تقول الحكمة القديمة.. سلوك الانسان اكثر ما يدل على سياسته.. هذه الكلمات اختصرت بشكل كبير ماحصل في اقليم كردستان وتحديدا عاصمته مدينة اربيل والتي تنطبق تماما على الشخصيات المنظمة والمشاركة في مؤتمر كان عنوانه "التطبيع مع اسرائيل" بغطاء دعم الفيدرالية، فهؤلاء واقصد المنظمون، سلوكياتهم معروفة في التقلب وتغيير المواقف والانتماءات بين فترة واخرى وتتحرك بوصلتهم مع الاتجاهات التي توفر لهم الاموال وتحقق غايتهم في الحصول على المناصب الاجتماعية حتى لو كانت على حساب المنهجيات والعقائد الثابتة.
ولعل في مقدمة هؤلاء الشيخ وسام الحردان الذي فشلت جميع محاولاته السابقة في العودة للواجهة بعد انتهاء دوره الذي رسمه رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي حينما جاء به كبديل عن احمد ابو ريشة لقيادة الصحوات "نكاية" بابو ريشة في حينها، بعد التحاقه بالاعتصامات التي شهدتها مدن الانبار وبعض المحافظات في العام 2012، فالجهة المنظمة والداعمة وجدت في الحردان الشخصية المناسبة التي يمكن من خلالها تقديم مشروعها الذي فشلت في ايجاد ارضية مناسبة له في اكثر مرة، فهي فضلت اختياره بسبب علاقاته المتعدد مع شيوخ العشائر وخاصة في المحافظات الغربية والشمالية، ولكون ورقته بالتطبيع مع اسرائيل لم تكن مكشوفة حتى ساعة عقد المؤتمر، التي اعتقدت بان تتظيمه في اربيل سيوفر الفرصة المناسبة لتمريره مع وجود مشاركين لديهم العديد من الملاحظات على القوى السياسية وخاصة الشيعية التي تسيطر على رئاسة الحكومة منذ ثمانية عشر عاما، وتعتقد بانها تتعامل معها بسياسة الاقصاء.
لكن.. الغريب في تلك "الفتنة" موقف حكومة اقليم كردستان واجهزتها الامنية التي ادعت في بيان لوزارة الداخلية بانه لا علم لها بتنظيم المؤتمر او اهدافه في وقت تحدث التلفزيون الاسرائيلي بان "المؤتمر عقد بحماية من قوات الامن الكردية"، إضافة إلى وجود مجموعة من النقاط او الشروط التي تضعها السلطات في اقليم كردستان لعقد المؤتمرات او الندوات مهما كانت الجهة المنظمة،.. اولها.. الحصول على موافقة الامن الكردي "الاسايش" بنوع المؤتمر واهميته وعدد المشاركين والجهات التي يمثلونها، ثانيا… اذا كان المؤتمر في اربيل يحضره ممثلون عن جهاز مخابرات الحزب الديمقراطي الكردستاني "بارستن"، وفي حال عقده بمدينة السليمانية تجد من بين الحضور او المشاركين بحماية المؤتمر عناصر من جهاز المخابرات التابع للاتحاد الوطني الكردستاني الذي يدعى "زانياري"، فكيف تريد منا سلطات كردستان وزعماء احزابها، الاقتناع بتلك الحجج والقبول بفكرة عدم معرفتها بالمؤتمر واهدافه، وهو يتزامن مع الذكرى السنوية الرابعة لاستفتاء الانفصال الذي أجرته الاحزاب الحاكمة في الاقليم بالعام 2017، وتجدد الدعوات المؤيدة لحق كردستان بالانفصال على الرغم من "فشل" المشروع وهزيمة اصحابه بعد استعادة محافظة كركوك في عهد رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي، الذي جرد زعيم الحزب الديمقراطي مسعود البارزاني من جميع "احلامه التوسعية"، التي قد يحاول الانتقام من خلال اقامة هكذا مؤتمرات هدفها "التفرقة" وخلق الازمات.
وعلى الرغم من "اخفاق" المؤتمر في تحقيق اهدافه وانقلاب السحر على الساحر، بعد ان اصبح سببا في تجديد الموقف الشعبي الرافض "للتطبيع" مع الكيان الصهيوني المغتصب لارض فلسطين، حاولت الحكومة والقوى السياسية استغلاله "لابراز عضلاتها" من خلال بيانات الرفض والادانة والاستنكار فقط، فمثلا موقف الحكومة الذي جاء من خلال بيان عن مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ابلغنا فيه ادانته للمؤتمر، لكنه لم يتجرأ على مخاطبة حكومة الاقليم او الحزب الحاكم ومطالبته بالتوقف عن احتضان مثل تلك الفعاليات، وهو ما يفسر وجود مصالح مشتركة لا يمكن الاستغناء عنها، خاصة لو علمنا بان البارزاني كان اول المساهمين بوصول الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء، في حين تضمنت تغريدة زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر مجموعة من التهديدات المرتبطة بحصول التيار الصدري على الاغلبية ومنصب رئيس الوزراء في الحكومة المقبلة، وهي شكل اخر من الدعاية التي يمارسها التيار الصدري استعدادا للانتخابات المبكرة، فكيف يمكن تفسير حديث السيد الصدر في تغريدته، "وعلى المؤمنين انتظار الامر منا للبدء بالتعامل مع هذه النماذج القذرة فالعراق عصي على التطبيع".. ليقول بعدها.. "ولنا بعد الاغلبية ورئاسة الوزراء وقفة ايضا فانتظروا إنا منتظرون"، في حين كان بالامكان اختصار تلك المواقف بانهاء التحالف السياسي مع البارزاني كعقوبة على دعمه تلك النماذج كما وصفها السيد الصدر.
الخلاصة… ان الموقف الشعبي والجماهيري واضحان من رفض التطبيع ولا يحتاج لتأكيده من خلال بيانات الادانة، لكن المطلوب من القوى السياسية التي تدعي الدفاع عن فلسطين وعروبتها، وتؤمن بالمقاومة كحق شرعي لطرد المحتل، ان تتخذ موقفا بتحالفها المستقبلي مع الحزب الحاكم في كردستان وزعيمه مسعود البارزاني، وعدم التعامل معه بعد الانتخابات لضمان تحقيق الاغلبية والحصول على المناصب في الحكومة المقبلة، لسبب بسيط وواضح وهو توفير الغطاء لهكذا مؤتمرات يمنعها القانون العراقي… اخيرا… من سيحاسب موظفين في المؤسسات الحكومية شاركوا بالدعوة للتطبيع لمنع تكراره؟.