التذمر من الازدحام في شوارع المملكة جزء من الحياة اليومية للأردنيين. وقد يأتي يومٌ لا تجد فيه موطئاً لسيارة جديدة في البلاد التي تغصّ شوارعها بأكثر من مليون وربع المليون سيارة مسجلة وفق دائرة الترخيص، بما يقارب سيارة لكل خمسة أردنيين. وتبلغ نسبة نمو تزايد أعداد المركبات 8 في المئة سنوياً، أي ضعف النسبة العالمية.
وتزاحم السيارات ذات الأرقام العربية والأجنبية أحياناً السيارات الأردنية في الطرق. فقرابة المليون مركبة غير أردنية تدخل المملكة وتغادر سنوياً وفق أرقام إدارة الجمارك العامة، مما يجعل عمّان تزدحم بمليون وثمانمئة ألف مركبة في وقت الذروة. ولا تختلف الصورة في مراكز النقل أو مجمعات الباصات التي تعج بالركاب، يتراكمون فوق بعضهم منذ ساعات الصباح الأولى، أملاً في الحصول على مقعد في الباص أو زاوية للوقوف وضمان الوصول الى وظائفهم أو جامعاتهم من دون تأخير.
لا ثقة بالنقل المشترك!
يذهب الأردنيون من استخدام وسائل النقل المشتركة إلى شراء السيارات الخاصة عند أول فرصة تسمح بذلك، وقد بلغت نسبة الأسر الأردنية التي تمتلك سيارات خاصة 46 في المئة حسب دراسة رسمية، هاربين بذا من جحيم المشكلات المتعددة التي تعانيها هذه الوسيلة، والتي تبدأ من عدم القدرة على الوصول الى جميع المناطق والاضطرار لاستخدام أكثر من ناقلة للوصول الى الجهة المنشودة، بالإضافة الى عدم دقة الوقت بسبب غياب جداول مواعيد ثابتة لغالبية خطوط النقل وازدحام الركاب وتدافعهم وعدم وجود محطات تحميل وتنزيل ثابتة.
ويبلغ قوام أسطول النقل البري أكثر من ثلاثة وعشرين ألف مركبة نقل، ما بين حافلات وسيارات ركوب متوسطة وصغيرة وتكسي، تكاد لا تكفي الركاب الذين يتكدسون فيها، حيث تحمل الحافلات ضعف حمولتها أحياناً، وكما ورد في أرقام هيئة تنظيم قطاع النقل البري، حيث يتوفر ما نسبته باص واحد لخدمة كل ألف نسمة من السكان.
وتعود 86 في المئة من مركبات النقل إلى ملكيات فردية غير منظمة، مما يوحي بدرجة عالية من الإهمال لهذا القطاع على مدى السنوات وعبر تعاقب الحكومات التي لم تسع الى تنظيم القطاع عبر شركات باستطاعتها أن تقدم خدمة النقل المشترك بجودة عالية وتستطيع أيضاً أن تتحمل مسؤولياتها أمام الحكومة.
وفي العاصمة عمان، يستخدم 13 في المئة من السكان فقط وسائل النقل المشترك وفقاً لدراسة أعدتها أمانة عمان الكبرى. وعلاوة على سوئه، فإنه مكلف أيضاً حيث يضطر البعض الى دفع نسبة تتراوح بين 25 في المئة (وترتفع لتصل الى 46 في المئة في بعض مناطق المملكة) من مجمل رواتبهم كأجور نقل، وتعتبر من أهم الأولويات لدى المواطنين بعد المأكل والمسكن.
طرق مهترئة وحوادث متكررة
تزيد أطوال الطرق المعبدة في الأردن، ما بين رئيسية وفرعية عن 7 آلاف ومئتي كيلومتر، لكنها تعاني بغالبيتها من التهالك إما بسبب الحفر أو التشققات أو الحفريات لتمديد شبكة المياه الأرضية والصرف الصحي. لكن ليس هذا ما يغضب السائقين، إنما مصدر إزعاجهم دوماً هو المطبات التي لا يخلو منها أي شارع، وبلغت نسبتها في إحدى محافظات الشمال 3.6 مطب لكل 100 متر طولي معبّد، ويتذمر السائقون أيضاً من أثر المطبات والحفر على سياراتهم وتعطل بعض القطع فيها بسبب الضربات المفاجئة.
وأدى غياب المجالس البلدية المنتخبة خلال السنوات الماضية إلى انحدار مستوى الطرق وتراجع الاهتمام بها، مما منح بعضها اسم "طرق الموت" لكثرة حوادث السير التي تفضي الى الوفيات فيها، وتصبح الطرق أكثر خطورة مع الكم الهائل من السيارات فيها، ففاقت الحوادث عام 2013 مئة ألف حادث أفضت الى وفاة 768 شخصاً.
الدولة تدير العجلة
وضعت الحكومة خططاً لعدد من المشاريع التي تتوقع أن تنهض بدورها بقطاع النقل المشترك والعام وترفع من سويّته وتخفف الضغط على الطرق، حيث أعادت إحياء مشروع الباص السريع بعد أن توقف منذ عام 2006 بسبب شبهات فساد فيه. ومن المفترض أن يتألف من 25 موقفاً في مختلف مناطق العاصمة، وتغطي خطوطه الأولى مسافة 22 كم.
وتشير الدراسات المتعلقة بالباص السريع إلى أنه سيُقل أكثر من 22 ألف راكب في الساعة خلال ساعات الذروة الصباحية، وبإجمالي متوسط عملي يصل الى 9 آلاف راكب في الساعة وفي كل اتجاه. ويفترض أن يخفف ذلك الضغط عن شوارع العاصمة عمّان. وستقارب التكلفة الإجمالية للمشروع 173 مليون دينار، بينما تفوق التكلفة التشغيلية الثمانية ملايين دينار سنوياً.
وتجهّز الحكومة لباص سريع آخر يربط بين العاصمة وثاني أكبر مدينة في الأردن من حيث عدد السكان، وهي مدينة الزرقاء، بتكلفة تبلغ حوالي 130 مليون دولار، ليغطي مساحة 30 كم، ومن المفترض أن يعمل عام 2016. وتسعى هيئة تنظيم قطاع النقل البري الى تطوير البنية التحتية لعشرة مراكز انطلاق ووصول، في عشر محافظات، بهدف رفع الكفاءة التشغيلية وتحسين نوعية الخدمات المقدمة فيها.
ومع التوقعات بازدياد عدد سكان الاردن بشكل مطّرد، وتمركزهم في العاصمة تحديداً، بالإضافة الى موجات اللجوء من المناطق المجاورة، مما يرفع الضغط على وسائل النقل، تبدو الصورة قاتمة ولا توحي بحلول جذرية للمشكلة التي اعتبرها البنك الدولي أحد مصادر القلق للبلاد.