قد يعتقد طالب الطب الأردني يوم تخرّجه من الجامعة أنه أنهى مشواره الطويل الذي امتد لستّة سنوات، وأنه أصبح طبيباً فعلياً جاهزاً ليخوض تجربته في العمل الميداني كطبيب عام مقيم. لكنّه سرعان ما يصطدم بحقيقة مختلفة حيث تفرض عليه التشريعات والأنظمة عاماً كاملاً من العمل كطبيب "امتياز"، يمارس فيها العمل في المستشفيات تحت إشراف الطبيب المقيم. خريجو الطب من جميع الجامعات، سواء كانت أردنية أم غير أردنية، عليهم اجتياز هذه السنة التي تحددها تعليمات وزارة الصحة بـ11 شهراً كحد أدنى وسنة كاملة كحد أقصى، موزعة على ثلاثة شهور باطني، ثلاثة شهور جراحة عامة، شهران نسائية وتوليد، شهران أطفال، شهر رعاية صحية أولية، شهر اختياري. ويوكل إليهم فيها مهام متعددة لكنها بعيدة عن مهام الطبيب المقيم، وهي شرط للحصول على إجازة مزاولة المهنة.
مهامه التمرينية
يحرّم على طبيب الامتياز أن يعمل منفردا، ولكنه يستطيع مساعدة الأخصائي في العيادة أو في العمليات، ويمنع أيضاً من كتابة الوصفات الطبية أو التوقيع عليها، في حين تطلب منه إجراءات غير متعلقة بالاحتكاك المباشر مع المرضى كأخذ السيرة المرضية للمريض وتدوينها في الإضبارة المرضية وتدوين جميع الملاحظات، والمتابعة اليومية للمرضى داخل المستشفى، وهي مهمات قد تساهم ببناء خبرة لدى طبيب الامتياز. أما الإجراءات ذات الاحتكاك المباشر لدى طبيب الامتياز مع المرضى فمتعلقة بالفحص السريري للمرضى حال دخولهم المستشفى، ومشاركة الطبيب المقيم ومساعدته في تقديم الإسعافات الأولية، بالإضافة إلى إعطاء السوائل والحقن الوريدية للمريض، الأمر الذي يجعل طلاب الطب يتذمرون بعض الشيء على أساس أنّ تلك مهام يقوم بها عادة الممرضون.
المرتب هو المشكلة
لكن طلبة الامتياز يبدون استيائهم الشديد من المبالغ التي يستلمونها شهرياً أثناء فترة التدريب، فهي لا تتجاوز الـ100 دينار أردني (ما يعادل 150 دولار)، يأخذوها تحت بند "مكافآت شهرية"، أي أنها ليست راتباً كي تتهرب الحكومة من ربطها بالحد الأدنى للأجور البالغ 190 دينار.
وضع المكافآت في دول أخرى مختلف نوعاً ما، ففي باكستان تصل قيمة المكافأة إلى 250 دولار تقريباً، كما أن الجزائر تتكفل بالمواصلات والمسكن والمأكل والمشرب للطبيب خلال فترة الامتياز، بالإضافة إلى مكافأة كل ثلاثة شهور تبلغ 150 دولاراً، ويُعامل كطبيب رسمي وليس كمتدرب.
ووفقاً لنظام أطباء الامتياز، فإنه يتم صرف وتحديد المكافأة الشهرية لطبيب الامتياز على ضوء توفر المخصصات المالية في تلك السنة، أي أنه من حق الوزارة تخفيض أو رفع أو حتى إلغاء هذه المكافأة التي لا تكفي أطباء الامتياز حتى تكاليف مواصلاتهم إلى المستشفيات.
