العزة أصبح أهلاً للمنصب بسبب الاعتراف الخارجي بقدراته العلمية والقانونية، وليس بسبب القناعة الداخلية لصناع القرار بقدرته وأهليّته، حيث يحمل شهادة دكتوراه في القانون الجنائي المقارن، ويعتبر خبيراً قانونياً معتمداً لدى كل من جامعة الدول العربية، ومنظمة الصحة العالمية، ومكتب وزراء الشؤون الاجتماعية في مجلس التعاون الخليجي وغيرها من المؤسسات العالمية والإقليمية.
العمل.. حلم بعيد المنال
على الرغم من هذه الصعوبات إلا أن الأشخاص ذوي الإعاقة يسجّلون نجاحات باهرة في قطاعات متعددة، المحظوظون منهم على الأقل، حين لا يجد فيهم أهلهم عبئاً أو حملاً ثقيلاً، وحين لا تعاني العائلة من الفقر والعوز. فحسب الأمم المتحدة إن أكثر من 80 في المئة من ذوي الإعاقة هم من الفقراء. لكن حلم الانخراط بسوق العمل لذوي الإعاقة يرتطم بجدار الواقع وأصحاب العمل الذين يرفضون تصديق أنهم قادرون على الإنتاج. فعلى الرغم من أن قانون حقوق الأشخاص المعوقين يلزم مؤسسات القطاع العام والخاص والشركات التي لا يقل عدد العاملين فيها عن 25 عاملاً ولا يزيد عن 50 عاملاً، بتشغيل عامل واحد من الأشخاص المعوقين، وإذا زاد عدد العاملين في أي منها على 50 عاملاً تخصص ما لا تقل نسبته عن 4 في المئة من عدد العاملين فيها للأشخاص المعوقين، إلا أن معظم المؤسسات لا يلتزم بهذا القرار بسبب عدم وجود جهة رقابية تنفّذ القانون، كما أن الوظائف المقدّمة لهم عادة ما تكون غير متناسبة مع مستواهم التعليمي أو خبراتهم.
الجهود الرسمية قاصرة
تتراشق المؤسسات الرسمية الاتهامات في ما بينها حول التقصير بحق ذوي الإعاقة، فوزارة التنمية تحمّل المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين نسبة من المسؤولية في ما يتعلق بالتخطيط، بسبب عمل المجلس الرئيسي على رسم السياسات ودعم المنظمات لتنفيذ القانون والاتفاقية الدولية، في حين أن التذمر من داخل المجلس نحو الوزارة يزداد يوماً بعد يوم، كونها مسؤولة عن 245 دار رعاية ومركز تأهيل وجمعية متخصصة بالإعاقة، لا يبدو أنها تؤثر تأثيراً ملموساً على حياة نزلائها. كما وعدت الحكومة بداية العام أن تقوم بدراسة القوانين المتعلقة بشؤون الإعاقة والقوانين الأخرى التي لها مساس مباشر أو غير مباشر بهم، إلا أنه حتى الآن لم يتم الإفصاح عن أي شيء متعلق بالدراسة، سواء لجهة المباشرة فيها أو إنجازها.
وفي ظل كل هذه المعيقات التي تزيد من تقييد المعاقين وترفع نسبة المعوقات أمامهم، تتجلى اختراقات جميع فئات الدولة للدستور الأردني الذي ينص على المساواة بين المواطنين، تنعكس سلباً على الحالة النفسية لتلك الفئة، وخصوصاً الأطفال منهم، قد تصل للانتحار كما في حالات متكررة على مرّ السنوات، ليقف الجميع بعد كل حادثة مذهولاً من بشاعتها وقسوتها، ذهولٌ سرعان ما يتلاشى مع الذاكرة السمكية وتعود الاضطهادات لسابق عهدها، فيُترك المعاقون وحدهم دون أي مسؤولية اجتماعية أو إنسانية.