كما يمنح النظام الوزارة الحق بإلحاق أعداد أكبر من العدد المقرر للتدريب في مستشفياتها لكن دون مكافأة مالية للطبيب، بناءا على رغبة الطبيب المتدرب وموافقته، مما يعني أن الوزارة قد تساوم الأطباء على المكافأة في حال رغبوا بالالتحاق بالتدريب ولم تكن تتوفر أمكنة في المستشفيات الحكومية. ويُمنع على أطباء الامتياز أثناء عام التدريب العمل في عيادات خاصة، مما يوقعهم (في ظل المكافأة المتدنية) فريسة سهلة لجشع الأطباء الاختصاصيين أصحاب العيادات الذين يقومون بتشغيلهم برواتب متدنية وبساعات عمل متأخرة حتى يكونوا بعيدين عن الرقابة التي تفرضها نقابة الأطباء ووزارة الصحة على العيادات.
ويشكك العديد من الأطباء بأن تكون سنة الامتياز تحقق الهدف المرجو منها وهو التدريب الكافي لتعامل الأطباء مع المرضى بشكل مباشر، حيث أن الواقع العام للطب الحكومي في الأردن متدنٍ، بالإضافة إلى أن البرنامج التدريبي غير واضح ويساوي بينه وبين أي فني من المهن الطبية المساعدة، وهناك روتينية العمل في المراكز الطبية وعدم احتوائها لحالات تحقق المعرفة لدى الأطباء، وعدم الاهتمام الكافي من قِبَل الجهات المعنية (وهي المجلس الطبي الأردني ووزارة الصحة) ببرنامج التدريب.
انضباط؟
وعلى الرغم من تشديد النظام الرسمي لأطباء الامتياز على التزام الطبيب بالدوام الرسمي للمستشفى، إلا أن الكثير من الأطباء يؤكدون أن الأوضاع في المستشفيات الحكومية قليلة الانضباط، حيث أن التسرّب من الدوام أمر سهل في ظل عدم وجود اهتمام فعلي بالتدريب. غياب المتابعة اليومية لأطباء الامتياز يعني انخفاض نسبة المعرفة المتوقعة منهم خلال عام التدريب، مما يوحي بأن الأطباء الذين سيتم تأهيلهم للتعامل مع أرواح الناس لن يكونوا على القدر الكافي من الكفاءة، خصوصاً وأن الأطباء خريجي الكليات الأردنية لا يطلب منهم التقدم بامتحان مزاولة مهنة بعد الانتهاء من فترة التدريب (كولوكيوم)، وتنحصر هذه الامتحانات بالطلبة الذين يحصلون على شهاداتهم من الخارج.
وحسب أرقام المجلس الطبي الأردني فإن عدد الأطباء المتقدمين لامتحان المزاولة يقدّر سنوياً بـ2400 طبيب، ونسبة النجاح بالامتحان أكثر من النصف بقليل، أي أن قرابة نصف عدد المتقدمين هم من الطلبة الراسبين بالامتحان في الدورات السابقة، الأمر الذي يؤكد على أن سنة الامتياز لا تؤدي المطلوب منها.
يتقدم للامتحان خريجو الخارج فقط، مما يثير التساؤلات حول طبيعة العلوم الطبية التي يتلقاها الطلاب في جامعات الدول الأخرى ومدى جدّية التدريس فيها خصوصاً أوروبا الشرقية.. في حين أن عدد الأطباء من خريجي كليات الطب من الجامعات الأردنية يزيد عن 5300 طبيب، منتسبون لنقابة الأطباء، من غير المعلوم إذا كان جميعهم مؤهلون لهذه المهنة حيث أنه لا يوجد أي تقييم فعلي لهم بعد الامتياز.
حالة من الإحباط يعانيها الأطباء الجدد بسبب التعامل المنقوص معهم في ظل الضغوطات الاقتصادية والسنوات الدراسية الطويلة، تنعكس بشكل ملحوظ عليهم وعلى القطاع الطبي وتجعل حالة الثقة بين المواطن والطبيب منخفضة المستوى، مما يهدد القطاع الصحي الحكومي..